بدأت قرية "المريقب" قصتها بالموقع المميز من "جبل المريقب" انحداراً باتجاه نهر "كفريا" ومنطقة "جوعيت"، ولم تنته عند أول رصاصة بوجه الاستعمار الفرنسي.

"المريقب"- بسكون حرف الميم- من القرى حديثة العهد التي اختزنت خلال فترة قصيرة كثيراً من مكونات التراث وأحداث التاريخ، فخلال عهدها أحرقها الفرنسيون مرتين، وفيها بني أحد أقدم المساجد في المنطقة، وفيها ولد المجاهد الشيح "صالح العلي" قائد ثورة الساحل السوري ضد الفرنسيين، كما بنيت فيها أقدم مدرسة في منطقة "الشيخ بدر"، وفي حديث لمدونة وطن eSyria بتاريخ 25/5/2013 يقول الأستاذ "اسماعيل اسماعيل" الباحث في تاريخ "ثورة الساحل السوري": «اشتق اسم "المريقب" من "المرقب" وهو المكان المرتفع المخصص للمراقبة والكشف، وصيغة الاسم عربية تدل على حداثة عهد القرية مقارنة بكثير من القرى المجاورة التي تعود عهود قديمة، وقد استخدم "جبل المريقب" فترة طويلة لهذه المهمة خلال "ثورة الشيخ صالح العلي" ضد الفرنسيين، حيث يتميز بارتفاعه وإطلالته على ما حوله من البحر إلى مركز منطقة "الشيخ بدر" والقرى المحيطة به وصولاً إلى منطقة القدموس.

تمتلك قرية "المريقب" تراثاً تنوع بين الاجتماعي والطبيعي والمهني، فصناعة الحرير من "دود القز" كانت حرفة طاغية في القرية، ولاتزال بعض أدوات صناعة خيوط الحرير موجودة عند بعض جامعي التراث، كما توجد بقايا لأبنية حجرية وخشبية كانت مساكن لأهل القرية، رغم أن إحراق الفرنسيين لها زاد من ضياع الكثير مما نسميه اليوم بقايا تراثية، وفي القرية غابات من التوت بقي بعضها كانت تشكل قوام تربية "دود القز". عند بداية وجود القرية كانت الزراعة الرئيسية في القرية "التوت والتفاح" وبعد ازدياد تكاليف زراعة التفاح وارتفاع حرارة الجو اتجه الناس إلى زراعة "التبغ" الذي استمر لعدة عقود، إلى أن انتشرت زراعة "الزيتون" تدريجياً مع اتجاه الناس إلى العلم والوظائف الخدمية والمهن المختلفة، فأصبحت أشجار الزيتون أكثر الزراعات انتشاراً في القرية

أعطى موقع "المريقب" الاستراتيجي دوراً هاماً للقرية كانت بسببه موقعاً مهماً لمقاومة الفرنسيين، حيث انطلقت أول رصاصة بوجهة الاستعمار الفرنسي من هناك، وقتها كانت القوة الدفاعية للشيخ "صالح العلي" بدأت فعلياً بمجابهة نزول الفرنسيين على الشواطئ السورية، فكان رجال القرية من أول المشاركين بالأعمال القتالية، والقرية أساساً هي مسقط رأس الشيخ "صالح العلي" ومن قبله والده الشيخ "علي سلمان العلي" الذي بنى فيها أحد أقدم المساجد في المنطقة والذي سمي باسمه، وقد زالت معالم كثيرة من تراث القرية بعد أن أحرقها الفرنسيون مرتين، وإلى أبوابها الغربية وصلت معركة "وداي ورور" وبالتالي دفعت القرية ثمن المقاومة، أما بعد توقف الثورة فقد بنى فيها الفرنسيون مدرسة في محاولة لتهدئة غضب الناس، وقد ساهمت هذه المدرسة في نقل علوم الدنيا التي كان شيوخ العلم ينقلون بعضها إلى طلابهم في حلقات "الكتاتيب"، في حين استمرت هذه الحلقات بنقل علوم "القرآن الكريم" وتحفيظه إلى الطلاب».

