يعاني مزارعو الحمضيات في "الساحل السوري" من ضعف العملية التسويقية، وعدم التزام الجهات الرسمية بدعم تصديرها، علماً أنها تعد بشهادة مخابر محلية وعالمية من أفضل الأصناف عالمياً.

والعملية التسويقية لمنتجات الحمضيات حلقات متتالية، ومنها في وقتنا الحالي حلقة مفقودة، تحدث عنها المزارع "محمد حمدان" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 26 تشرين الثاني 2014: «مساحة حقلي الزراعي حوالي اثني عشر دونماً مزروعة بمختلف أنواع الحمضيات الهجينة والبرتقال و"الحامض"، ويوم أمس أرسلت لسوق الجملة أو المعروف بالبازار حوالي طن من الحمضيات، بيع الكيلوغرام الواحد منها بحوالي ثلاث وعشرين ليرة سورية، فقلت للتاجر الذي اشتراها أنها مجانية مئة بالمئة بهذا السعر، لأن تكلفتها عليّ بعد الإثمار والنضج حوالي خمس عشرة ليرة سورية.

جميع هذه التكاليف التي تضاف إلى السعر الحقيقي للكيلوغرام من الحمضيات، ترهق المواطن، وهنا يجب التأكيد على أن التاجر الحلقة الوسيطة هو المستفيد الوحيد، ويمكن التأكيد على أن حوالي سبعين بالمئة من السعر الحقيقي يعود لهذا التاجر

وفي طريق العودة إلى المنزل والسؤال في محال البيع العادية "المفرق" المنتشرة في كل مكان، وجدت أن سعر الكيلوغرام من ذات أصناف الحمضيات التي أرسلتها صباحاً للبازار، ثلاثة أضعاف ما بعتها أنا به، فلماذا هذه الفروق؟ ولماذا التاجر الجشع هو الوحيد المستفيد؟ ولماذا لا يدعم هذا المنتج المتركز أساساً في "الساحل السوري" من قبل الدولة كما بقية المحاصيل المدعومة؟».

المهندس أسعد

ويضيف السيد "محمد" كحل لهذه المشكلة التي وصفها بالكارثية: «إن الحل الوحيد لما نحن به من غم في تسويق محاصيلنا من الحمضيات هو التصدير الحقيقي والفعلي، ودعم عملية التصدير هذه من قبل الدولة، وباعتقادي مع الحديث "الطنان الرنان" حول خطوط التصدير التي فتحت مع "روسيا"، سيبقى حديثاً "طناناً رناناً" فقط، لأن منافسنا في تلك الأسواق المنتج التركي، وفي الحقيقة نحن لا يمكننا منافسته، لأن عملية تصديره مدعومة من الجهات المعنية والرسمية هناك، لذلك يمكنهم منافستنا بسهولة، علماً أن منتجنا أفضل بكثير من المنتج التركي، وله رواجه».

إذا، فالحلقة المفقودة كما أوضح المزارع المنتج للحمضيات هي ضبط العملية التسويقية ودعمها، التي أوضح مفهومها العام المهندس "أسعد محمد" رئيس قسم الشؤون الاقتصادية ورئيس دائرة التسويق الزراعي في "مديرية زراعة طرطوس" خلال حديثه: «التسويق بوجه عام هو القيام بعملية تسويق المحصول من باب المزرعة ووصوله إلى أسواق البيع الرئيسة، وتشمل هذه العملية مرحلة جني الثمار وعملية الفرز والتوضيب أي التعبئة بالعبوات المخصصة، وهي في الأغلب "فلين" أو أقفاص بلاستيكية وتتسع لحوالي خمسة عشر كيلوغراماً، إضافة إلى أجور النقل والعمولة أو ما يعرف بـ"الكمسيون".

موسم الحمضيات الوفير

وهذه التكاليف ترهق المزارع عامة، وتؤثر في العملية التسويقية ومردودية الإنتاج للمزارع، أي إنها مفقودة من هامش الربح الخاص بالمزارع، وتكون أغلب الأحيان حوالي خمس عشرة ليرة سورية بالنسبة للحمضيات دون تكاليف الزراعة الأساسية، وفي هذه الفترة أرهق المزارع في العملية التسويقية أجور النقل مع ارتفاع أسعار المحروقات وبقاء أسعار الحمضيات كما هي قبل الارتفاع».

وقد كانت العملية التسويقية الحلقة المفقودة والأضعف لأن المستفيد الوحيد منها التاجر، والخاسر المواطن والمنتج، وهنا قال السيد "أسعد": «جميع هذه التكاليف التي تضاف إلى السعر الحقيقي للكيلوغرام من الحمضيات، ترهق المواطن، وهنا يجب التأكيد على أن التاجر الحلقة الوسيطة هو المستفيد الوحيد، ويمكن التأكيد على أن حوالي سبعين بالمئة من السعر الحقيقي يعود لهذا التاجر».

