"سوزان عبد الرّحمن" اختارتْ للتّعبير عن مشاعرها وهواجسها "قصيدةَ الومضة"، متجاوزةً بذلك النّسق التّقليديّ، فجاءَ صوتُها كثيفاً ومفاجئاً، لتعلنَ عبر الكتابةِ صرختَها الأنثويّة في وجه العادات والأنماط السّائدة.

مدوّنة وطن "eSyria" التقتِ الشّاعرة في مدينتها "طرطوس" بتاريخ 11 تمّوز 2014، للحديث عن تجربتها الشّعرية، وكان معها هذا الحوار:

لا بدّ للشّعر في تطوّره، من أن يأسرنا بقوّةٍ، ويحيطنا في الوقت نفسه، بجوٍّ من الوضوح الهادئ الوديع، فكانت "سوزان" في كتاباتها، تلك الأنثى المُحتاجة إلى الهواء والماء، تحاولُ أن تتحسّسَ طعماً جديداً للأشياء. امرأةٌ صامتةٌ تشتاق لمغامراتٍ غريبة وغامضةٍ، يكون فيها الإنسان إلهَ نفسهِ، وسيّدَ حياته. لقد أيقظتْ آمالنا جميعاً، برغبةِ هزْمِ الألمِ، والبحثِ عن التحرّر الجادّ

  • بدايةً، بمن تأثّرتِ؟ ولماذا الشّعر؟
  • لحظة تأمّل شعريّة

    ** بداياتي كانت إنسانةً باحثةً عن ذاتها، وقد بدأتُ أجد نفسي في التّعبير بالكتابة. بالتأكيد لديّ ما أقوله، ولم أجدْ وسيلةً للتّعبير أنسب لي من الكتابة، ورغم أنّ اللّغات الأخرى تتقاطع مع ذاتي، إلّا أنّ الكتابة هي الأكثر تعبيراً. ديواني الأوّل كان بدايةً قتالاً صعباً في المجال الأدبيّ، إذ تعرّض لنوعٍ من محاولة وأدِ تجربتي في مهدها. كان محاولةَ منعِ أنثى من التّعبير عن ذاتها بحريّةٍ، في مجتمعٍ لا يزال يعتقد في مكانٍ ما من وعيه، أنّها كائنٌ يجب أن يظلّ حبيس الظّلال، أو أن تلتزمَ خدره.

  • معظم قصائدك عبارة عن ومضات منثورة، لماذا اخترتِ هذا الشّكل، متجاوزةً الشّعر الموزون؟
  • غلاف ديوانها "كزائرة على عجل"

    ** اختياري هذا الشّكل دون الموزون قد يعود إلى قراءتي وتفضيلي الشّعر النّثريّ على الشّعر الموزون. أصبحنا في عصر السّرعة والاختزال، ومن وجهة نظري إنّ القصائد الطّويلة، تضعُ القارئ في حالةِ مللٍ وتشتّتٍ شعريّ. أرى في الشّعر، صياغةً محدّدة الشّكلِ، أمّا الومضات المنثورة، فهي مجالٌ حرٌ للتّعبير، تعطي الفرصةَ للكاتب كي ينتثرَ في فضاء التّعبير دون ضوابط. أعتقد أنّ الومضات، هي الأنسب للزّمن المعاصر الذي نعيشه، حيث تتحطّم القيود، وتنهار الضّوابط، ويصبح العالمُ حرّاً أكثر فأكثر.

  • اليوم عبر "الفيسبوك"، الجميع يكتب، ويستسهل الأدب، كيف تنظرين إلى دور "الفيسبوك" في الكتابة والتلقّي؟ وكيف يمكننا الحدّ من الفوضى المجانيّة فيما يُنشر؟
  • تكتب إحدى ومضاتها

    ** "الفيسبوك" مساحةٌ للتّواصل والتّلاقي والتّلقّي، وما يميّزه أنّه مساحةٌ مفتوحةٌ لمن يشاء من دون ضوابط حقيقيّة؛ وبالتّالي فهو يتيح حرّيّةً، تصل إلى حدّ الفوضى، واختلاط الأفكار. ومن أجل ضبط هذه الفوضى، يمكن إيجادُ قنواتِ تواصلٍ مغلقةٍ خاصّةٍ بالأشخاص المهتّمين بجدّيّة النّشر، كمجموعاتٍ مغلقةٍ مثلاً، يُشارك فيها المهتمّون بعيداً عن الهواة العابثين، وعن الدّخلاء على عمليّة النّشر والكتابة. وهذا يتيح تواصلاً حقيقيّاً بين أشخاصٍ لديهم قيمةٌ مُضافة، وقدرةٌ على رفعِ مستويات بعضهم بعضاً، من خلال التّفاعل الجادّ.

  • هل نال ديوانك الأوّل ما يستحقّ من النّقد؟ وهل هناك نقدٌ حياديّ وموضوعيّ برأيك؟ أم إنّه نقد معارف ومجاملات؟
  • ** للأسف نفتقر إلى الحياديّة إجمالاً، وخاصّةً في التقييم، حيث يطغى العامل الشّخصيّ. بصراحةٍ كنتُ أبحث عن نقدٍ حياديّ، موضوعيّ، يكشفُ الثّغراتِ، ومكامنَ الضّعفِ، لكنّ أغلبَ التّقييمات الّتي حصلتْ، افتقرتْ إلى الموضوعيّة، وكانت شخصانيّةً، سلباً أو إيجاباً، باستثناءِ دراسةٍ نقديّةٍ، موضوعيّةٍ، وحيدةٍ، كانت بقلمِ الشّاعر والرّوائيّ "أحمد يوسف داؤد".

