تمتاز كتابات الشاعرة "سمر عبد الرّحمن" بالعفويّة، والبساطة، حيث تحاول أن تكتبَ بالخاطرة حيناً، وبالشّعر حيناً آخر، كلّ ما تهجسُ به المرأة من همومٍ ورغبات.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت الشّاعرة بتاريخ 9 حزيران 2014، للحديث عن تجربتها الشّعرية، وكان معها هذا الحوار:

كتابتها مواجهةٌ مع الواقع، ومحاولةٌ للتّغيير، وقرارٌ جريءٌ بتحمّل النّتائج. وكتابتها بوحٌ ذاتيّ مرّةً، وسفرٌ نحو آفاقٍ جديدةٍ مرّات. والمُتابع لما تكتبه "سمر" يدهشه إصرارها وإرادتها وقرارها بالاستمرار والمثابرة وقبول النقد ولو كان قاسيّاً، وأجمل ما فيها شفافيتها وصراحتها وجرأتها، حيثُ تقترب في بعض نصوصها من الحكمة، وفي بعضها الآخر تتحدّث بلسان حال المرأةِ الشّرقيّة العاشقة، والمقموعة، والعطشى للحبّ الصّادق في زمنٍ كذوب

  • لماذا اخترتِ عالم الشعر؟ وبمن تأثّرتِ في البداية؟
  • تقرأ من ديوانها "عزف أحاسيس"

    ** لم أخترْ هذا العالم الجميل، بل وجدتُ نفسي داخلَه دون أن ألحظَ ذلك، ودون نيّةٍ مقصودةٍ، حيث كان في أعماقي ما يلحّ دوماً للخروج، والانسكاب على الورق، وقد ساهمتْ قراءاتي الأولى في تعميق هذا الشّعور، حيث قرأتُ لـ"غادة السّمان"، و"كوليت خوري"، وتأثرتُ كثيراً بشاعر الحكمة الجاهليّ "زهير بن أبي سلمى"، واليوم اتّسعت قراءاتي لتشملَ الكثيرين من الشّعراء القدامى، والحديثين.

  • في ديوانك "عزف أحاسيس" مزيجٌ من مشاعر الحبّ المكبوتة حيناً، والمنفلتةِ حيناً آخر، كيف تقرئين هذا التّناقض شعرياً؟ وهل حقّق الشّعرُ لك حرّيّة البوحِ والاعتراف؟
  • غلاف ديوانها "عزف أحاسيس"

    ** لم أكتبْ عن نفسي في تلك الخواطر، بل عن عدّة نساءٍ، منهنّ من كان الخجلُ يغلب عليها، ومنهنّ من انفتحتْ على ذاتها، وأطلقتِ العنان لها. إذاً أنا أتحدّث عن الأنثى بكلّ أحوالها وظروفها، وكانت اللّغة الشّعريّة في كلّ ما أعبّر عنه، هي الفضاء الذي أحلّق فيه، وأقول بعفويّةٍ وحرّيّةٍ وجهاتِ نظري في كلّ شيءٍ. نعم لقد حقّق الشّعرُ لي الجزءَ الكبيرَ من الحرّيّة أثناء الكتابة.

  • نصوصك مكتوبة بشعريةٍ سرديّة نثريّة. لماذا اخترتِ هذا الأسلوب؟ ومن أين تستقين مفرداتك، وثروتك اللّغويّة؟
  • أثناء قيامها بالعمل الإنساني التطوّعي

    ** معظم كتاباتي كانت من خلال قصصٍ حقيقيّة، لذلك سردتُها بكلّ تفاصيلها مع بعض الرّتوش الشّعريّة، فلم أكتب الشّعر بمعناه الشّائع، وإنّما كتبتُ خواطرَ شعريّةً، ويحقّ للشّاعر ما لا يحقّ لغيره، فأنا لم ألتزم القافية، وكنتُ دوماً مشغولةً بأن تصلَ فكرتي الشّعريّة إلى القارئ بواسطةِ شكلٍ يشبهني، مستفيدةً في ذلك من ثقافتي، ومن تجارب غيري من الشّعراء.

  • معظم نصوصك ترجمة لمشاعرك، أين الفكرة من نصوصك؟ وكيف تنظرين إلى ثنائيّة الفكرة واللغة، وإلى ثنائيّة المرأة واللغة؟
  • ** لم تكن مشاعري وحدي، بل هي مشاعر الأنثى بشكلٍ عام، فكلّ أنثى لديها من المشاعر ما يكفي لكتابة موسوعات من الشّعر، والخواطر، والقصص، وإنّني إلى حدّ ما أوصلتُ ما تفكّر به الأنثى، وما يحول دون فهمها. أرى أنّ اللّغة والفكرة متلازمتان، حيث لا فكرة دون لغةٍ، والعكس صحيحٌ؛ فلا أستطيع أن أقتحمَ الورقةَ البيضاء دون أن أفكّر في شيءٍ ما، وبما أنّ اللغة مؤنّثة فإنّ كلّ شيءٍ متعلّقٌ بالأنثى، وهي نبع اللّغة.

