بدأت النشر باسم مستعار في مواقع التواصل، ومن هذه التجربة السرية التي أغنت مخزونها الأدبي، نمت شخصيتها لتطلقها في ملتقى أدبي عام، عنوانه القراءة والاستماع والنقد، فكانت الجرأة لتقديم ما أبدعته للعلن.

هي الشاعرة "سميا صالح" التي تحدثت لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 13 تشرين الثاني 2017، عن بداياتها الأدبية المثيرة للخوض فيها، فقالت: «الأدب بأجناسه المختلفة لا يمكن اللجوء إليه والتأقلم في عالمه بوقت متأخر، بداياتي بالكتابة كانت في المرحلة الإعدادية، وكنت من الرواد على مستوى المنطقة في التعبير، بدأت محاولة كتابة قصة ما يزال أشخاصها في ذاكرتي، حيث نالت رضا معلم اللغة العربية، ثم انتقلت إلى كتابة الشعر، فوجدت روحي.

الأدب كلٌّ متكامل، لا يمكنه أن يكون إحساساً فقط، ولا يمكن تجاهل أهمية الإحساس في الكتابة والقراءة، فهو يقود الشاعر لصبغ مفرداته بلونه، كي تصل إلى المتلقي في أبهى حلة لها حسب تصوره، ولا يمكن التفرد بنوع من الإحساس، فهو متغير حسب الأجواء التي تفرضها القصيدة، وهو غزير أحياناً، وبسيط أحياناً أخرى، وربما مندفع في لحظة، وفي أخرى مختلف، ولا يمكن إلا أن يكون للمحيط دور فيه

وكل ما كتبته ما يزال محفوظاً في دفاتر خاصة، بداياتي بالنشر كانت بأسماء مستعارة، إلى أن التحقت بـ"ملتقى بانياس الأدبي"، فأعلنت الاسم الصريح لصفحتي، وكانت الانطلاقة.

من أعمالها

فعلاقتي بالأدب عامة وبالشعر خاصة علاقة الروح بالجسد؛ فالشعر بالنسبة لي غذاء الروح، بل هو الروح ذاتها في تجليها».

منطلق الأدب هو الإحساس الجميل بأنواعه وانفعالاته، ولكل وصفه بحسب ما قالت: «الأدب كلٌّ متكامل، لا يمكنه أن يكون إحساساً فقط، ولا يمكن تجاهل أهمية الإحساس في الكتابة والقراءة، فهو يقود الشاعر لصبغ مفرداته بلونه، كي تصل إلى المتلقي في أبهى حلة لها حسب تصوره، ولا يمكن التفرد بنوع من الإحساس، فهو متغير حسب الأجواء التي تفرضها القصيدة، وهو غزير أحياناً، وبسيط أحياناً أخرى، وربما مندفع في لحظة، وفي أخرى مختلف، ولا يمكن إلا أن يكون للمحيط دور فيه».

الشاعرة سميا صالح

وفيما يخص اللغة والصور الشعرية، قال: «أعتمد في التعبير الصور المكثفة "بؤبؤ الروح -أتوضأ بسرّك- جنة عرضها قصيدتك"، وكلّها صور نفسية تتكئ على شكل الانزياح اللغوي، وتعلن عن تفاؤل وإحساس بجمال الحياة في ظلال من الحبِّ والانتماء إلى الحبيب. التنوع بين المحسوس والمعقول، واستخدام الجمل القصيرة المركزة، وربما الاستعجال للوصول إلى الفكرة، لكن من دون إخلال بجماليات الصور، والوحدة العضوية للنص، كما أنّني أعتمد تراسل الحواس.

وقد استطعت توظيف تلك الصور بطريقة تخدم المبنى والمعنى، من دون أن تكون تلك الصور لغاية تزيينية وحسب؛ إذ لا يمكن انتزاع أي صورة من تلك الصور، لأن ذلك يسبب خللاً وفراغاً يفسد البناء الفني، كما يضعف المعنى مع الحفاظ على انسيابية القصيدة والموسيقا الداخلية من خلال ذلك التوازن بين المقاطع والسطور الشعرية، فلا مفردات ناشزة عن البناء اللُّغوي، ولا إبهام يضيع القارئ والمتلقي بين كثبانه أو متاهاته، فالرمز شفّاف يوحي بالكثير من التأويلات، لكنها تجتمع ضمن إطار واحد».

