يقدّم الشاعر "أنس ياسين" العاشق للغة العربية مفرداتٍ شعريةً غارقةً في الإنسانية، مولعةً بموسيقا خاصة يتذوق تراكيبها وصورها البيانية كلُّ مهتمٍ ومتذوّقٍ للغة الإيحائية الفريدة السهلة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 تموز 2020 الكاتب الأديب "أنيس ياسين" ليحدثنا عن بداياته، حيث قال: «بدأت ميولي الأدبية منذ الصغر مع ما كنت أشاهده من برامج الأطفال في السابعة من عمري، فاستهوتني إنسانية الأحداث وسعي أبطال البرامج الكرتونية نحو الخير ومساعدة الناس، وكان ذلك بلغة فصيحة واضحة وقدرة خطابية جيدة، وهذا دفعني إلى الاستزادة من هذه القصص المشاهدة عبر القصص المقروءة، فكنت أدخر جزءاً من مصروفي لشراء قصص قصيرة عالمية عربية ومترجمة، وبدأت أشعر أن القلم يدعوني إلى صداقة حميمية معه، مستجمعاً حصيلة ثقافتي المتواضعة في سيرورة أدبية بدأت بذورها في الصف التاسع، فضلاً عن قصائد كان يترنم بها والدي في منزلنا الأول.

تراكيبي وجملي في أعمالي تداعب عقل المتلقي، وتعزف على أوتار قلبه، فلم أغرق في جاهلية اللغة، ولم أنجر أو أغور في غوامضها، وكذلك لم أزاول متحولها أو منحدرها وعاميتها، بل كان لكل عمل تراكيبه وجمله المنسجمة مع سياقه العام

وكنت أشعر بأبعاد دلالية غامضة، إنها تحمل آفاقاً لا يستطيع عقلي أن يستوعبها، فدفعني فضول عميق ورغبة جامحة إلى تتبع خيوط هذه القصائد وسرّ تأثيرها في نفسي، وكانت أول قصيدة كتبتها في الصف التاسع وقلت في بعضها:

رسالة الماجستير

طفل يمسك حجرة

الدكتور أنس ياسين

يضربها ليرد بها ألم الحسرة

الوجه الصهيوني الغاصب

أمسك حجرة.. أضرب حجرة

دمر فيها حصن الفجرة

تنمو أرض تزهر شجرة

تزهر بدماء الأبطال

فالقدس هنا يصرخ هيا.. إن الأعداء احتلوني

أين الثوار؟

والقبة من ألم نادت

إن الأوغاد اغتصبوني

أين الأحرار؟.

ومن ثم توسعت قراءاتي ومداركي وتحسن أدائي الشعري وفقاً لسني ومطالعاتي المتنوعة».

وعن منتجاته الأدبية قال: «لدي الكثير من المنتجات الأدبية منها كتاب "بلاغة الصورة وجماليات النص" وهو قراءة في شعر المخضرمين، وكتاب "الصورة في شعر الفتوحات الإسلامية حتى نهاية عصر بني أمية"، وبحث "المقارنة بين اللغتين العبرية والعربية"، وديوان مطبوع بعنوان "أصداء من الأعماق"».

وأضاف في توضيح من اختار الآخر هو أم الأدب قال: «اخترت الأدب لأن الأدب لا يختار أحداً من وجهة نظري، فالأدب أعمال صدرت عن عقول وقلوب كتبت تجربتها وفرضتها ظروفهم وحياتهم المعيشية، سارت بي التؤدة نحو عالمها فإذا بقلمي يستلقي بين أصابعي بكل انقياد وأكتب ما يمليه عليّ عقلي وقلبي».

وعن صوره البيانية قال: «ابنتي الناعمة المدللة في عيني إشراقة أمل لا تخبو، وفي فمها عسل عذب لا يتلف، وفي شعرها سواد دجى لا تنقضي إيحاءاته، وفي ثناياها نجوم تسدد سيري الأدبي كلما خمد رغبة أو رهبة، فصوري البيانية ابنة قلبي، وهي النهر والجسر وأشجار السرو والجبال والبحر والشاطئ والغروب والنبع والذكريات، التي ما يزال صداها ينحت في قلبي ترانيم "أورنينا"، وصبر "سيزيف"، وإصرار "أوذيس" وشجاعة "أخيل" وهداية "جلجماس" في بحار الموت في سعيه نحو الخلود، هي صوتي الأوضح، ولغتي الأفصح».

أما عن تراكيبه وجمله فقال: «تراكيبي وجملي في أعمالي تداعب عقل المتلقي، وتعزف على أوتار قلبه، فلم أغرق في جاهلية اللغة، ولم أنجر أو أغور في غوامضها، وكذلك لم أزاول متحولها أو منحدرها وعاميتها، بل كان لكل عمل تراكيبه وجمله المنسجمة مع سياقه العام».

وفيما يخص موسيقاه الشعرية: «الموسيقا الشعرية في أعمالي تنوعت بين أبحر الخليل الكلاسيكية وشعر التفعيلة الحديث، وهنا لم أتعصب لوزنٍ شعري دون آخر، وقد كان بحر "البسيط" مثلاً يسبح أحياناً مع قلبي بسفينة ممتعة حتى آخر شاطئ في أبيات القصيدة، وأحياناً تسير التفعيلة الواحدة من أول كلمة في القصيدة حتى آخرها، فروح النص كانت تفرض هذا الوزن أو ذاك».

ولكل أديب أجواؤه الخاصة في الكتابة، وهنا قال: «نعم الجو الذي يجذبني بشدة إلى عالم الكتابة هو الجو الشتائي العاصف برعده وبرقه ورياحه الشديدة، وأنا في عالم سريري الدافئ، وكذلك الجو الأيلولي الخريفي الحزين يدفعني برغبة جامحة إلى امتطاء ناقة شعري إلى عوالم بعيدة جديدة».

وفي لقاء مع د. "خالد أبو ميسة" دكتور في الأدب العربي قال: «في كتابات الشاعر "أنس ياسين" آفاق واسعة تتنوع في ميدان الإنسانية تنوع روضة ربيعية، فنشعر برغبة في متابعة موضوعاته في كل قصيدة يقدمها، ما يشعرني برقة ألفاظه وندرة صوره وتحليقه في عالم شعري خاص، يتكىء فيه على برج مميز، ومنارة خاصة، وهو في ديوانه "أصداء من الأعماق" مثلاً يصدر عن روح إنسانية حنونة محبة لكل بني الإنسان، غارقاً في محيطات من العاطفة لا يفقهها إلا متذوق للغة الإيحائية الفريدة، وكذلك أجد في كتاباته الشعرية السهولة بفهم معاني الشعر في زمن قلّ فهم ما يكتبه الشعراء».

يشار إلى أنّ الأديب والكاتب "أنس ياسين" من مواليد "بانياس" عام 1975 ويحمل شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة "تشرين"، وله العديد من المشاركات في المهرجانات الشعرية والأدبية في محافظات "دمشق"، "اللاذقية"، و"طرطوس".