القرية من أعلى "جبل المريقب"

تملك قرية "المريقب" مواقع طبيعية مميزة للغاية "فجبل المريقب" يرتفع قرابة 600م ويطل بمنظر استثنائي على ما حوله، ونهر "كفريا" الذي ينبع من "وادي العيون" في محافظة "حماة" يضيف جمال الماء والخضرة إلى الموقع المميز، كذلك مغارة "جوعيت" المجاورة للنهر، وفي ذلك يتحدث الشاب "حارث حسن" من أهالي القرية: «يستفيد أهالي قرية "المريقب" من "نهر كفريا" في سقاية مزروعاتهم التي تزدهر على جانبي النهر بأنواعها "حمضيات، لوزيات، خضار.."، وفي جانب آخر تنتشر "الجلسات الشعبية والمقاهي" على جانبي النهر حيث يقصد الناس هذا المكان من جميع المناطق لهدوئه وبساطته واستمرار جريان المياه صيفاً، أما "جوعيت" فهي مغارة لاتزال تخضع للاحتمالات والتقديرات لعدم استكشافها بشكل حقيقي، وقد دخلها كثير من الناس من القرية وخارجها ولم يتجاوز أحد حد 100م أو أكثر بقليل نتيجة الحاجة إلى معدات خاصة بعد هذه المسافة، وينبع من المغارة نبع "جوعيت" البارد، كما تتصف المغارة باتساعها من الداخل وانتشار التشكيلات الصخرية داخلها، وحول المغارة باتجاه القرية توجد غابة طبيعية فيها أشجار "الصنوبر، والسنديان والبلوط،.." ويضاف إلى ذلك عدة ينابيع منتشرة حول القرية "الشرقية، الغربية، عين شعيت"».

في لقاء آخر يقول الشاب "أنس اسماعيل" من القرية: «تمتلك قرية "المريقب" تراثاً تنوع بين الاجتماعي والطبيعي والمهني، فصناعة الحرير من "دود القز" كانت حرفة طاغية في القرية، ولاتزال بعض أدوات صناعة خيوط الحرير موجودة عند بعض جامعي التراث، كما توجد بقايا لأبنية حجرية وخشبية كانت مساكن لأهل القرية، رغم أن إحراق الفرنسيين لها زاد من ضياع الكثير مما نسميه اليوم بقايا تراثية، وفي القرية غابات من التوت بقي بعضها كانت تشكل قوام تربية "دود القز".

الأستاذ "اسماعيل اسماعيل"

عند بداية وجود القرية كانت الزراعة الرئيسية في القرية "التوت والتفاح" وبعد ازدياد تكاليف زراعة التفاح وارتفاع حرارة الجو اتجه الناس إلى زراعة "التبغ" الذي استمر لعدة عقود، إلى أن انتشرت زراعة "الزيتون" تدريجياً مع اتجاه الناس إلى العلم والوظائف الخدمية والمهن المختلفة، فأصبحت أشجار الزيتون أكثر الزراعات انتشاراً في القرية».

تنقلنا في القرية بين حاراتها ومناطقها المختلفة من "نهر كفريا ومغارة جوعيت" أسفل القرية إلى أعلى "جبل المريقب" البركاني، لتكون الصورة أوضح في عدسة الكاميرا، وصولا إلى بعض الأبنية التراثية التي لايزال بعضها يحتفظ ببعض أجزائه.

صورة فضائية للقرية

تتصل قرية "المريقب" مباشرة بمركز "الشيخ بدر" وتجاورها قرى "سريجس" شرقاً و"الرسته" من الشمال الشرقي، في حين تحيط بها منطقة "الشيخ بدر" من الشمال وامتداد واسع من الغرب، كما شهدت القرية أحداثاً كثيرة خلال الثورة، وحركات سكانية جزئية وكاملة خلال وجودها، يحدثنا عن ذلك الأستاذ "اسماعيل" بالقول: «بداية تجمع أهالي قرية المريقب من القرى المجاورة وشكلوا القرية، في حين شهدت القرية هجرة جماعية خلال إحراق الفرنسيين لها مرتين وذلك إلى القرى المجاورة، وهاجر آخرون إلى خارج البلاد خلال الاحتلال التركي والفرنسي وذلك إلى دول أمريكا الجنوبية "الأرجنتين والبرازيل"، من جهة أخرى كان أهل القرية جنوداً شجعان ساندوا الشيخ "صالح العلي" في جميع أعماله القتالية ضد الفرنسيين ودفعت القرية كما ذكرنا ثمن صمودها عدة مرات، وأذكر من المقاتلين الذين ساندوا الشيخ "سليم صالح، عباس أحمد"، كذلك قام خمسة شباب بقيادة الشيح "سليم صالح" بتنفيذ عملية بطولية لتدمير أسلحة حملة فرنسية بقيادة الجنرال "رستاك" كانت ترتكز على الجبل المقابل "للمريقب" وتضرب القرية، أحدهم من القرية اسمه "أحمد حسن" وثلاثة رجال من القرى المجاورة، وهذه من القصص المتناقلة والتي تشكل جزءاً من تاريخ المنطقة عموماً».