عقود عدة عمل بها الصياد "مصطفى" في صيد الإسفنج، بعدما تفرد بالغطس البحري لساعات تفوق أقرانه، فهي مهنته وموروثه من أجداده، نثر منتجاتها في مختلف متاحف ودول العالم، حتى أصبح آخر وارثيها.

صياد الإسفنج "مصطفى عبد الرحمن فحل" ابن جزيرة "أرواد" تحدث لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 أيار 2015، عن حرفته التي تميز بها ومارسها لسنوات طويلة، فقال: «في بداياتي عملت بصيد السمك بواسطة الشرك في البداية، وهي من أصعب أنواع الصيد، وتعتمد على المهارة المكتسبة من العمل المتواصل، وكان ذلك في سنوات مبكرة من حياتي، حتى تمام السابعة عشرة من عمري، فوجدت في نفسي القدرة على الغطس البحري الحر على النفس الطبيعي، وعملت به سنوات متعددة، وتميزت هذه المرحلة بنوعية الأسماك التي اختصيت باصطيادها، وهي أسماك "السلطان إبراهيم" التي تعيش في الأعماق، والتي تحتاج إلى مهارة عالية لاصطيادها.

ورثت حرفة صيد الإسفنج والغطس البحري من أجدادي الذين عملوا بها كحرفة متوارثة لعقود طويلة حتى وصلت إلي، فحافظت عليها ومارستها كآخر الصيادين في العائلة وفي الجزيرة

وخلال هذه المرحلة تطورت مهاراتي وقدراتي بالغطس البحري، فتحولت إلى الغطس المعتمد على ضاغطات الهواء الصناعي، وقد عرف هذا النوع من الغطس بصعوبته ونهاياته السيئة للغاطس، فمن الممكن أن يفقد الصياد حياته وبكل سهولة في لحظة خطأ بسيط، أو حتى من دون خطأ، وذلك بسبب الأوكسجين الصناعي والضغوط العالية التي يتعرض لها في أعماق البحار، والتي قد تصل إلى ما يزيد على 150 متراً، وهنا اختصيت بصيد الإسفنج الذي اكتسبت مهاراته من شيوخ كار الصيادين في أسرتي، كما يقال في الأعراف الشعبية.

الصياد مصطفى دحة

وعلى الرغم من كل المخاطر التي تحيط بهذه الحرفة عملت بها، حتى إنني تعرضت في إحدى رحلات الصيد إلى ضغوط عالية تسببت باعتلال أعصابي، ومنعتني من السير منفرداً، لكن هذا لم يمنعني من متابعة مهنة الغطس وصيد الإسفنج الذي أصبح جزءاً من حياتي كبقية أفراد عائلتي، وذلك لمدة طويلة».

تعلق الصياد "مصطفى" بالغطس البحري لم يكن عبثياً، بل كان حرفة مكتسبة متوارثة، وهنا قال: «ورثت حرفة صيد الإسفنج والغطس البحري من أجدادي الذين عملوا بها كحرفة متوارثة لعقود طويلة حتى وصلت إلي، فحافظت عليها ومارستها كآخر الصيادين في العائلة وفي الجزيرة».

الإسفنج البحري

ويتابع: «متابعتي لها كانت حتى اضمحلال هذه الثروة البحرية الفريدة من نوعها والمتميزة على مستوى البلدان المطلة على البحر المتوسط، وذلك نتيجة استخدام بعض المتنفذين للديناميت المدمر للثروة البحرية في عمليات الصيد، وأقول متميزة لأنني أذكر في سبعينيات القرن الماضي أن تجار الإسفنج ومن مختلف البلدان العربية والأجنبية، كانوا يفضلون منتجنا من الصيد عن مختلف منتجات الصيادين الآخرين في البلدان المجاورة، فترى هؤلاء التجار يتسابقون في مواسم صيد الإسفنج لحجز الكميات المطلوبة وبالأسعار التي نحددها، علماً أنني وحتى هذه اللحظة لا أعلم ماذا كانوا يفعلون بالإسفنج».

وفي لقاء مع الصياد "مصطفى دحة" أكد أن الصياد "مصطفى فحل" تميز خلال شبابه بنوعية الصيد الذي كان يحضره من أعماق البحار، ومنها أسماك "السلطان إبراهيم" والإسفنج، ويضيف: «كنا ننتظر عودته من كل رحلة صيد لنرى غلته البحرية والجديد الذي تمكن منه على مستوى الإسفنج، حيث كنا نرى أنواعاً وأشكالاً فريدة ومتميزة لا نراها في رحلاتنا العادية، فندرك نتيجة لذلك الأعماق البحرية التي وصل إليها، واللافت بهذه الأنواع الإسفنج "الكاس الأبيض، والقبو"، اللذان يعدّان من أفضل وأغلى الأنواع، وبحكم تجوالي البحري في مختلف البلدان الغربية رأيت الإسفنج السوري المصطاد بأيدي وخبرات الأرواديين -ومنهم الصياد "مصطفى"- يزين المحال التجارية والمتاحف البحرية العالمية».

أما الصيد "إبراهيم عثمان" فقال: «كان الصياد "مصطفى" يقضي نحو سبع ساعات تحت الماء، وهذا ما لم يتمكن منه صياد آخر، إضافة إلى خبرته بالطبيعة البحرية وتضاريسها نتيجة وصوله إلى أعماق كبيرة تصل إلى ما يزيد على 200 متر».

ويتابع: «كان الصياد "مصطفى" بما امتلكه من خبرة مكتسبة "ريّس"، وهي تسمية لا يستطيع أي صياد الحصول عليها، وعلى الرغم من هذا لم يتخلَّ عن متابعة الغطس، علماً أن بعض "الريّسين" لم يمارسوا عملهم الحرفي بعد أن حصلوا على تسمية "الريّس"، وهذه ميزة تضاف إلى أرشيف تميزه».

ويضيف الصياد "إبراهيم": «عرف الصياد "مصطفى" مواعيد ومواسم الإنتاج البحري كما نسميها في عرف الصيادين، ولم يبخل يوماً بمعرفته هذه على كل طالب للمعرفة، فمن خلاله عرفنا أن أشهر آب وأيلول وتشرين الأول، هي مواعيد جيدة لصيد أسماك "السلطان إبراهيم"، حيث لم ندركها سابقاً لأننا لم نصل إلى الأعماق التي وصل إليها، ولم ندرك تفاصيل الطبيعة البحرية كما أدركها هو».