"تشكيل أول" هو عنوان ديوانه الشعري الذي اختاره أحد أهم المواقع الالكترونية الأدبية لهذا المنصب، وبعد توجهه إلى الصحافة التي عرف من خلالها كقاص وناقد، قد تكون الرواية هي الأقدر على إرواء ظمئه الأدبي.

مدينة "صافيتا" تجمعنا اليوم من جديد مع الأديب "باسم سليمان" في الحوار التالي:

الآن ثمة أصوات وهي تكثر تدعو للي عنق الزمان إلى الوراء وليس الشعر فقط! هناك نكوصٌ مستشرٍ في الحياة العربية، قال "أدونيس": إننا ننقرض، لقد كان رؤوفاً! الحقيقة أصعب من ذلك، أمة اقرأ لا تقرأ تريد فقط السماع، مهووسة بالعنعنة والشفاهي، بقتل الفاعل وإقامة اسم المفعول والإقامة في الهامش وإحياء قبيلة "غزية" من جديد. مسابقة "أمير الشعراء" تخفي ما تخفي ولن تحتاج للتقعيد النظري والتسبيب، فرأس المال وتحالفه مع القوى الرجعية الفيزيقية والميتافيزيقية يوجدان لها أسباب الشيوع، لكن دعنا من ذلك الشعر، الحق لا يحتاج لعودة الماضي ولا لمسابقة بل يحتاج لقول: قل كلمتك وامض

  • يتوزع إنتاجك الإبداعي بين الشعر، الكتابة السردية: القصة والنقد.
  • ديوانه الشعري

    أيعدّ هذا تشتيتاً لجهدكم الإبداعي، أم أنه يخدم بشكل من الأشكال موهبة تلم بكلّ تلك الأشكال الأدبية، أو موهبة تبحث عن نفسها من خلال الترحال المستمر بين ضروب أدبية مختلفة؟

    ** «جئت إلى الأدب بمكر ما لا أعرف كنهه وأنا الذي كنت أجتنبه كالخمر، حدث ذلك منذ أربع سنوات كضربة صاعقة الحب إثر قراءة الصدفة لمطلع قصيدة للسيّاب "عيناك غابتا نخيل ساعة السحر... "، وفجأة كالسقوط لكن للأعلى صار لدي قيامة شعرية في العام الخامس من العقد الثالث.

    مجموعة قصصية لعام 2009

    وأزحتُ صخرة اللغة وكتبت ما قالوا لي أنه شعر وانهمرت بعدها الغوايات، صرت كالملسوع بالشعر وامتدت حمى الأدب لتصيبني بباقي أجناسها، أقول ذلك؛ إذ هي ولادتي الأدبية، وكطفل رحت أجرب الحبو والمشي والركض واكتشاف البعد الثالث ورمي الكتب في حياتي، كمراهق يحب كل ذات نهد ويوماً ستفطمني إحداهن وستكون عشقي الأدبي، وحتى ذلك الوقت كيتيم يحق لي ما ملك الأدب من الزوايا».

  • دعنا أولاً نتحدث عن "باسم سليمان" الشاعر، فمن خلال نصوصك المنشورة، نراك تنأى عن كل ما تحكمه القواعد، وكأنّك تترك اللغة تقول ما تشاء، فهل تأخذ نصوصك الشعرية هذا المنحى لأنك تؤمن بما نسميه "سلطة اللغة"، أم أنّ القاعدة والقانون أصبحا يعيقان الشعر، بحيث تخلق منه مسخاً أدبياً آيلاً للموت؟
  • ** «الشعر ليس لغة في اللغة.. بل لغة سابقة على اللغة حيث يتماهى الدال والمدلول، الشكل والمعنى، إنه صلصال كالحمض يذيب الأشكال القارة ويبتدع أشكالاً جديدة، الشعر كلغة الأشهر الأولى للطفل، إنه لغة فردية نرجسية لكن منها تظهر اللغة الاجتماعية بقواعدها، التي يجب أن يثور عليها الشعر، لكي يوسعها كسماء.

