تتربع على هضبة جغرافية صغيرة تبعد عن مركز مدينة "بانياس" سبعة عشرة كيلومتراً، عرفت بأرض الذهب نسبة إلى ما تحويه من لقى ومواقع أثرية هامة مدفونة في جوفها.

إن التميز الجغرافي لقرية "الزريرية" التابعة لناحية "تالين" كان منحة من الخالق لأبناء القرية المستوطنين فيها منذ حوالي /350/ عاماً، وهذا وفق ما تحدث به السيد "عبد الكريم صقر" خريج كلية الآداب قسم علم الاجتماع والدراسات النفسية، والمهتم بالتراث والدراسات التاريخية، لمدونة وطن eSyria التي التقته بتاريخ 4/7/2013، مشيراً بالقول: «هي قرية جميلة رغم صغر مساحتها الجغرافية المحددة التي لا تزيد على /2400/ متر مربع بموجب المساحة العقارية لعام /2007/، فالجبال التي تكسوها الغابات والحراج تحيط بها من كل جانب وتعلوها في الارتفاع وكأنها تحميها من مختلف عوامل الطقس.

بعد تنظيف سطح المنزل وتجميع هذه المياه نتركها عدة أسابيع حتى تستقر، ومن ثم نبدأ باستهلاكها

فالقرية تمتد على منبسط جغرافي "هضبة صغيرة" تحيط بها الأودية من جانبين هما الجنوبي الغربي والشمالي الشرقي، إلا أن هذه الأودية في الأغلب جافة باستثناء مواسم الأمطار الغزيرة جداً جداً، حيث تسيل فترات زمنية بسيطة ومن ثم تجف تماماً».

السيد "عبد الكريم صقر"

يضيف: «كلمة "زريرية" جاءت في السرد التاريخي بمعنى الموقع الذهبي، وهذا موثق تاريخياً على أرض الواقع بالأدلة القاطعة من خلال وجود مواقع أثرية متعددة مدفونة على عدة أمتار في مختلف أنحاء القرية، ومنها الأبنية والكسر الفخارية والآبار القديمة المبنية من الحجارة والكلس، وهذا واضح المعالم في طريقة بناء الأهالي القدامى لمنازلهم أي من حجارة تلك الأبنية المهدمة، وفي دراسات أثرية سابقة لبعض المواقع ومنها موقع "الشيخ يونس" غربي القرية، حددت بعض المواقع بأنها مواقع أثرية لا يجوز مسها أو التعدي عليها، ومن هنا جاء سبب تسمية القرية أي بما معناه "ذرة الذهب" كما كان يطلق عليها شعبياً».

أما عن الناحية الزراعية فيقول السيد "جمال عليان" مدرس من أبناء القرية: «يعمل معظم أهالي القرية بالزراعة، كزراعة القمح والشعير وبعض المساحات من التبغ وزراعة أشجار الزيتون واللوز والتين، والمحصلة النهائية لهذا العمل هي الحدود الدنيا لقيمة العمل أي لا توازي هذه الأعمال بمردوديتها الانتاجية عناء المزارع، بدليل أن الأغلبية من سكان القرية عاشوا في مرحلة تاريخية سابقة في منازل ترابية نتيجة الفقر.

جانب من القرية

ولكن مع المنعطف التاريخي الذي حدث، ومع تطور البلد بشكل عام وجهود أبناء القرية المتميزين وتوجههم نحو خلق حالة معرفية متميزة وصلت بهم إلى نسبة تعليم جيدة جداً بين أبناء جيل السبعينيات وما بعد، تحولت القرية من حالة الفقر إلى حالة الاكتفاء الذاتي من خلال دخل الوظائف الحكومية الجيد نتيجة التعليم، ومتابعة الجهد لتحسين مستوى المعيشة من خلال مواظبة العمل الزراعي بشكل عام، ما يدل على جدارة أبناء القرية وحقهم في الحصول على ما يريدون بجهدهم».

يتابع: «وفي القرية العديد من الشهادات العلمية العالية وهي بدرجة الدكتوراه بمختلف اختصاصاتها، إضافة إلى حاملي الشهادات الجامعية المتنوعة، وهذا يعتبر تميزاً حققه أبناء القرية بشكل عام».

القرية ضمن المثلث الأسود وفق غوغل إرث

وبالعودة إلى حديث السيد "عبد الكريم" الذي تحدث عن الحدود الجغرافية للقرية قائلاً: «يحد القرية من الجهة الغربية قرية "العصيبة" ومن الجهة الجنوبية قرية "العرقوب"، أما من الجهة الشرقية فيحدها قرية "العريض"، ومن الجهة الشمالية قرية "جليتي" وقرية "الكردية".

فالقرية عرفت بتربتها الفقيرة التي تحتاج إلى الكثير من العناية والخدمات لتنتج، ومنها عدم توافر الينابيع هذا الأمر الذي دفع أغلب أبناء القرية للاعتماد على الزراعة البعلية ذات المردودية الانتاجية الضعيفة».

لم يخفِ السيد "عبد الكريم" هاجسه فيما تعانيه القرية من توقف تنفيذ طريق محوري يخدم القرية بالكامل وهنا أشار: «منذ عام /2001/ تم توقيف تنفيذ طريق محوري يربط بين قرية "العصيبة" وقرية "تالين" مروراً بقريتنا هذا الطريق الذي يخدمها بشكل جيد ومهم، وذلك بسبب ضعف وتراخي التنفيذ من قبل المعنيين وعناد بعض الأهالي المتضررين رغم التعويض عليهم مادياً، وهنا يجب الإشارة إلى أنه يجب حسم الأمر لمصلحة التنفيذ السريع والمباشر، وهذا الأمر ينطبق على مختلف المشاريع الخدمية في المنطقة والبلد بشكل عام».

السيدة "حليمة دلا" تحدثت عن العلاقات الاجتماعية في القرية بالقول: «بشفافية مطلقة أبناء القرية ملتزمون ومحافظون اجتماعياً ومهتمون كثيراً بأمورهم وأعمالهم المعيشية، لذلك اقتصرت العلاقات فيما بينهم على الحدود الدنيا.

وهذا انعكس على كثير من العادات والطقوس التراثية التي كانت متوارثه لزمن قريب جداً، ومنها الأعراس التي كانت تستمر لحوالي سبعة أيام على بيدر القرية، والمشاركة في "عيد الربيع" أو كما يعرف شعبياً "بالرابع"».

الجد "علي دلا" تحدث عن العائلات الأساسية في القرية فقال: «تكونت القرية القديمة من عدة عائلات ارتبطت فيما بينها بصلات قرابة وكأنها من نسب واحد، فالعائلات الأساسية فيها هي "آل عليان" و"آل دلا" القادمتان من قرية "بيت ياشوط" قضاء "اللاذقية"، و"آل صقر" القادمة من قرية "النيحا" في منطقة "الشيخ بدر"، وهذا من حوالي /350/ عاماً تقريباً معتمدين في هذا الكلام على ما تحدث به بعض المعمرين على عدد أجيال القرية الذين قاربوا الخمسة».

وبما أن القرية كانت تفتقر إلى مصادر المياه اعتمد الأهالي بحسب الجد "علي" على تجميع مياه الأمطار في آبار عربية هي عبارة عن خزانات كبيرة تحت سطح الأرض، وهنا يضيف: «بعد تنظيف سطح المنزل وتجميع هذه المياه نتركها عدة أسابيع حتى تستقر، ومن ثم نبدأ باستهلاكها».