  • يمكن القول: إنّ الشّعر هو "الفكرة في صورة"، هل تعتقدين أنّ الفكر ضروريّ للشّعر؟ أم أنّ الانفعال كافٍ لقول ما نصبو إليه؟
  • ** الشّعر هو فكرةٌ ارتدتْ ثوبَ العاطفة، أو هو عاطفةٌ اتّشحتْ بفكرة. في كلا التّعبيرين؛ الشّعر هو تزاوجُ نقيضي العاطفة، والفكرة. هو انبلاج خصوبة ذلك الزّواج المقدّس بين أفكارنا، وعواطفنا. بين حرّيّتنا النّفسيّة، وانضباطنا فيما نعتقد.

  • في نصوصك هناك امرأةٌ في مواجهة الرّجل؛ تغضب، تتّهم، تهجس، وتلاطف، كيف تبرّرين ذلك؟ وكيف تنظرين إلى ثنائية المرأة الكاتبة، والرّجل المكتوب؟
  • ** إنّها ثنائية المجتمع؛ وهذا ينعكس فيما أكتب، فالمجتمع فيه هذه الازدواجيّة التي لم نخرج من طوقها للأسف. هناك ذكورةٌ متسلّطة، وأنوثةٌ تحاول التّمرّدَ، والغضبَ، والانسكابَ، في عباراتٍ ثائرةٍ ناقمةٍ. ورغم الحداثة، والمساواة الشّكليّة بين الطّرفين، إلا أنّ الأمورَ في العمق، ليست كذلك. أمّا فيما يخصّ المرأة الكاتبة، والرّجل المكتوب، فهو محاولةُ إعادةِ بناءٍ لواقعٍ تعوّدنا فيه على الرّجل الفاعل، والمرأةِ المنفعلة، والمفعولة. وفي الكتابة أحاول كإحدى الرّافضات لذلك، أن أعيدَ صياغة الرّجلِ كمفعولٍ، بعدما كان فاعلاً لتاريخٍ طويل.

    قارئة الشّعر، المهندسة "ليندا حبق" قالت: «لا بدّ للشّعر في تطوّره، من أن يأسرنا بقوّةٍ، ويحيطنا في الوقت نفسه، بجوٍّ من الوضوح الهادئ الوديع، فكانت "سوزان" في كتاباتها، تلك الأنثى المُحتاجة إلى الهواء والماء، تحاولُ أن تتحسّسَ طعماً جديداً للأشياء. امرأةٌ صامتةٌ تشتاق لمغامراتٍ غريبة وغامضةٍ، يكون فيها الإنسان إلهَ نفسهِ، وسيّدَ حياته. لقد أيقظتْ آمالنا جميعاً، برغبةِ هزْمِ الألمِ، والبحثِ عن التحرّر الجادّ».

    يطول الحديث كثيراً، إذا أردنا أن نتفحّصَ كلّ ومضةٍ مُميّزةٍ في هذه المجموعة الأولى، لشاعرتنا "سوزان" كما يقول الشّاعر والرّوائي "أحمد يوسف داؤد"، الّذي يُضيف: «وما لا بدّ من قوله: إنّ القصائدَ ليست جميعها بمستوى واحد، ولا يمكن أن تكون كذلكَ، غير أنّه من الظلم بمكانٍ، أن نقولَ: إنّه توجد في الدّيوان ومضةٌ واحدةٌ، لا تحمل قيمةً فنّيّةً جيّدة، أو إنّها تدخل في باب الكلام العادّيّ، أو اللّغو الفارغ، مثلما نجد عند كثيرين. لقد تجاوزت "سوزان" الصّعوبةَ البالغةّ في كتابة قصيدة الومضة. وأنا أجدُ أنّ كتابة هذا النّمط، هو أصعب أنواع الكتابة الشّعريّة، وقد حقّقتْ في مجموعتها، أولى الخطواتِ الضّروريّة، لبروزها كشاعرة متميّزة حقّاً».

    ومضات من ديوانها "كزائرة على عجل":

    (1) "رحلة صيد":

    "أودعَ مرآةً

    في كلّ صوبٍ..

    وفي جيوبه

    أودعَ أقلاماً كثيرةً

    من أحمر الشفاه"..

    (2) "طفل":

    "عانقها حرفاً..

    عانقته جملةً..

    فأنجبا طفلهما الورقيّ!".

    (3) "الشّارب الأوّل":

    "خلسةً،

    أقبلَ تشرينُ،

    شارباً من رأس النّبع،

    قبل كلّ الشّهور..

    تبعه أيّار،

    وخلسةً شرب أيضاً

    قبل كلّ الشّهور!

    وحده رأس النّبع

    كان يعرف،

    من هو الشّارب الأوّل".

    يُذكر أنّ، الشّاعرة "سوزان عبد الرّحمن" من مواليد "دمشق" 1987م. صدر لها ديوان شعر: "كزائرة على عجل" في العام 2013م.