وعن إصدارها الجديد وتماهيه مع الواقع وسابقاته، أوضحت: «مهما تنوعت قصائدي ونصوصي بين التفعيلة والنثر، ومهما تعددت مواضيعها من الذاتي إلى الوطني، ومن الوجداني إلى الصوفي، يبقى هاجسي الأهم التمسك بأهداب ثقافة الحياة والحب والخير والسلام؛ فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة، وبلدي سيخرج منتصراً من محنته، كما تخرج العنقاء من رماد اليأس.

وربما الآن أكثر من أي وقت مضى أصبح الشعر مغامرة كبرى -ثلاثية الأبعاد- يتكامل فيها اليومي والإنساني بالوطني، في بوتقة الماضي والحاضر والمستقبل، ومجموعتي الجديدة "عشق ثلاثي الأبعاد" كما في سابقتها "كوردة.. هكذا تماماً" خطوة في الاتجاه نفسه، نحو عالم أكثر صفاء وطهراً، لا مكان فيه لخفافيش العتم إلا في حكايات الأطفال والأساطير.

قبل الطباعة يكتب الشاعر وكله ثقة أنه قادر على التغيير في بناء النص ومعانيه متى يشاء، وبعد الطباعة تبدأ المسؤولية، فالشاعر قدم للذائقة الأدبية مطبوعاته بمشاعره وإبداعه، وعليه التصرف بحكمة والسعي نحو الأفضل كي لا يقع في فخ العودة إلى الوراء، وهكذا أنا».

وتضيف فيما يخص الملتقى الأدبي الذي انطلقت منه إلى العلن: «الملتقى الأدبي في "بانياس" الذي تحول إلى جمعية ثقافية وظاهرة إبداعية قلّ نظيرها، الشرارة الأولى للانطلاق كانت من منبر الملتقى، ومن خلاله تعرفت إلى الكثيرين من الأدباء والمبدعين، وقرأت مطبوعاتهم من خلال جلسات النقد التي كانت تعقد دورياً.

لا يمكن الاندماج في مجتمع ثقافي من دون التأثر به والتأثير فيه، ولا بد من الاستفادة من تجارب الآخرين بطريقة أو بأخرى. وكانت للنوعيات المميزة من الأدباء الذين تمت استضافتهم في الملتقى، التأثير الواضح من خلال تبادل الآراء والتفاعل مع التطور اللغوي، من خلال المناقشة والتعرف إلى أساليب النقد».

وفي لقاء مع الأديب والناقد "فائق موسى"، أكد أن الشاعرة "سميا صالح" شاعرة متمردة على نفسها، وتجاوزت الخطوط الحمراء التي رسمها الزمان والمكان لامرأة جاءت من قرية صغيرة في سفح جبل من جبال "بانياس"، لتحتل مكانة ما كان لامرأة أن تتجرأ على تحدي الواقع، وصار لها حضور مميز وكبير في أوساط المهرجانات والأمسيات الشعرية في معظم منابر الشعر، ويضيف: «خاضت تجربة كتابة القصيدة بنوعيها التفعيلة وقصيدة النثر، وكان لها ما أرادت. تجربتها الشعرية ناضجة، وهي على حد علمي تجربة طويلة وغنية، مرّت بمراحل نوعية ومستويات متصاعدة من الأحاسيس العميقة التي تنوعت في دوافعها ومؤثراتها، وكانت التجربة الذاتية بداية كلّ التجارب، ثم انتقلت بعد حين إلى تجربة موضوعية وعامة في خضم المعارك التي تخوضها نفسها، ومع الواقع بطرفيه الزَّماني والمكاني، فقد تكون الشاعرة مرّت بمواقف من الإحباط، ثمّ انفتحت أمامها أبواب الحياة المضيئة».

أما الأديب "مهتدي مصطفى غالب"، فقال: «تعدّ الشاعرة "سميّا صالح" من أهم الشاعرات السوريات في هذه المرحلة الشعرية التي تعيشها "سورية"، وذلك لتميّزها بوعيها لمفهوم الشعر والشاعرية، وقدرتها الحداثوية في فهم الصيغة الفنية لكتابة قصيدة النثر؛ فقصيدة النثر عندها تتجلى في أرقى صيغها الفنية التي تنسجها برؤية حداثوية من خيوط الشفافية والعفوية الطبيعية، حيث حافظت على لغة قصيدة النثر التي خلقت لأجلها؛ فقصيدة النثر عندها طفلة الروح والجسد والقلب، تلهو بألفاظ وتركبها لتسكب بين راحتيها أجمل معاني الحياة؛ ألا وهو الإنسان نبض مشروعها الشعري».

يشار إلى أن الشاعرة "سميا حسين صالح" من أهالي "طرطوس" قرية "البلوطية"، ومن مواليد "دمشق" عام 1972، وهي خريجة كلية التربية.