رحلة تعود بنا إلى التراث والتاريخ بتفاصيل الفخاريات والنحاسيات والمجلدات شبه النادرة، والطوابع البريدية والعملات القديمة، بزيارة منزل "نمير محمد" بمقتنياته الشخصية.

ساعات من الزمن يمكن أن تنقضي دون أن نشعر بها؛ لنتمكن من احتواء كافة تفاصيل المقتنيات التاريخية والتراثية التي يملكها "نمير محمد"؛ وهو مقتني التراثيات وحرفي المشغولات اليدوية، يرسم بالحرق على الخشب والصدفيات في منزله الذي يتوسط قرية "بيت الكرم" التابعة لبلدية "حمين" غربي مدينة "الدريكيش"، بدأ حديثه عنها بكل شغف، وكأنه عراب تلك المرحلة، وهنا قال كبداية: «جمع الأدوات التراثية بمختلف أشكالها ووظائفها بما فيها الفخاريات والنحاسيات والأدوات الحياتية التي كانت تستخدم يومياً، متعة بالنسبة لي، أبحث عنها في كل وقت وزمان ومكان، لإرضاء ميول وعواطف شخصية فردية.

لدي طوابع لمختلف بلدان العالم، ومنها القديم جداً، حيث لم يكن ثمنها في تلك الفترة الزمنية يتجاوز القرش السوري، ومنها طابع من مرحلة حكومة "اللاذقية" المستقلة، وهو طابع شبه مفقود

وما أجمعه من هذه المقتنيات أحتفظ به في منزلي التراثي القديم، الذي أعمل على إعادة تأهيله حالياً، أحتفظ بها بما يتناسب وقيمتها ودورها الوظيفي الذي وجدت من أجله، فـ"الخابية" الكبيرة مثلاً التي وجدت لتكون أمام المنزل الريفي التراثي مملوءة بالماء، كدليل على الكرم والعطاء والترحيب بالضيف، أضعها هنا في بهو المنزل، مثبتة محمية من السقوط، ويعود عمرها إلى أكثر من سبعين عاماً، وللعلم هذه الخابية من تراث أسرتي، وأذكر جيداً استعمال والدتي لها.

نمير محمد

كذلك الأجران الحجرية الخاصة بطحن القمح، مع أداتها الخاصة التي تعود إلى أكثر من سبعة عقود خلت، وحتى اللحظة أستذكر أصوات النساء في باحة منزلنا تنطلق مع كل رنة صوت الجرن الحجري».

ويتابع "نمير" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 آذار 2015: «لدي ضمن مقتنياتي التراثية ما كان يعرف بجهاز العروس، وهو خاص بوالدتي ومنه "الباترينا الأرضية" الصغيرة، التي كانت مخصصة لوضع الفرش والأغطية الخاصة بالنوم.

جانب من مقتنياته التراثية

كما لدي "كركة" ورد تسمى وفق الطقوس التراثية بكركة الورد الهندية، وهي من النحاس الأحمر القديم جداً وعمرها يزيد على 100 عام، وما يميزها في هذه المرحلة أنها جاهزة للاستخدام، وهي واحدة من حوالي 120 قطعة نحاسية تراثية متنوعة الاستخدامات والوظائف ومن مراحل زمنية متعددة.

وعلى صعيد العملات فلدي حوالي 200 قطعة ورقية لمختلف بلدان العالم القديمة منها والمطبوعة حديثاً، إضافة إلى عملات نقدية معدنية يقدر عددها بحوالي 600، حصلت عليها من المعارف والأصدقاء وأحياناً عن طريق الشراء، وأفضلها السورية القديمة التي كانت متداولة في مطلع القرن الماضي ومنها "البرغوت" والفرنك والقرش المقدوح، وتأتي أهميتها من عدم وجودها وتوافرها في أي مكان آخر تقريباً».

