وفق مقطوعات شعرية حداثوية امتلكت الشاعرة "رحاب الصائغ" مقومات القصيدة الفكرية الإبداعية والمشاعر الوجدانية، واستطاعت توظيفها ضمن قوالب وجدانية من واقع الحياة والبيئة.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 23 شباط 2014 الشاعرة وأجرت معها الحوار التالي:

ما تكتبه المدرسة "رحاب الصائغ" ليس قصيدة نثرية فقط، وإنما قصيدة حديثة فيها القافية والوزن والإيقاع المستساغ بالنسبة إلي، وهي بذلك تعكس نفسيتها وحالتها العامة، وهذا إنجاز في مرحلتها العمرية بعد سن التقاعد. فهي تنقي الألفاظ والكلمات المعبرة والسلسة، ذات الوقع الجيد على الأذن، وترسم بها المقطوعة الشعرية، وهذا ما أسميته التشكيل بالكلمات بالنسبة لها

  • كتبت مقطوعات شعرية قصيرة بعد سن التقاعد، حدثينا عن هذه الحالة الوجدانية.
  • المحبة

    ** بعد التقاعد عن العمل التدريسي كمدرسة لغة إنكليزية، شعرت براحة نفسية وجسدية ورحابة فكرية مشحونة وجياشة، وهذا انعكس على ذائقتي الفكرية وحفزها على الإنتاج الفكري العملي خارج نطاق مناهج التدريس، فظهرت الأفكار الأدبية، وبدأت العمل عليها بمنهجية فكرية علمية، وتوظيفها ضمن قوالب وجدانية من واقع الحياة والبيئة، والحالات الاجتماعية التي نعيشها بالعموم يومياً، فرحت أصطاد المناسبات، وأنتهز الفرصة لتوظيف أفكاري لتجسيد حالاتها وبلورتها في قوالب شعرية تنتج في النهاية قصائد توثق الحالة بالعموم، وكان للوطن الحيز الجيد فيها، خاصة بما يمر به من ظروف قاسية تحرك المشاعر الإنسانية وتحفز الأفكار.

    أعطاني الله الملكة الفكرية في هذه المرحلة العمرية، وأعطاني القدرة على توظيفها أيضاً، لسكبها على أوراقي البيضاء مجملة منمقة، إذاً العمل بالمطلق عمل رباني، لأنني وبالعموم لم أكن في وارد كتابة الشعر، ولم يتم التخطيط له سابقاً.

    الخريف من أعمالها الشعرية

    ففي البداية يجب أن تروق لي الفكرة، لأفكر فيها وأدرك معرفة كيف يمكن تناولها، والتوسع بها، وشرحها، ومن ثم وضع خاتمتها، وجميع هذه الخطوات تتم شعرياً ضمن أبيات موزونة وفق جنس الشعر الحداثاوي.

  • كيف تجمعين في شعرك بين اقتناص الفكرة وتنفيذها؟
  • ** بالتأكيد ليس كل ما أصطاده من حالات وجدانية محفزة للفكر، ويمكن تجسيدها ضمن زمن قصير وبسهولة، إنما تبقى الأفكار في ذهني فترة ما لا يمكن أن أقدرها، ريثما تتخمر وتتكرس وتظهر بالشكل والمفهوم الذي أرغب فيه.

    وحينها أبدأ الكتابة وبلورة تلك الأفكار على الأوراق، فينجر قلمي ويأخذني إلى حيث لا أدري في عوالم مجهولة لم أخض فيها سابقاً، فأحذف بعضاً منها، وأجمل بعضها الآخر، وأبقي القسم الأكبر منها، لأنها منتجي الفكري الذي أسعدتني ولادته.

