البقعة المائية الدالة على وفرة المياه الجوفية منحت الموقع الجغرافي الذي قسّمه الجد "عبد الله" على أولاده الخمسة منذ ما يقارب 500 عام الاسم الحالي "بقعو".

والقرية الممتدة على سفح الجبل من الوادي وحتى القمة كسكن بشري لها مناخها المميز المعتدل صيفاً والبارد شتاءً، وزراعاتها المتنوعة ووجباتها التراثية المعتمدة على هذه الزراعة، كانت محطة ضمن رحلة مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 أيار 2014، حيث التقينا الأستاذ "زياد حماد معلا" من أبناء وسكان القرية، وهنا قال: «جاءت تسمية القرية "بقعو" من البقعة المائية التي ترسو فوقها كاستيطان بشري وتتوضع كموقع جغرافي عليها، وهذا بحسب الأحاديث المتناقلة من الأجداد، ودلالات هذه التسمية مازالت قائمة واضحة للعيان، ففيها الكثير من الينابيع الطبيعية دائمة الجريان والآبار الارتوازية من عمل الإنسان، ويمكننا ذكر بعض هذه الينابيع التي تعد بتاريخها العريق من الينابيع التراثية، كنبع "عين الضيعة" الذي يقع في المدخل الجنوبي للقرية، وبمحاذاته تماماً من الجهة الغربية "عين الملكونه"، إضافة إلى نبع "عين الريحان" على أحد مداخل القرية المعروف بمفرق "الطراق"، ونبع "عين الخنازير"، ونبع "عين السلبين"، ونبع "عين عيسى".

لقد عاصرت بسنواتي السبعين عادات وطقوس القرية، حيث كانت تقام الأعراس ضمن الساحة على مدار ثلاثة أيام وفق الطقوس التقليدية المتبعة منذ عقود عدة، كما اشتهرت القرية بصناعة "الأقراص بحمص" وهي وجبة تراثية مكونة من البرغل والطحين والحمص الذي كان يزرع في حقول القرية

فالقرية "بقعو" تتربع كسكن على كتلة جبلية واحدة تبدأ من مشارف نهر "قيس" وحتى قمة الجبل، أي السفح الشمالي منه، وترتفع نحو 230 متراً عن سطح البحر، وهذا منحها مناخاً معتدلاً صيفاً وقليل البرودة شتاءً، أي إن هذا المناخ منحها بيئة طبيعية قابلة للاستثمار السياحي».

الأستاذ "زياد معلا"

وفي لقاء مع السيد "يوسف برهوم" أحد أبناء قرية "بقعو" تحدث عن حدودها، فقال: «حدود القرية متشعبة وكبيرة، حيث تتبع لها عدة مزارع، منها: "سنديانة بقعو"، و"بجنة بقعو"، و"ساعين الشرقية".

ويحدها كقرية من الجهة الشرقية مفرق "جورة الجواميس" وقرية "ساعين الشرقية"، ومن الجهة الغربية قرية "ساعين الغربية"، ومن الجهة الشمالية قرية "تفاحة" وقرية "بحيصيص"، أما من الجهة الجنوب فتحدها قرية "مطرو"، حيث يبلغ عدد سكانها نحو 6500 نسمة، منهم المقيمون في القرية ومنهم خارجها لأسباب العمل الحر والوظيفة الحكومية، وهذا نتيجة ارتفاع نسبة المثقفين من حملة الشهادات الجامعية والعليا فيها، حيث ينتمي إليها العديد من القضاة أمثال: القاضي "عماد معلا"، والقاضي "أحمد معلا"، والقاضي الثالث "أحمد معلا"، إضافة إلى العديد من الأطباء والحقوقيين والمهندسين».

المدرس علي رزق

ويتابع السيد "يوسف" بتوضيح سبب ارتفاع نسبة المثقفين في القرية، فيقول: «الوضع المعيشي البسيط في فترة زمنية سابقة فرض العملية التعليمية على أبنائها لتحسين الأحوال الاجتماعية والمادية، أي إن القرية اعتمدت على ذاتها ببناء شخصيتها الاجتماعية الجيدة، فلم يتنكر أبناؤها المثقفون لها فساهموا في توفير وتأمين مختلف الخدمات الحكومية كالبريد ومركز الهاتف والمستوصف ومركز خدمات المياه، إضافة إلى المدارس بمختلف مراحلها».

