نبع "عين حفاض" هو نبع غزيز يتدفق باستمرار من بين الصخور الصلبة وهو السبب في تسمية أهم وأقوى ينابيع تجمع قرى "سنديانة عين حفاض".

إن نبع مياه "عين حفاض" الذي سكن في محيطه أهالي قرية "عين حفاض" كان وما يزال المعنى الحقيقي للمودة والتعاون على الحياة، فهو بحسب قول السيد "حسن يوسف" من أبناء القرية خلال لقاء موقع مدونة وطن eSyria به بتاريخ 10/3/2013 "تعبير عن العيش المشترك القائم على أساس المحبة بين السكان"، مضيفاً: «كما هو معروف منذ القدم وبحسب المعمرين في القرية قصد أجدادنا هذا الموقع الجغرافي لتميز تربته وخصوبتها وخيراته الطبيعية التي أساسها المياه المتوافرة بغزارة من خلال النبع الكائن في القسم الغربي من القرية على طريق عام قرية "عين حفاض" وقرية "الجروية"، فهذا النبع أساس الحياة التي عاشها أجدادنا هنا، لأن حياتهم السابقة اعتمدت على الزراعة بمختلف أصنافها البعلية لبعض الحقول البعيدة والمروية للحقول القريبة من موقع النبع، حيث كانت وما تزال مياهه تجر بواسطة أقنية جر طبيعية أو كما تعرف بـ"السواقي"، وله الفضل في بدء الحياة واستمرارها هنا، وهو الأمر الذي قدره الأهالي كثيراً وعملوا على المحافظة عليه لأنه كان أساس استيطان أجدادهم في المنطقة من حوالي /300/ عام خلت».

تتدفق مياه النبع من أسفل ريف صخري يأخذ شكل قوس دائري شبه مكتمل، وتتجمع مباشرة في جرن صخري أرضي منحوت بشكل دائري قطره حوالي خمسين سنتيمتراً

وللتعرف أكثر على أهمية "نبع عين حفاض" تحدثنا مع السيد "علي يوسف" من أبناء القرية حيث قال بداية عن سبب التسمية: «بحسب تعبير المعمرين في القرية أخبروني أن وفداً من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري وخلال برنامج الإعلامي "مهران يوسف" الذي كان يبحث عن معاني وتسميات القرى والمواقع السورية، أكد أن تسمية النبع بنبع "عين حفاض" قادمة من غزارة مياهه، وتفسيرها أن كلمة "حفاض" قد تكون محرفة أو مكسورة وفقاً للهجة الشعبية المحكية في القرية وهي تعني في الأساس "فاض"، أي إن مياه النبع فائضة على الدوام، وهذا تفسير معقول جداً وقريب من الواقع لأن مياه النبع دائمة الجريان على مدار أيام السنة».

مركز النبع والريف الصخري

ويتابع السيد "علي" في وصف موقع النبع وتضاريسه الجغرافية: «النبع تراثي وقديم جداً وهو على مستويين الأول مركز النبع الأساسي وهو عبارة عن ريف صخري منخفض حوالي المترين عن سطح الأرض المحيطة به وله شكل نصف قوس، أما المستوى الثاني فهو عبارة عن قنطرة حجرية مبنية بطريقة العقد الحجري، وتبعد عدت أمتار عن مركز النبع الأساسي، وهذه القنطرة من القطع المتوسط ويظهر منها فوق سطح الأرض حوالي المتر فقط ويعتقد أنها قد تصل بطولها إلى حوالي المترين، أما عرضها فهو حوالي متر ونصف تقريباً، وتصل إليها المياه من النبع الأساسي عبر قناة ترابية لتتجمع داخلها وتستخدم لسقاية المواشي منها، ومن ثم تخرج منها قناة ترابية تصل إلى الحقول الزراعية لريها».

أما بخصوص النبع الأساسي فيقول: «تتدفق مياه النبع من أسفل ريف صخري يأخذ شكل قوس دائري شبه مكتمل، وتتجمع مباشرة في جرن صخري أرضي منحوت بشكل دائري قطره حوالي خمسين سنتيمتراً».

نبع "عين حفاض" في منتصف الدائرة السوداء على جوجل

وفي لقاء مع السيد "محمد إبراهيم سليمان" من أهالي قرية "عين حفاض" تحدث عن النبع فقال: «لقد منح هذا النبع التراثي القديم جداً قريتنا اسمه الذي أعتقد أنه جاء من طبيعة استخدامه من قبل أجدادنا في السابق، حيث قاموا باستثماره بشكل جيد ومثالي للغسيل والشرب، فكلمة "حفاض" وبحسب معلوماتي التراثية تعني "أساس المنزل"، وهذا أمر منطقي وواقعي جداً لأن أجدانا كانوا يغتسلون ويغسلون فيه وبنوا أساس منازلهم عليه، فقد كان محط اهتمام الجميع وعليه اجتمعوا وأظهروا مودتهم لبعضهم بعضاً وتعايشوا مع بعضهم بعضاً، حيث كانوا ينظمون أيام استخدام مياهه وفق العائلات والأيام، فلكل عائلة يومها المحدد وخلال هذا اليوم تنظم كل عائلة ساعات استخدام كل فرد للمياه والموقع، ويحصل كلٌ منهم على ما يحتاجه من المياه وفقاً لوزن الكيلوغرام، فمنهم من يريد الاستحمام، ومنهم من يريد تنظيف أساس منزله، ومنهم من يريد ري حقله الزراعي، ومنهم من يريد ملء أوعية منزله بمياه الشرب وهنا استخدم الوزن».

الجدة "بديعة كامل عبد الحميد" حدثتنا عن كيفية استثمار مياه النبع للأغراض الاقتصادية المعيشية، فقالت: «كثرت في الفترة التراثية السابقة حرفة حل شرانق دودة الحرير وذلك لتوافر مربي هذه الدودة ومورد المياه، فقد كان يوجد بجوار النبع عدد من دواليب حل الحرير الذي يحتاج إلى المياه الوفيرة لإتمام العمل، وقد كانت هذه الحرفة مصدر دخل جيداً للأهالي يساعدهم إلى جانب مردود الحقول الزراعية، لكن العمل بهذه الحرفة كان موسمياً فقط خلال فترة أو مرحلة صناعة الدودة للشرانق فقط، فترى خلال الموسم الناس مجتمعة بجانب النبع يوصلون ليلهم بنهارهم وفق سهرات شعبية تعمها الفرحة والمحبة».

القنطرة الحجرية