  • نلاحظ في نصوصك نفَس شهرزاد، كيف أمكنك المزج بين شهرزاد الماضي والحاضر؟
  • ** كان هناك سلاحٌ على نحرِ شهرزاد الماضي، فأبدعتْ بسببه "ألف ليلة وليلة"، وغيّرت باللّغة، والقصّ، مجرى حياةِ مملكةٍ بكاملها. ما تغيّر اليوم هو السّلاح، الّذي أصبح خفيّاً، ومتطوّراً، لذلك أيضاً أبدِعُ كتابةً، وأتمنّى أن أفعلَ مثلما فعلتْ في لياليها.

  • هل نال ديوانك اهتمام النّقاد والقرّاء؟ وما هو مشروعك الحالي؟
  • ** لا أستطيع الحكم على اهتمام القارئ والنّاقد، لأنّ ديواني كان تجربةً نضجتْ في وقتٍ صعبِ الظّروف، من خلال ما تمرّ به البلاد، فكانت هناك مجموعة من الآراء الانطباعيّة، وقد تمّ الاحتفاء بديواني ونقده في ملتقى "بانياس" الثقافيّ، وكانت الانطباعات متباينةً، لكنّني كنتُ راضيةً عنها. لديّ اليوم مشروعُ ديوانٍ جديدٍ، تمّ تأجيلُ نشرهِ بسبب الظّروف الحاليّة، وانشغالي بالعمل الإنسانيّ التّطوّعيّ، إذ لا شيء أفضل من وقفةٍ إلى جانب بلدي الّذي ينزف ويتألّم، فلا مشاعر تفوق مشاعرَ الحزنِ عليه. التّفكير ببلدي، هو قصيدتي التي تشغلني الآن.

    الشّاعر "علي سعادة" تحدّث عن تجربتها الشّعرية في ديوانها بالقول: «كتابتها مواجهةٌ مع الواقع، ومحاولةٌ للتّغيير، وقرارٌ جريءٌ بتحمّل النّتائج. وكتابتها بوحٌ ذاتيّ مرّةً، وسفرٌ نحو آفاقٍ جديدةٍ مرّات. والمُتابع لما تكتبه "سمر" يدهشه إصرارها وإرادتها وقرارها بالاستمرار والمثابرة وقبول النقد ولو كان قاسيّاً، وأجمل ما فيها شفافيتها وصراحتها وجرأتها، حيثُ تقترب في بعض نصوصها من الحكمة، وفي بعضها الآخر تتحدّث بلسان حال المرأةِ الشّرقيّة العاشقة، والمقموعة، والعطشى للحبّ الصّادق في زمنٍ كذوب».

    قلمٌ واعدٌ بالكثير، قرأتُ في ديوانها نصوصاً عذبةَ الصّور كما تقول الشّاعرة "ماجدة حسن"، التي تضيف: «تمتاز ببساطتها، وقربها من قلبِ القارئ، بما تحمله من فيضِ أحاسيسٍ، ورقّةِ أسلوبٍ في التّعبير، ووصف ما في صدر كلّ أنثى من شغفٍ وحنان وشكوى. تعزف نصوصَها مواويلاً شتّى، تتوزّع بين الحبّ والأمل، وبين الحلم والألم، وبين الخيبة والفرح، بين وطن الذّات، وموطن أتراحها وأفراحها. هي جسرٌ يصل قلمَها بوجدان القرّاء. يتطوّر حرف "سمر"، ويثبت وجودَه وشخصيّته الأدبيّة، لأنّه ذكيٌّ، يلتقطُ الإشارات بفنٍّ، ودقّةٍ، ويستفيدُ من مُطالعاته، وتجربته، وتجربة الآخرين، فهي قارئةٌ بارعةٌ، ومُرتشِفةٌ مبدعةٌ برؤاها الشّفيفة النّقيّة».

    قصيدة "المدينة المسحورة" من ديوانها "عزف أحاسيس":

    "قالت لحبيبها: تعال

    لأدخلكَ إلى المدينة المسحورة..

    لا تخفْ إنّها مدينتي

    لا يدخلها إلا عاشقٌ

    دماؤه من نبيذٍ،

    وقلبه من ماسٍ

    مدينتي عصيّةٌ على الفاتحين،

    بينما يستطيع احتلالَها طفلٌ صغيرٌ

    عصفورٌ مذعورٌ

    يختبئ تحت نهدها فرحاً،

    ينقرُ شامةً، كأنّه اكتشفَ منجمَ ذهب..

    كلّما سار في أنحائها يكتشف أسرارها؛

    هنا مغارةٌ من لؤلؤٍ،

    وهناك غابةٌ من نخيلٍ،

    بقربها حقلٌ من بنفسجٍ..

    في الهواء كراتٌ من عنّابٍ

    يحرّكها لاعبُ سيركٍ برشاقة..

    ونبعٌ له طعمُ القهوة

    ولذّة حبّ الهال..

    يمشي فيها،

    يحسبُ أنّه في ليلةِ القدر".

    يُذكر أنّ، الشّاعرة "سمر عبد الرّحمن" من مواليد مدينة "بانياس"، وصدر لها ديوان شعرٍ: "عزف أحاسيس"، 2012م.