تمكّن الإنسان عبر الكتابة البدائية من تدوين حالته الخاصة، واعتبرها أوعية معلوماته، وجارى التطور مستخدماً الشبكة العنكبوتية مستعيناً بعمليات ترويج إلكترونية، فهل تمكّن من تحسين الصورة الذهنية لمطبوعاته؟

إذاً، الترويج الإلكتروني ليس وليد لحظة، وإنما هو نتاج حالة كما تقول الدكتورة "علا حسن" الاختصاصية بالترويج الإلكتروني الثقافي، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 22 أيلول 2016، مضيفة: «تعدّ الكتابة أهم العناصر التي أدت إلى قيام الحضارة البشرية الحالية؛ إذ مكّنت الإنسان من نقل ما اكتسبه من معرفة إلى الآخرين أينما كانوا كزمان ومكان، حيث استخدم منذ بدء الخليقة أنماطاً متعددة ومختلفة من أوعية المعلومات لتوثيق أنشطته وإنتاجه الفكري الخاص بالحضارة الإنسانية، وتمثلت في الحجارة والطين والعظام والجلود والبردي والورق، وصولاً إلى استخدام المصغرات الفيلمية والأسطوانات والشرائح والأشرطة والأقراص المدمجة والمواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت، معتمداً على عمليات ترويج آخرها الترويج الإلكتروني لكتاباته الثقافية.

نظراً إلى الدور الثقافي الكبير الذي تلعبه المطبوعات وخاصة الإلكترونية؛ نرى ضرورة العمل على دراسة الواقع الراهن لها، بالتركيز على عملية ترويجها وأهمية ذلك في تحسين صورتها الذهنية

فالترويج الإلكتروني يعبّر عن ثقافة عالمية جديدة في التعامل والتواصل بين المنظمات وعملائها، وتسعى إلى الاستخدام الفعال لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات خدمة لذلك؛ فالعالم اليوم يعيش عصر التقانة، ويتّسم بمجموعة من التغيرات المتسارعة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بما يرافقها من تزايد الصراع على الأسواق وإرضاء العملاء؛ وهذا ما يستدعي التأكيد على اعتماد التكنولوجيا في جميع المجالات».

خالد حيدر مدير المركز الثقافي العربي في بانياس

وتتابع: «يمكن القول إن هذا الترويج الإلكتروني هو أحد المفاهيم الأساسية المعاصرة التي اعتمدتها المنظمات المختلفة في عملها من خلال التكنولوجيا الحديثة في تنفيذ العمليات والأنشطة المختلفة، والقطاع الثقافي من أبرز القطاعات التي تتأثر بثورة المعلوماتية والاتصالات، التي تعدّ عاملاً مساعداً لتنمية العمل الثقافي، لما توفره من فعالية العمل وسرعة في الإنجاز ووفرة في المعلومات عن العملاء والأسواق، والقدرة على تطوير العمل الثقافي بمختلف جوانبه».

وانطلاقاً من ذلك، ولأن المجال الثقافي من المجالات الحيوية في المجتمع، التي تساهم في بنائه وتقدّمه، يجب العمل على تطويره وتحديثه بما يمكن من تفعيل دوره وزيادة قدرته، وتقول: «نظراً إلى الدور الثقافي الكبير الذي تلعبه المطبوعات وخاصة الإلكترونية؛ نرى ضرورة العمل على دراسة الواقع الراهن لها، بالتركيز على عملية ترويجها وأهمية ذلك في تحسين صورتها الذهنية».