    والشعر كالبصمة فلا بصمة تشبه أخرى وحين يقع في التقليد يسف، لا قاعدة للشعر إلا ذاته وهذه القاعدة من خاصيتها الثورة عليها من الشعر ذاته، كما الأنهار تقتل ضفافها في كل ربيع على الشعر أن يقتل ذاته بعد كل بيت بعد كل تفعيلة بعد كل كلمة، ليصبح البيت والتفعيلة والكلمة من الشعر، وبغير ذلك يكون نظماً لو ظهر منثوراً».

  • ثمة أصوات تدعو بعودة الشعر العمودي وأفول نجم الشعر الحديث بأشكاله المختلفة، ربما كانت مسابقة "أمير الشعراء" أكثرها قوة.
  • هل من الممكن في نظركم بعث الآفل وقد أفل، خاصةً وأن لا جديد، من حيث النصوص أو التنظير يؤهل هذه العودة؟

    ** «الآن ثمة أصوات وهي تكثر تدعو للي عنق الزمان إلى الوراء وليس الشعر فقط! هناك نكوصٌ مستشرٍ في الحياة العربية، قال "أدونيس": إننا ننقرض، لقد كان رؤوفاً! الحقيقة أصعب من ذلك، أمة اقرأ لا تقرأ تريد فقط السماع، مهووسة بالعنعنة والشفاهي، بقتل الفاعل وإقامة اسم المفعول والإقامة في الهامش وإحياء قبيلة "غزية" من جديد.

    مسابقة "أمير الشعراء" تخفي ما تخفي ولن تحتاج للتقعيد النظري والتسبيب، فرأس المال وتحالفه مع القوى الرجعية الفيزيقية والميتافيزيقية يوجدان لها أسباب الشيوع، لكن دعنا من ذلك الشعر، الحق لا يحتاج لعودة الماضي ولا لمسابقة بل يحتاج لقول: قل كلمتك وامض».

  • "تماماً قبلة" حققت حضوراً كبيراً كمجموعة قصصية وكتب عنها داخلياً وخارجياً، فما تقول عنها أنت؟
  • ** «الآن وبعد مضي مدة كافية لأتخلص من سلطانها، لربما أكون قادراً على الكلام عنها؛ في "تماماً قبلة" كتبت ما أشتهي أن أقرأه في القصة القصيرة، في معظم قصصها تجريب أردته أن يأخذ القصة لمناطق قصٍّ جديدة، ففي قصة "اللوحة" هناك نوع من قصقصة الرواية أي تحويل هذا النهر السردي في الرواية إلى عنفة لتوليد كهرباء التكثيف، بحيث تصبح الجملة المكتوبة تقابل صفحة كاملة في الرواية، اضطرني هذا الأسلوب لاستخدام خلطة الشعر السحرية والكتابة على عدة مستويات بجعل الحدث القصصي كدال ثم أعمل على تخصيبه بمئات الدلالات، لذلك استخدمت الكلمات والجمل والصور القادر على تحميلها الكثير.

    في القصة الثانية "المسافر" اشتغلت على اللاشعور واندفاعاته التي لا تحسب للمنطق الشعوري أيّ حساب، وهكذا في كلّ قصة كنت أثبتها عندما أعود لقراءتها وأشعر أنها جديدة علي وكأني لست كاتبها، بحيث أصبح للقصة حياتها الخاصة واستقلالها الذي أريده لها، ولكن بعد الذي قلته لو عاد الزمن من جديد لكنت كتبتها بطريقة أخرى تحقق ما أطمح إليه».

  • تتواجد كتاباتك بشكل جيد في الصحافة المحلية، ولكن بشكل كبير على المواقع الإلكترونية، برأيك ما هو الفارق؟
  • ** يقال لكلّ مقام مقال والصحافة الورقية لها قياساتها التي عليك التقيد بها، في حين شبكة الإنترنت قياسها أن لا يكون لها قياس، وهذا ما يجعلك تضخ بها كل نتاجك فهي قد رمت العصا، في حين الصحافة الورقية تمسك العصا من المنتصف، لكلّ منهما إيجابياته وسلبياته لكن في النهاية لا فرق والفرق الوحيد المطلوب، هل ما تكتبه جيد ليبقى أو أنه من الزائل، التواجد بالنسبة لي يعني التواجد بالجيد، وهذا ما أسعى إليه سواء بالصحافة الورقية أو الإنترنت».

