وسط ازدحام شديد على مصادر الطاقة بحثاً عنها لاستثمارها تجارياً، تبدو المشاريع المرتكزة على مصادر بيئية محلية ذات جدوى أفضل وأكثر ذكاءً واستقراراً.

مشكلة الوقود البديل قديمة ليس في "سورية" فقط، بل في كل بلاد العالم، وهي تؤرق الحكومات والشعوب معاً؛ بحثاً عن أفضل الحلول المقترحة بما يتضمن التوافق مع المعايير البيئية العالمية التي تنحو لتصبح أشد صرامة يوماً بعد آخر.

أننا إذا بقينا نفكر بالطرائق التقليدية فإننا سنعاني في قادم الأيام كثيراً، التفكير باستخدام مخلفات الصرف الصحي لتوليد الطاقة أكثر من ضرورة تحتاج إليها البيئة والمجتمع والإنسان، وفوق ذلك تمكننا من إعادة صياغة شاملة لمفهوم علاقتنا مع البيئة والمجتمع

يرى الدكتور المهندس "محمد حسن" الحائز على براءة اختراع عن تطويره لأحد محركات الاحتراق الداخلي؛ ليعمل على نوع من الوقود البيولوجي في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بمدينة "طرطوس" بتاريخ 10 كانون الأول 2015، عن هذا الموضوع بالقول: «إن الوقود المنقذ في "سورية" هو الغاز البيولوجي أو الحيوي، مثل غاز الميتان وغاز أول أوكسيد الكربون، وعادة يكون غاز الميتان بنسبة (50ـ70)%، وغاز أول أوكسيد الكربون (30ـ50)%؛ هذه النسبة تتكوّن حسب المادة المخمرة وشروط التخمير، ويتم الحصول على الغاز الحيوي هذا نتيجة تخمير مواد عضوية في جوّ لا هوائي مع أنزيمات خاصة لمدة زمنية معينة وبدرجة حرارة معينة».

د.محمد حسن.

وفي "سورية" يمكن الحصول على هذا الغاز بطريقة عظيمة وغريبة في وقت واحد، حيث يؤكد: «من تكرير مياه الصرف الصحي للمدن والمناطق، ينتج عن هذا غاز حيوي يمكن توليد الكهرباء منه، ونحصل على سماد عضوي للزراعة، ويخرج هذا السماد معقماً 100%، كما أننا نحصل على ماء نقي يمكن سقاية المزروعات به عند تكرير مياه الصرف الصحي، وإلى ذلك لدينا مخلفات قطن بكميات هائلة يمكن توظيفها أيضاً في إنتاج هذا الغاز الحيوي».

تنبع أهمية إنتاج الكهرباء من الغاز البيولوجي المنتج من المياه المالحة للمدن وحتى القرى، ومن المعروف ما تعاني منه هذه المدن والقرى من التلوث جراء هذه المياه المالحة (الصرف الصحي)، يقول الدكتور "حسن": «إن إنتاج الكهرباء بهذه الطريقة يساعد في الحدّ الهائل للتلوث البيئي، والغاز المنتج هنا هو غاز الميتان الطبيعي بنسبة 70%، والباقي غاز أول أوكسيد الكربون CO، تزيد أو تنقص هذه النسبة قليلاً حسب شروط التخمير، ووجود غاز أول أوكسيد الكربون يعطي الغاز البيولوجي ميزة أنه يصبح مقاوماً لعملية الطرق الضارة في المحركات ذات الاحتراق الداخلي؛ وهذا ما يجعلنا نحصل على قوة حجمية للمحرك أعلى من توظيف غاز طبيعي نقي».

المخترع نعمان جبور

ويستعمل في محركات الديزل الغاز البيولوجي المستخرج من مياه المجاري، النفايات النباتية، قمامة المدن، كما أنه يستعمل الغاز الطبيعي CH4 أيضاً، وتابع: «لجميع محركات الديزل الصغيرة والكبيرة ذات شحن الهواء العادي أو القسري (تربو)، ويتم ذلك بتغيير البنية التصنيعية بطريقة بسيطة، فالمحركات ذات الشحن العادي يكفي تغيير تصميم عمود "الكامات" للحصول على زمن تصالب الصمامات، حيث صمام العادم وصمام السحب مفتوحان بآن واحد لتحسين جودة التعبئة بالهواء ليقارب الصفر؛ لأن أغلب المحركات مصممة بتصالب صمامات كبير نوعاً ما».

في بداية التسعينيات طور الباحث "حسن" محرّك غاز صناعي كبير ذا شحن قسري، وليس ديزل غاز؛ حيث يتم إشعاله بـ"البواجي"، وتابع: «لأن شرارة "البواجي" تشعل فقط الخليط الغني (سريع الاشتعال مثل البنزين والهواء)؛ أعيد التصميم الكامل لرأس الأسطوانة؛ حيث أوجدت فيها غرفة أولية للاحتراق صغيرة جداً مقارنة بغرفة الاحتراق الأساسية للمحرك حجمها تقريباً 2% من حجم غرفة الانفجار الرئيسة للمحرك. ويتم فيها توظيف خليط فقير في الغرفة الرئيسة، وهكذا نستطيع الحصول على محرك غازي إشعال كهربائي (بشرارة) ذي مردود عالٍ وقوة حجمية عالية وتلوث يكاد يكون منعدماً مقارنة بمحركات الديزل».

تعديلات على المحرك

الاستثمار التجاري لهذه الأفكار العلمية التي نال عليها الدكتور "حسن" براءة اختراع سورية ممكن، لكن يبقى اتخاذ القرار المناسب بدءاً بتجربة في مدينة سورية معينة، يقول المخترع السوري "نعمان جبور" تعقيباً على هذه الأفكار: «إن استغلال كل المصادر المتاحة لتوليد الطاقة هاجس عالمي وصل حدّ استخدام موج البحر لتوليد الطاقة؛ بينما نحن ما زلنا مصمّمين على الوقود الأحفوري الذي سينضب في يوم ما، علينا التفكير بطريقة ثورية تتيح لنا التخلص من مشكلات البيئة وبالوقت نفسه تساهم في توليد الطاقة الكهربائية والحركية، مثل طرائق كهذه مثبتة علمياً يجب العمل على تبنيها من قبل الجهات الأقوى في المجتمع، أي الدولة، لتعميم فائدتها على كل السوريين».

من جهته يرى المهندس الكهربائي "محمد البيرق": «أننا إذا بقينا نفكر بالطرائق التقليدية فإننا سنعاني في قادم الأيام كثيراً، التفكير باستخدام مخلفات الصرف الصحي لتوليد الطاقة أكثر من ضرورة تحتاج إليها البيئة والمجتمع والإنسان، وفوق ذلك تمكننا من إعادة صياغة شاملة لمفهوم علاقتنا مع البيئة والمجتمع».

هناك العديد من الأفكار المميزة التي تساهم في حلّ مشكلات السوريين، يبقى أن تلقى هذه الأفكار آذاناً مصغية من المعنيين وصولاً إلى تبنّيها لخدمة البلد.