أما السيد "علي سلمان أحمد" فتحدث عن زراعات القرية وقال: «تشتهر القرية بزراعة أشجار الزيتون على سفوح الجبال الواقعة ضمن حدودها الإدارية، كما زرع أبناؤها منذ فترة ليست ببعيدة أشجار الحمضيات بمختلف أصنافها، وأشجار الرمان في الوديان الغنية بالمياه والينابيع، وهذا ما جعل الأهالي مرتبطين بأراضيهم بشكل كبير، فيعملون فيها خارج أوقات دوامهم الوظيفي والمهني مهما حملوا من شهادات جامعية أو اعتلوا من مناصب».

موقع القرية وفق جوجل إيرث

ويضيف السيد "علي": «لقد عاصرت بسنواتي السبعين عادات وطقوس القرية، حيث كانت تقام الأعراس ضمن الساحة على مدار ثلاثة أيام وفق الطقوس التقليدية المتبعة منذ عقود عدة، كما اشتهرت القرية بصناعة "الأقراص بحمص" وهي وجبة تراثية مكونة من البرغل والطحين والحمص الذي كان يزرع في حقول القرية».

وبالعودة إلى الأستاذ "زياد" قال: «في القرية عدة مساجد منها: مسجد "الشيخ أحمد معلا"، ومسجد "الشيخ أحمد قرفاص"، موزعة في مختلف نواحي القرية، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الالتزام الديني الجيد للأهالي، وهذه المساجد ساهم في بنائها جدي الشيخ "أحمد محمد حسين معلا" الذي كان وجهاً من وجهاء القرية الاجتماعية.

كما توزعت القرية على عدة حارات منها حارة "بيت معلا" وهي أعلى القرية، والحارة الوسطانية، وحارة آل عبود. ومن أبرز العائلات في القرية الحالية آل "عبود"، وآل "معلا"، وآل "سليمان"، وآل "خدام". وتبعد عن مدينة "طرطوس" نحو ستة وعشرين كيلومتراً، وعن مدينة "الدريكيش" ثلاثة عشر كيلومتراً، وعن مفرق "جورة الجواميس" مدخل القرية من الطريق العام "طرطوس- الدريكيش" نحو ستة كيلومترات».

وفي لقاء مع الأستاذ "علي رزق" مدرس التاريخ من أبناء القرية قال: «الاستيطان البشري الحالي في القرية مرحلتان قديمة وحديثة، فالمرحلة القديمة كانت جانب "نبع الضيعة" وكانت مقسمة إلى خمسة أخماس؛ لكل عائلة فيها خمس من الأملاك الخاصة بها، وهذا بالنسبة للسكان الأساسيين فيها وهم خمسة إخوة من أب واحد منذ ما يقارب 500 عام، وكان امتداد القرية "بقعو" على حدود قرية "القليقة" إلى قرية "حبسو"، ومن ثم قرية "سجنو"، وقرية "بجنة"، وقرية "حمين"، و"الملاجة" إلى بداية قرية "تيشور".

والجد المؤسس للقرية واسمه "عبد الله" تفرع عنه خمسة أولاد هم: "عبود علي"، و"رزق علي"، و"أسد علي"، و"إبراهيم علي"، و"خضر علي" مشكلين القرية، وهم أساس القرية الحديثة.

وكانوا يزرعون التفاح والعنب بشكل كبير وجيد، وكان أبناء القرية ينتجون نوعية تفاح صغير سمي بـ"البقعوني" نسبة إلى القرية، وكان إنتاج القرية جيداً منه.

كما زرع الحمضيات في فترة متأخرة نتيجة لتحسن طبيعة المناخ واعتدال درجات الحرارة، في ما يعرف بوادي "عساف" حيث يوجد فيه نبعان: الأول "عين قرير"، والثاني "غبيط المرجوحة" الذي خفت وضعفت مياهه التي كانت غزيرة قبل هذا العام، ولا أحد يعلم لماذا خفت بهذا الشكل، وقد كست الغبيط أشجار الدلب العملاقة بكثافة، واستخدم للسباحة، حيث يرجع إليه الفضل بتعلم أبناء القرية السباحة، والمميز في سبب التسمية استخدام كثافة أشجار الدلب لممارسة عمليات القفز والغطس ضمن هذا الغبيط، ومنهم من يتأرجح بحركات بهلوانية بواسطتها ومن ثم يقوم بالقفز في المياه، علماً أنه لم يستثمر بالاستراحة الشعبية لوعورة محيطه بخلاف ما يجب أن يكون عليه موقع الاستراحة عموماً».