  • "باسم سليمان" من جيل الأدباء الشباب إن صحّ التعبير، ما هي الصعوبات التي يواجهها وكيف يعمل على تجاوزها؟.
  • ** «الصعوبات تكمن في حقيقة أننا شعوب غير قارئة، وبالتالي تحتاج لوقت طويل حتى تنال تجربتك حقها في القراءة، زد على ذلك أن المنابر الثقافية تعمل على تكريس المكرّس والعلاقات التي تحكم الوسط الثقافي تضلل فتطبل لهذا وتغض النظر عن ذاك، وتحتاج حقيقة إلى سبعة أرواح لتدخل هذا العالم وتجعل القائمين على تلك المنابر التنبه لتجربتك، ولكن الإنترنت خففت من حدة هذا الأمر، كما أنّ الإنترنت ليست شعبية كما نتصور فالكثير يدخلونها من أجل أشياء لا تخص الثقافة.

    بالنسبة لي تجربتي القصيرة العمر أخذت حقها خاصة على الإنترنت، ومن خلال المواقع الإلكترونية استطعت التعريف بتجربتي التي نالت قراءة واسعة في الوطن العربي، بحيث اختيرت مجموعتي الشعرية "تشكيل أول" ممثلة للشعر الشبابي السوري في موقع "الكلمة" المهم على خريطة الأدب الالكتروني الذي يديره الناقد الكبير "صبري حافظ"، كذلك مجموعتي القصصية "تماماً قبلة" أخذت حقها كفاية بالقراءة وعرفت بي كقاص على صعيد الوطن العربي وطبعاً "سورية"، وأنا أكتب بأهم المواقع الالكترونية الأدبية وهذا ما سهل علي دخول عالم الصحافة الورقية بسرعة وإثبات اسمي فيها».

  • حضرت الأنثى بكتاباتك بشدة وإهداء مجموعتك الشعرية "تشكيل أول" كان لفتاة الدراق، فهل الأنثى هي ملهمتك كما اعتيد القول؟.
  • ** «الملهمة اسم آخر لشياطين عبقر ومسافة بين العاشق والمعشوق ندعوها التشوق والتشوق افتقار نملؤه بالكتابة، القصة أبعد من ذلك؛ فأنثى الشكل إن لم توقظ فيّ أنثى المضمون وأنا الذكر الشكل إن لم أوقظ فيها الذكر المضمون، فالعلاقة سطحية، العلاقة الصحيحة بين العاشق والعاشق وليس كما اعتدنا أن نقول؛ عاشق ومعشوق، فهذه القاعدة ناقصة فكل عاشق هو معشوق وكل معشوق هو عاشق والكتابة مدار الشوق بينهما، وعليه إن لم يعشق الذكر الجانب الأنثوي الذي فيه لن يعرف الأنثى الخارجة عنه؛ لذلك كان الإهداء للجانب الأنثوي الذي فيّ والذي هو انعكاس طبق الأصل عن الحبيبة التي أيقظته فيّ لذلك كان الإهداء لها ولي، فملهمتي أنثاي التي في داخلي في محاولتها للتطابق مع الحبيبة التي أحب».

  • "باسم سليمان" كيف يقدم نفسه للقارئ؟.
  • ** «لربما هذا أصعب سؤال سألته لكن.... أكره التعاريف رغم ضرورتها لذلك أقول: "تماما قبلة" مسيرة الهلال إلى الهلال وعلى القارئ أن يعرفني كما يشاء سلباً أو إيجاباً، فحقٌ لي القول وحق له التقول وهذه جمالية الكتابة لا تبخس أحداً حقه.

    جئت للأدب بصدفة ذكرتها سابقاً والغريب أنّي لم أكن مهتماً به أبداً وهذا ما حدث، أعتبر بدايتي تعود لعام 2004 ومن ثم أخذت القصة تتوسع، بدأت بالشعر وأصدرت "تشكيل أول" عام 2007 ومن ثم القصة بمجموعتي "تماماً قبلة" لعام 2009، والنقد بما أكتبه بالصحافة الورقية وحالياً أعتقد أن غواية الرواية تنال مني، لكن أربع سنوات عمر قصير جداً للقول أنه عمر أدبي.

    من مواليد 1971 قرية "متبت" ناحية "سبة خريج"، إجازة في الحقوق وموظف في "وزارة المالية" مديرية "صافيتا"».