مرحلة القطاق

الجميع يئن من العملية التسويقية للحمضيات، وما ينتج عنها من أسعار تؤثر سلباً بالجميع بصرف النظر عن التاجر، وخاصة في هذا الموسم، لأنها منخفضة نوعاً ما عن أسعار الموسم السابق، فهي كمتوسط أسعار محصورة بين أربعين وسبعين ليرة سورية لمختلف أنواع الحمضيات.

وفي لقاء مع المهندس "سهيل حمدان" مدير مكتب الحمضيات قال: «تتميز الحمضيات السورية بأنها خالية من الأثر المتبقي من المبيدات الكيميائية نتيجة تطبيق برنامج المكافحة المتكلمة، الذي يعتمد بجزئه الرئيس على المكافحة الحيوية، وهي استخدام الأعداء الحيوية للسيطرة على آفات الحمضيات، ويمكننا القول هنا إن تسعين بالمئة من هذه الآفات مسيطر عليها حيوياً بالأعداء الحيوية التي يتم تربيتها محلياً في مخابر تابعة لوزارة الزراعة والهيئة العامة للبحوث الزراعية بخبرات وطنية، ويتم توزيعها على المزارعين مجاناً، إضافة إلى أن الوزارة تقوم بتوزيع مواد جاذبة لذبابة الفاكهة.

وتتركز زراعة الحمضيات في "الساحل السوري" وبنسبة تسعةً وتسعين بالمئة، حيث تتركز منها حوالي سبعةً وسبعون بالمئة في محافظة "اللاذقية"، واثنان وعشرون بالمئة في محافظة "طرطوس"».

ويتابع: «نتيجة تركز هذا الإنتاج في مساحة صغيرة يكون هناك عرض كثير من أصناف الحمضيات على الرغم من أن أصناف الحمضيات مختارة ليكون إنتاجها على مدار أكثر من تسعة أشهر في العام، حيث يبدأ نظامياً من شهر أيلول وينتهي في شهر حزيران، وينضج في كل فترة صنف معين.

ولكن حاجة المزارع لسيولة مالية باستمرار تضطره لقطاف الثمار بوقت مبكر، وهو ما يعني أن الثمار لم تصل بعد إلى الحجم الحقيقي لها، ولم تصل إلى التركيبة الكيماوية التي تحوي المواصفات المطلوبة للسوق المحلية أو الخارجية، وهذا الأمر ينعكس على هذا المزارع سلباً، وذلك خلال عملية التسويق عندما يشتري المستهلك هذا الصنف ويلاحظ أن طعمها حامض ونسبة العصير منخفضة، فتصبح لديه ردة فعل عكسية من هذا المنتج، على الرغم من أن الحمضيات السورية مشهورة عالمياً بشهادة المخابر المحلية والعالمية بطعمها ولونها ونكهتها المميزة».

ويرى المهندس "سهيل" أن ما سيميز العملية التسويقية للحمضيات السورية الهوية الوطنية، وهنا قال: «تحتاج عملية تسويق الحمضيات السورية إلى إعطائها الهوية السورية كمنتج عضوي، والمطلوب في التسويق التنسيق على أعلى المستويات لتصدير موسم الحمضيات إلى مختلف الدول، لأنها عملية جماعية بين مختلف الوزارات، ومنها وزراعة الإعلام بتسليط الضوء على مواصفات هذا المنتج وجودته وفوائده، والتسويق في هذا العام يختلف عن الأعوام السابقة، بتحرك هيئة المصدرين السوريين بالتعاون مع وزارة الزراعة ووزارة الاقتصاد لفتح أسواق تصديرية جديدة، ومنها السوق الروسية الجديدة، باعتبارها سوقاً كبيرة وتستوعب مختلف الأصناف المنتجة لدينا، والأهمية هنا للتنسيق ومعرفة الأصناف التي تفضلها السوق الروسية، لتسويقها، وتعاون المزارعين معنا بجودة الأصناف المسوقة.

ومن المفروض أن نخرج من مفهوم زراعة الحمضيات إلى مفهوم صناعة الحمضيات بالاعتماد على أن شجرة الحمضيات شجرة مخدمة، ويمكن أن أحصل منها على المواصفات والمعايير المطلوبة، أي هنا أصنع المطلوب منها، ولكن المشكلة التسويقية حالياً هي جشع بعض التجار غير النظاميين، واستغلالهم لحاجة المزارع، عبر ما يعرف بضمان المحصول على الشجر، أدى إلى تحكمه المطلق بالأسعار وخفضها للمزارع ورفعها للمستهلك، ومن أهم لحلول الجذرية، إنشاء معمل عصير في الساحل مع خلق قيمة مضافة للمحصول من غسل وفرز وتوضيب».

يشار إلى أن مساحة الحقول الزراعة المزروعة بالحمضيات في "الساحل السوري" تبلغ حوالي ثلاثة وأربعين ألف هكتار، مزروعة بحوالي أربعة عشر مليون غرسة من مختلف الأصناف.