كتبت "ليزا خضر" القصة القصيرة في سنّ مبكرة، لكنها بعد توقف عادت لتغوص في عالم القصيدة النثرية مرتكزة على ثقافة واسعة، فتشبعت بها كأنها المولود المرتقب.

البداية كانت من كتابة القصة القصيرة والحصول على عدة جوائز في الثالثة عشرة من عمرها، أهمها نيلها المركز الأول لثلاث سنوات متتالية في مسابقات أدبية شبابية نُشر عنها عبر الصحف الرسمية حينئذٍ، تقول الشاعرة "ليزا إبراهيم خضر" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 17 أيار 2017: «البداية كانت في كثرة القراءة وما كتابتي -باعتقادي- إلا فيض من تلك القراءة، فمطالعة الكثير من الكتب الأدبية وغيرها بمختلف الاختصاصات، كوّنت لدي مخزوناً لغوياً وثقافياً فاضت به ذاكرتي، كما انعكست بيئتي الاجتماعية على ما أكتب، فقد كان والدي مدرّس اللغة العربية وموسيقياً، ويمتلك ملَكةَ الكتابة ومكتبة تضم الكثير من الكتب المهمة، كنتُ مولعةً بالأدب الروسي من بداياتي، وتأثرت بمنهج تفكير "أنطون تشيخوف"، وتمرد الأديبة "غادة السمان"، بدأت التجريب ومشاغبة اللغة في السابعة من عمري حتى إنني كتبت بخط يدي رواية صغيرة تتمحور حول فتاة فقيرة مشردة في شوارع "باريس"، وذلك في الثالثة عشرة من عمري، وبعض المحاولات القصصية بين الحين والآخر.

تشدني إلى الكتابة بوجه عام الحالة الإنسانية والارتقاء بها إلى الشكل الهادف الذي ينتج حالة إيجابية، وليس الكتابة لمجرد الكتابة فقط؛ لأن للأدب رسالة مهمة، ولكل مرحلة حاجاتها ومتطلباتها، وعلى الأديب تلبيتها أدبياً، وفي هذه المرحلة أظنّ أن الألم السوري جعل من الأدب السوري عالمياً

وقد ظهر فيما أكتب تأثري الواضح بالأدب العالمي، في تلك المدة اشتركت بثلاث مسابقات أدبية تابعة لمنظمة اتحاد "شبيبة الثورة" أعلنت عنها صحيفة "الثورة"، وحصلت فيها على المركز الأول مناصفة لعامين متتاليين، والعام الثالث تفردت بالمركز الأول، وتم تكريمي بجوائز مادية ودورات أدبية وصحفية في "دمشق"؛ ومن هنا صار هاجس الكتابة مرافقاً لي طوال مسيرتي الحياتية».

ديوانها "لا أثر لرأسي الأول"

بعد انقطاع فترة من الزمن بسبب الانشغال بالدراسة الجامعية عادت الشاعرة "ليزا" إلى الأدب من بوابة الشعر الحديث، وعن هذه المرحلة قالت: «قرأت للشاعر "محمود درويش"، كما قرأت نثر "أنسي الحاج" و"محمد الماغوط"، واطلعت على عدد من الدراسات الأدبية حول شعر النثر؛ وهو ما كوّن لدي صورة أولية وجذباً خاصاً لكتابة قصيدة النثر، لكون طبيعتي في الكتابة ميالة إلى التكثيف والإيجاز، وهذا يتناسب وقصيدة النثر أكثر من القصة التي تحتاج إلى السرد المتأني، لذلك كان توجهي نحو القصيدة النثرية.

ولشغفي بها، مثّل تطويرها هاجساً لدي منذ البداية، وبدأت محاولاتي في خلق بديل للإيقاع الموجود في بقية صنوف القصيدة، فكان لا بد من أساليب وفنون جاذبة لقصيدة النثر، تكون بديلاً عن الإيقاع في أغلب الأحيان، وأنا أعمل حالياً على فن جديد، أتمنى أن ينجح ويترك بصمة في تطوير قصيدة النثر أضمه إلى العديد من فنونها، كطريقة ترتيب الكلمات في الجملة، واختيار اللفظة المناسبة للمعنى، والانتباه إلى نغمة الحرف، فلكل حرف في لغتنا موسيقاه الخاصة يمكن توظيفها بتقنية ما».

ديوانها "كأني أنا"

وتضيف: «تشدني إلى الكتابة بوجه عام الحالة الإنسانية والارتقاء بها إلى الشكل الهادف الذي ينتج حالة إيجابية، وليس الكتابة لمجرد الكتابة فقط؛ لأن للأدب رسالة مهمة، ولكل مرحلة حاجاتها ومتطلباتها، وعلى الأديب تلبيتها أدبياً، وفي هذه المرحلة أظنّ أن الألم السوري جعل من الأدب السوري عالمياً».

للأديبة "ليزا" ديوانان من قصائد النثر؛ الأول بعنوان: "لا أثر لرأسي الأول"، والثاني بعنوان: "كأني أنا". وترجمت بعض قصائدها إلى اللغة الإسبانية والأمازيغية، ومع هذا فهي ليست مع المنافسة الأدبية، وهنا تقول: «المنافسة الأدبية ليست هاجساً لدي، فأنا لدي عالمي الأدبي الخاص، وأكتب لمجرد عشقي للكلمة، أو لأن اللغة لدي نضجت، وقد يكون حان قطاف ثمارها؛ وهذا ممتع ويشعرني بجدوى حياتي.

ليزا خضر مع الأديب علم الدين عبد اللطيف

أؤمن بأن نوعية الإنتاج الأدبي هي المعيار وليس الكمّ، فقد كان عليّ أن أكتب لمدة ثمانية وعشرين عاماً ليولد نتاجي الأول ويكونَ ثريّاً، وهنا أؤكد أن التراكمية في التجربة الأدبية منحتني الانسيابية في الكتابة، وقصيدة النثر هي أقرب الفنون إليّ، فيها شخصيتي المتمردة على كل شيء حتى القوانين الشعرية».

وفي حديث مع الشاعر "محمد عامر الأحمد"، أكد أن الشاعرة "ليزا" تقدم جملاً شعرية مدهشة، وطريقة كتابتها سريالية ممتعة، وقال: «من خلال اطلاعي على منتجها وكتابة عدة دراسات عما قدمته، أرى أنها تقدم نصاً مفتوحاً على مختلف الاحتمالات، والكتابة لديها ليست مجرد كلام، وإنما هي عوالم متكاملة تحمل الرموز، فقصيدتها النثرية متكاملة من حيث الوحدة العضوية، والقدرة على التكثيف، وهذا ينطبق على قصيدة الومضة بما تملكه من خيال جعلها تقدم قصيدة متكاملة في أربعة أسطر مثلاً».

يشار إلى أن الشاعرة "ليزا إبراهيم خضر" من مواليد مدينة "صافيتا"، عام 1976.