نسبت تسمية نبع قرية "بقعو" للقرية التي عرفت شعبياً بـ"الضيعة"، واستقر بجانبه أبناؤها الأوائل من الرومان، واستثمروه للجذب السياحي في زمن لم تعرف المنطقة أهمية السياحة.

يقع نبع "الضيعة" بعد مدخل قرية "بقعو" التابعة لمدينة "الدريكيش"، بحوالي 200 متر وبجانبه المؤسسة الاجتماعية، وهذا جعل منه نقطة علام استدل بها الجميع لمختلف الاتجاهات، والرومان الذين اهتموا بالنبع منذ القدم حافظوا على نظافة مياهه ببناء حجري عقدي، وهنا تحدث الأستاذ "علي رزق" مدرس تاريخ من أهالي وسكان القرية، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 آب 2014، وأضاف: «نبع "الضيعة" من أهم ينابيع القرية المتعددة وأغزرها، ويقال إن انتشار الاستيطان البشري في القرية انطلق من جانبه، حيث كان السكان يبحثون عن مصادر المياه ويستوطنون بجانبها، وقد دلت اللقى الأثرية في موقع النبع على استيطان الرومان بجانبه، فحصنوه وبنوا له غرفة حجرية من الحجر الأسمر الكبير المشذب، مستطيلة الشكل تبلغ مساحتها حوالي ستة أمتار مربعة، وفق نظام بناء العقد الحجري المعروف في تلك الفترة.

تتجه مياه النبع إلى الحقول الزراعية لتروي كروم الحمضيات ومختلف أنواع الأشجار المثمرة، وهذا ساهم بإنتاج زراعي مميز عن بقية القرى المحيطة بقرية "بقعو"

ولم تقتصر الاستفادة من النبع على النهل من مياهه الغزيرة دائمة الجريان، وإنما تعداها إلى استفادة أبناء القرية باستيطانهم الحديث من موقعه في الاستثمار السياحي كفكرة يشتغل بها لأول مرة في هذه المنطقة، فبنوا بجانبه أول استراحة شعبية في خمسينيات القرن الماضي أو ما يعرف بالقهوة تحت ظل الأشجار العملاقة المنتشرة حوله ومنها الجوز والتوت والحور، وكانت ملتقى أبناء القرية يجتمعون فيها بعد الانتهاء من أعمالهم اليومية في الحقل والزراعة لتبادل الأحاديث والاطمئنان على بعضهم بعضاً، وجذبت هذه القهوة أيضاً أبناء القرى المجاورة.

الأستاذ علي رزق

ويقال إن هذه القهوة كانت تقدم المشروبات الساخنة فقط بمختلف أنواعها وبأسعار رمزية، واللافت بالأمر أن المواد الأولية اللازمة للعمل فيها كان مالكا القهوة السيد "درغام أسعد" والسيد "رزق رزق" يحصلان عليها بعملية تبادل تجاري سلعي مع مصادرها وفق الحاجة».

وفي لقاء مع السيد "زياد معلا" من أبناء وسكان القرية أكد أن الدلائل الأثرية من الأعمدة والخوابي وجدت أسفل النبع وليس أعلاه، مرجحاً هذا إلى احترامهم لقيمة النبع والمياه المنبثقة منه، مضيفاً: «النبع من الداخل عبارة عن قناتين فخاريتين مماثلتين لنظام القنوات الفخارية الرومانية، وهي ضمن قبو مبني من الحجر الطبيعي، وهاتان القناتان تصبان ضمن غرفة النبع في قناة فخارية رئيسية تسمح بمرور المياه الفائضة من خلال فتحة صغيرة ناتجة عن إغلاق مجراه في القبو الخاص به، لتخرج هذه المياه إلى الخارج».

نبع عين الضيعة

أما السيد "يوسف برهوم" الموظف في معمل الإسمنت فقال عن بعض ما يتذكره من القهوة الشعبية: «كانت الاستراحة عبارة عن طاولات خشبية بسيطة الشكل تحيط بها كراسٍ خشبية منتشرة تحت ظل الأشجار النامية بشكل جيد لوفرة المياه الدائمة، ويتم تقاضي الأجور من الزبائن بالقرش المقدوح الذي كتب عليه "دولة سورية"، وكانت الاستراحة بجانب النبع مقصداً سياحياً مهماً بالنسبة للقرية، ومورد رزق للعاملين فيها الذين تعلموا طرق العمل بالتجريب».

في حين أن السيد "علي سلمان أحمد" البالغ من العمر حوالي سبعين عاماً أكد أن النبع طالته عمليات ترميم وتأهيل في فترات سابقة، شملت الهيكلية الخارجية له دون المساس بالبناء الحجري الداخلي، حيث تم تلبيس واجهة الغرفة بالحجر الطبيعي، كما نصبت فوقه شمسية قرميد، مضيفاً: «تتجه مياه النبع إلى الحقول الزراعية لتروي كروم الحمضيات ومختلف أنواع الأشجار المثمرة، وهذا ساهم بإنتاج زراعي مميز عن بقية القرى المحيطة بقرية "بقعو"».

غرفة النبع من الداخل

يشار إلى أن قرية "بقعو" تبعد عن مدينة "طرطوس" خمسة وعشرين كيلومتراً، وعن مدينة "الدريكيش" أحد عشر كيلومتراً.