درس الشيخ "علي محمود" الابتدائية مع أطفاله بسنّ الثامنة والعشرين، بالتزامن مع تجارته بالتبغ والنحاسيات، فكان الثالث على مستوى "سورية" في شهادة "السرتفيكا"، وعمل بالطب العربي، فتميّز بإنسانيته.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 14 أيلول 2016، قرية "العليقة" في ريف ناحية "العنازة"، والتقت المدرّس المتقاعد "علي عبد الحليم حسن" ليحدثنا عن تميّز شيخ قريته "علي محمود" كرجل مجتمعي، ويقول: «عُرف الشيخ "علي" بكفاحه ونضاله الاجتماعي لتأمين رزقه ومعيشة أسرته الكبيرة، التي كان عدد أفرادها خمسة وعشرين شخصاً بقي منهم على قيد الحياة حتى الآن ثلاثة عشر شخصاً، وتجلى نضاله في عمله وتعلمه وتفوقه بما قام به من عمل وتعلم، فعلى صعيد العمل أذكر أنه كان يجول كامل أنحاء المنطقة وصولاً إلى أطراف مدينة "بانياس" بهدف بيع التبغ الذي يزرعه في أرضه وبكميات كبيرة تحتاج إلى جهد كبير للتسويق، وجميع هذه الأعمال التجارية كان يقوم بها وحده؛ فيحمل الكميات على ظهره ويجول بها سيراً على الأقدام؛ وهذا جعل منه بالنسبة لنا كأبناء قريته "العليقة" قدوة ومثلاً يحتذى به».

معروف بمهارته في هذا العمل، فمن تكسر يده يأتي فوراً إليه مع بيضة بلدية لتجبير الكسر من دون أي مقابل، كما تميز بخطه الجميل بحبر "العفص" الذي يصنعه يدوياً من ثمار البلوط، وكان مقصد الجميع في القرية للخط والكتابة

المدرّس "علي حسون" من أبناء القرية، يقول: «ما يميّز هذا الشيخ الطيب أنه طلب العلم وناله في أصعب الظروف، علماً أنه كان في ظروف حياتية لا تسمح له بالتفكير في التحصيل العلمي، فتجاوزها محبة بالعلم والمعرفة، حيث دخل المدرسة في سنّ متأخرة جداً، وتابع فيها مع أبنائه، وأذكر أنه كان في الصف الخامس وأبناؤه معاً، والجميع يعلمون أنه لم يقصر من ناحية أسرته على حساب تعلمه أو العكس، فقد وازن بينهما بطريقة كانت تذهل المدرّسين، فكان في الثامنة والعشرين من عمره ملتزماً بأعماله الحقلية والمنزلية، ومتفوقاً على زملائه في التعليم الأساسي».

المدرّس علي عبد الحليم حسن

أما ربة المنزل "عائدة منصور"، فتحدثت عن جانب مهمّ في حياة الشيخ "علي"، وتقول: «لقد اهتم بالتدوين الشعبي وفق مفكرات زراعية سنوية، دوّن فيها تفاصيل حياته وحياة قريته، حتى إنها أصبحت مرجعاً وإرثاً لأبناء القرية للتعرف إلى تفاصيل لا يذكرها أحد لولاه، فأنا مثلاً أدركت تفاصيل ميلاد زوجي من خلال اطلاعي على إحدى تلك المفكرات التي يحتفظ بها».

المعمرة "خونده أحمد"، عنه تقول: «هو شيخ معروف على مستوى المنطقة وأريافها باستخدامه الطب العربي البديل للاستشفاء من الأمراض والكسور، كـ"الحزارة والريقان" وآلام المفاصل، كما أن تعامله إنساني ومرح مع الجميع؛ لأنه يدرك أهمية عمله الإنساني في مجتمعه القروي، ولا أظن أن أحداً شكا من مرض أو كسر بعد خضوعه للاستشفاء لدى الشيخ "علي"».

بعض المفكرات الزراعية المحفوظة لدى الشيخ علي

"هيثم حسون" من شباب القرية "جبّر" يده عند الشيخ "علي"، وعنه يقول: «معروف بمهارته في هذا العمل، فمن تكسر يده يأتي فوراً إليه مع بيضة بلدية لتجبير الكسر من دون أي مقابل، كما تميز بخطه الجميل بحبر "العفص" الذي يصنعه يدوياً من ثمار البلوط، وكان مقصد الجميع في القرية للخط والكتابة».

وفي لقاء مع الشيخ "علي حسن محمود"، يقول: «تعلمت الطب العربي من كتاب الطب العربي البديل لأمير المؤمنين "علي بن أبي طالب"، واستخدمت وطبّقت كل ما تعلمته، انطلاقاً من صناعة وتركيب العلاجات بالنباتات الطبية البرية، وصولاً إلى تجبير الكسور وشفاء بعض الأمراض كسرطان البروستات، الذي عانيته طويلاً حتى تمكّنت من تركيب الدواء من الريحان والشمرا والغار و"البويله"، والشفاء بفضله بعد الله، وهذا بعلم الطبيب المشرف عليّ الذي أكد بتقاريره الشفاء التام».

الشيخ علي محمود

ويتابع: «كنت أسير على قدمي مسافات طويلة جداً بين جميع القرى المحيطة بنا لأبيع التبغ وما أنتجه في حقلي، إضافة إلى بيع وشراء النحاسيات التراثية، وبعد أن رزقت بالأطفال قررت التسجيل بالمدرسة والحصول على شهادة التعليم الأساسي، وكان هذا عام 1952، وبعد اختبار لي قُبلت بالمدرسة، فكنت أذهب لأتعلم وأنا أحمل ما يسمى "نقص الدخان العربي" على ظهري ونسخة كتب صف الخامس تحت إبطي مع الزوادة في الجيب، وأذكر أنني حصلت على المرتبة الثالثة على مستوى القطر في صفي، وطلب مني التجهز للسفر ومتابعة الدراسة في عدة دول غربية وعربية وعلى حساب الدولة، ولكني لم أستطع ترك عائلتي تبحث عن معيل لها؛ فليس لدينا مورد مال سوى العمل اليومي».

لم يتأخر الشيخ "علي" عن خدمة مجتمعه بعد تعلمه؛ فبدأ نشر التعليم في القرية والقرى المحيطة بها، ويقول: «وجدت أن من واجبي بعد تعلمي تدريس الأطفال المنقطعين عن المدرسة بسبب الفقر والمسافات البعيدة التي تفصلهم عنها، فبدأت أدرّسهم القراءة والكتابة وفق القرآن الكريم، وأصبحت خطيب القرية، ولكنني لم أترك العمل المنتج، وتابعت زراعة أرضي وتوسعت بها وبتّ أزرع نحو اثني عشر دونماً بالتفاح، وأبيع منها نحو 400 صندوق للدولة، كما عملت بتربية النحل وتجارة النحاسيات».

يذكر أن الشيخ "علي محمود" من مواليد عام 1924، في قرية "العليقة".