قسم المجلدات التراثية

حقيقة، الاهتمام بالتراث لم يشمل الأدوات المنزلية والعملات فقط؛ وإنما تعداها إلى عملية جمع للطوابع، وهنا قال "نمير": «لدي طوابع لمختلف بلدان العالم، ومنها القديم جداً، حيث لم يكن ثمنها في تلك الفترة الزمنية يتجاوز القرش السوري، ومنها طابع من مرحلة حكومة "اللاذقية" المستقلة، وهو طابع شبه مفقود».

وفيما يخص النحاسيات فلدى الحرفي "نمير" ما يسمى بـ"الدست" النحاسي الأحمر، وهو قديم جداً، يصل عمره إلى ثمانية عقود وتزيد، وكان يستخدم لعجن الطحين، وهنا أضاف: «لدي إبريق نحاسي كبير سعة عشرة ليترات، وما يميزه أنه من مقتنيات الشيخ "صالح العلي"، وهو هدية لأسرتنا وعميدها المرحوم جدي الشيخ "حسن ياسين"، وهو من النحاس السوري، وأعتقد أنه صناعة حمصية، وتميزه بحجمه وملكيته الأساسية».

أما على صعيد الفكر والثقافة فهنا حديث آخر عبر المجلدات والمخطوطات القديمة جداً والنادرة، وهنا تقول السيدة "لحظة محمد" أخت الحرفي "نمير"؛ التي شاركتنا بالحديث لشغفها بعمل أخيها: «كان في منزلنا مكتبة كبيرة خاصة بوالدي، وتحتوي على كتب ومجلدات ودوريات قديمة جداً منها مجموعة كتب أو ما يعرف تراثياً ببدلة "لسان العرب" وعدد كتبها نحو أربعة وتسعين جزءاً، عمرها يزيد على ثمانين عاماً، ومجموعة كتب ومخطوطات تعود إلى عام 1887 حافظ أخي "نمير" عليها وجمعها مع مقتنياته التراثية، فكانت تكاملاً لما يقوم به، واختزن من معارفها الكثير بعد أن اطلع على محتوى أغلبها وتزود بثقافتها، فزادته علماً، كما أنه وضعها بين أيدي محبي المطالعة للاطلاع عليها والتزود بفكرها في منزله الخاص».

وعما يقتنيه الحرفي "نمير" من كتب تراثية تابع بالقول: «كما لدي مجموعة "الأغاني" وهي أربعة وثمانون جزءاً لـ"أبي فرج الأصفهاني"، ومجموعة أخرى من المجلدات بعنوان "المقتطف" وكانت تصدر كل سنة من "مصر" وتباع بالليرة الإنكليزية، وهي عبارة عن مجلد شامل وكامل لمختلف الثقافات والعلوم الاختصاصية، ويمكن لأي مطلع أن يتزود منه بالمعلومات المهمة، والمميز بمجال المجلدات أيضاً وجود أنجيل يعود تاريخه إلى عام 305 ميلادي».

ومن أحد الضيوف اللذين التقيناهم في منزل الحرفي "نمير محمد" السيد "منذر علي" المهتم بالتراث؛ الذي يحاول الاطلاع على مختلف مقتنيات الحرفي "نمير" باستمرار، حيث قال: «في كل زيارة إلى منزل الحرفي "نمير" أشعر بالروح تعود إلى صدري، بعدما غادرتنا تلك الحقبة التراثية الجميلة، فهنا أستذكر حياة الأجداد ورحلة النساء والعمل، وكيف كانت السيدة تشارك الرجل بالعمل اليومي، مع أبسط مقومات الحياة، حيث كان لكل عمل أدواته الخاصة التي أبدعتها الحاجة، كما أنني أحب الاطلاع على المجلدات الضخمة بمعلوماتها وثقافتها وعددها وقيمتها.

كما أن للأدوات النحاسية حكاية أخرى، أستذكرها وأنا واحدٌ ممن عاصروا تلك الفترة، فهنا "كركة" الورد وهناك جرن الحنطة وفي الجهة المقابلة "الخابة" الفخارية دليل الكرم والجود».

من الجدير بالذكر، أن "نمير محمد" يعمل في مجال البناء التزييني كالرخام والحجر.