  • هل فكرت يوماً بكتابة شعر بغير اللغة العربية طالما أنك تجيدين اللغة الإنكليزية؟
  • ** لغتي الأساسية هي اللغة العربية، وأنا خلال دراسة الثانوية العامة الفرع الأدبي حصلت على المرتبة الأولى على مستوى المحافظة بها، إذاً التفوق باللغة منذ الصبا، وهذا مستمر حتى اللحظة، وبالعموم أنا أستهجن من يتحدث بغير اللغة العربية الفصحى، لأنها لغة الفكر والتواصل والأدب، وبالنسبة إلى اللغة الإنكليزية فهي لغتي المهنية فقط، ولا يمكنها أن تطغى على لغتي الأساسية العربية.

  • ما هي أكثر الحالات التي تستدعيك لكتابة الشعر؟
  • ** أنا أحب المطر، وأجد فيه الكثير من الإيجابيات الطبيعية، فكتبت عنه قصيدة وجدانية خلال إحدى حالات الطقس الماطرة، ومتابعتي لها، تصف حقيقته وكيف يأتي بالخير والمنفعة على الجميع، وهنا لم أبتعد عن التمني الشخصي بالرغبة في غسل نفوس البشر كما يفعل بالشجر، وقلت فيها:

    "على الأرض قطرات المطر

    بها لذوي الفكر شتى العبر

    للنبات والغلال رياً

    ليأتي في أوانه طيباً

    وللأزهار والورد سقياً

    لنشم في أوانه أعذب عطر

    أتمناك يا مطر لقلوب الناس غسيلَ

    لتنبت في ضمائرهم محبة وخليلَ".

  • هل تؤمنين بأن الصوت أثناء إلقاء الشعر له الدور الأكبر في عامل الجذب السمعي؟
  • ** هناك قول للفيلسوف اليوناني "أفلاطون" أوقفني كثيراً، يقول فيه: "المعلم الذي لا يجيد الموسيقا، لا يجيد التعليم"، فأنا عندما أريد تقديم مقطوعة شعرية أصر على أن يكون لها وقع موسيقي على الأذن يسر بها المتلقي، كي لا أضطر إلى استبدالها فيما بعد، وذلك من خلال الألفاظ وموسيقاها الخاصة، وهنا تكمن قدرتي بطريقة الإفصاح عنها وصبها على الأوراق، مروراً بالشعور الذي أمتلكه وحساسيته تجاهها.

  • ماذا يعني لك أن تكتبي الشعر، وهل لديك رسالة خاصة عبره؟
  • ** من طباعي قراءة الشعر، ويمكن لهذا الميل الفطري أن يكون فعل فعله في الكتابة والتفريغ عن المشاعر والأحاسيس، ومن الطبيعي أن يكون هناك رسالة من كتابته فالشعر رسالة سامية أفصحت عن جزء منها في قصيدة المطر، وغير هذا تكون كلماتي سطحية لا قيمة لها، ولكل مناسبة أو حالة وجدانية فكرة وموسيقا خاصة، تتمخض منها القصيدة حاملة بين مفرداتها العبرة والعظة والرسالة التي أنشدها، فحين أكتب قصيدة في "عيد المعلم" مثلاً أرغب في توضيح أهمية المعلم في التعليم، وما هي الرسالة السامية التي يحملها.

    وفي لقاء مع المهندس "وليم قنيزح" المهتم بالشعر قال: «ما تكتبه المدرسة "رحاب الصائغ" ليس قصيدة نثرية فقط، وإنما قصيدة حديثة فيها القافية والوزن والإيقاع المستساغ بالنسبة إلي، وهي بذلك تعكس نفسيتها وحالتها العامة، وهذا إنجاز في مرحلتها العمرية بعد سن التقاعد.

    فهي تنقي الألفاظ والكلمات المعبرة والسلسة، ذات الوقع الجيد على الأذن، وترسم بها المقطوعة الشعرية، وهذا ما أسميته التشكيل بالكلمات بالنسبة لها».

    يشار إلى أن الشاعرة "رحاب الصائغ" من مواليد مدينة "طرطوس"، متقاعدة عن تدريس اللغة الإنكليزية منذ عام ونصف العام تقريباً.