يحمل الحلاق "أحمد ديب" حقيبته منذ ستين عاماً، متجولاً بين الناس بحثاً عمن يريد حلاقة شعره من زبائنه المستمرين معه منذ بدايات تعلّمه المهنة، فتجد في هذه الحقيبة إضافة إلى أدواته المعتادة، البصل والزيت والخبز والكرسي.

أحب "أحمد ديب" مهنة الحلاقة بعد أن أدرك فشله دراسياً، فتعلّم الحرفة بمساعدة والده عند الحلاق "مصطفى خديجة"، وبعدها أصبحت الطبيعة والساحات صالونه الخاص، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 تشرين الثاني 2017: «حين يحب المرء عملاً يتقنه، وأنا أحببت مهنة الحلاقة على بساطتها، وبأدواتها البدائية كالمقص والمشط والفرشاة، لذلك تعلمتها بسرعة، وانطلقت للعمل في الساحات والأحياء وتحت الأشجار، ومنذ الستينات وأنا خارج الجدران؛ أي من دون محل، وبالمتابعة والاستمرارية أصبحت فرصة عمل إضافية بالنسبة لي، لكوني كنت موظفاً وتقاعدت منذ مدة وفق السن القانوني.

هذا التنظيم بالعمل والأماكن التي أكون فيها أخرجني من جدران المحال إلى أحضان الطبيعة وظل الأشجار والساحات

المهنة جيدة تمنحني دخلاً يقيني الحاجة؛ لذلك اهتممت بها كثيراً ومنحتها من حياتي الكثير، ولم أتعب منها على الرغم من تجوالي الدائم خلف زبائني المستمرين معي منذ عدة عقود، ومنهم من ورثت حلاقة رؤوس أبنائهم بعد حلاقة رؤوسهم، ومن يبحث عني أحياناً يدرك أماكن وجودي، أو يترك لي خبراً للذهاب إليه حيث يكون».

حقيبة العدة

ويتابع: «هذا التنظيم بالعمل والأماكن التي أكون فيها أخرجني من جدران المحال إلى أحضان الطبيعة وظل الأشجار والساحات».

لم يحدّث الحلاق "أحمد" أدواته، وهذا كان إيجابياً بالنسبة له من عدة نواحٍ، حيث قال عنها: «الحلاقة لدي تتم بالأدوات الأساسية البسيطة التي لا تحتاج إلى الكهرباء، كالتي تتوفر حالياً لدى الحلاقين، كمصفف الشعر وتنشيفه، ومكنات تخفيف الشعر وغيرها، لذلك لم أتأثر بحالات انقطاع التيار الكهربائي، كما أن استمراري بالحلاقة بهذه الأدوات البسيطة حافظ على زبائني، وجلب لي زبائن جدد لا يرغبون بأدوات الحلاقة الحديثة».

الحلاق أحمد ديب

وفيما يخص الأجور التي يتقاضاها ثمناً لقص الشعر، أضاف: «الأجور التي أتقاضاها بسيطة ورمزية أحياناً، ولم تتغير منذ البداية وحتى الآن، وعلى راحة الزبائن، فبعضهم يعطيني خمسين ليرة سورية، وبعضهم أقل، وكلٌّ بحسب حالته وتوفر المال معه، وأنا مقتنع بها وأجدها مناسبة جداً، وتخفف الأعباء على الزبائن، وهذا متناسب مع أدواتي البسيطة وحقيبتي التي ترافقني منذ البدايات، والتي تحوي أدواتي البسيطة وكرسي الحلاقة الصغير، ومكنسة لتنظيف المكان قبل مغادرته، وبعض الطعام من الزيت والبصل والخبز».

ويضيف الحلاق "أحمد" عن تفاصيل المهنة سابقاً: «الحلاق "مصطفى" الذي علمني المهنة، كان يعمل طبيباً عربياً، فيخلع الأضراس ويعالجها من دون الرجوع إلى الطبيب؛ وهذا ما لم أتعلمه منه مع مهنة الحلاقة، لكونها مسؤولية لست قادراً عليها، وتحمل تداعيات صحية قد تكون كبيرة».

أثناء العمل

المعمّر "سمير أرنائووط" أحد زبائن الحلاق "أحمد"، قال: «أنا زبونه منذ ثلاثين عاماً تقريباً، وهذا لأنني مرتاح بالتعامل معه، وخاصة فيما يخص الأجور، إضافة إلى أنه متمكن من عمله ويعجبني، فلا يستخدم الأدوات الحديثة، بل يعمل بالمقص والمشط فقط، فيما يخص حلاقة الشعر، وهذا يريحني نفسياً؛ لذلك أستمر بالتعامل معه».

المعمّر "أحمد عبد الفتاح" زبون منذ عدة عقود، قال: «يعجبني أنه لا يستخدم الأدوات الكهربائية التي تسبب الضجيج، بل يعتمد المشط والمقص فقط، وقد اعتاد شعري الأداتين، وكذلك أبنائي.

ومن أهم ميزات الحلاق الأمانة والسمعة الطيبة، وهي سمات موجودة لديه، وإلا لما كنت سلمته رأسي يتصرف به نصف ساعة، إضافة إلى الأحاديث الجميلة المسلية، فمن خلاله أدرك العديد من الأحاديث التي لا يمكن أن أدركها إلا عبر التلفاز الذي لا أحبه».

يشار إلى أن الحلاق "أحمد ديب" من مواليد مدينة "بانياس" عام 1950، متزوج ولديه عشرة أبناء.