الأديبة سميا صالح

فمن الأهمية بمكان أن تلعب ثورة الاتصالات وتقانة المعلومات الدور الإيجابي في تحسين الصورة الذهنية للمطبوعات، وتتجه نحو المطبوعات الإلكترونية، وتقول الدكتورة "علا": «خلال الاطلاع على الواقع الثقافي، نجد الصورة الذهنية المكونة لدى العميل الثقافي حول المطبوعات الثقافية ضعيفة، وغير نقية، وتميل لتكون صورة سلبية، فضلاً عن استخدام القطاع الثقافي بوجه عام الأساليب والطرائق التقليدية في تسويق وترويج المنتج الثقافي، وعدم مواكبته التطور الهائل في تقنيات المعلومات والبرمجيات والاتصالات؛ أي إن الترويج الإلكتروني لدى القطاع الثقافي لم يصل إلى المستوى المطلوب، الذي يساهم في إيصال صورة إيجابية عن المطبوع الثقافي، فنلاحظ غياب الترويج الإلكتروني الحقيقي لتدعيم صورة المطبوع في أذهان العملاء؛ إذ إنه اقتصر خلال المدة السابقة على بعض الأنشطة الإعلانية عبر موقع وزارة الثقافة، إضافة إلى بعض الممارسات الخاطئة لهذا الترويج الإلكتروني؛ وهذا ناتج عن عدم استخدام وسائل وأساليب مناسبة لتطبيق عناصر المزيج الترويجي المختلفة، وعدم معرفة آليات الترويج الإلكتروني وكيفية الانتفاع الأمثل منها، لذلك يجب العمل الجادّ من قبل المعنيين للتحول إلى الترويج الإلكتروني للاستفادة من خصائص ومزايا هذا الأسلوب الحديث، الذي يمكن أن يحلّ الكثير من المشكلات الحالية، سواء فيما يتعلق بإدارة العمل الثقافي، أو المنتج الثقافي عموماً والمطبوع الثقافي خصوصاً، وكسب ولاء العميل من خلال تحسين الصورة الذهنية للمطبوع الثقافي».

إذاً، المطبوعات الإلكترونية في ظل عصر العولمة هي البديل الحقيقي ويجب الاستثمار الأمثل لهذه التقانة في عملية الترويج، وللدكتورة هنا رأيها، تقول: «نتيجة التطورات الهائلة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ازداد إقبال الكتّاب على ما يعرف بالثقافة الإلكترونية، من خلال الاعتماد في عملية النشر على تقنيات العصر من وسائل الاتصال والمعلومات وعالم البرمجيات، والانتقال من عملية النشر التقليدي المعتمدة على الورق كمادة أساسية في الطباعة، إلى عملية النشر الإلكتروني، وبهذا نجد توجه الكُتّاب إلى فضاء المعلوماتية والصفحات الإلكترونية والشرائح الممغنطة، وأقراص الليزر، لحفظ مكتنزاتهم ومجلداتهم على تلك الشرائح وطرحها في الأسواق، أو عبر الأثير من خلال شبكة الإنترنت، لعرض وتقديم الإنتاج الفكري؛ فالمطبوعات الإلكترونية مصدر معلومات مرجعية متاحة على وسيط يتم التعامل معه بواسطة الحواسيب الإلكترونية، وعن طريق شبكات، سواء أكانت محلية أم عالمية، وتضم مصادر المعلومات المرجعية الإلكترونية المتاحة على ملفات بشبكة الإنترنت أو المتاحة على أقراص مدمجة، وقد يكون للمصادر المرجعية الإلكترونية إصدارات مطبوعة، أو تكون قد نشأت في شكل إلكتروني مباشرة».

وخلال لقاء مدير المركز الثقافي العربي في "بانياس" "خالد حيدر"، يقول: «إن تحسين الصورة الذهنية للمطبوعات الثقافية عامة وللقراءة والمطالعة المعرفية خاصة أمر مهمّ جداً في وقتنا الراهن لما له أثر كبير ومدخل أساسي لتحسين الوعي الجمعي في المجتمع، وللترويج المعلوماتي ودخول تقانة الاتصالات وثورة المعلومات في خضم هذا الأمر عاملان أساسيان للنجاح لا يمكن استبعادهما؛ الأول أن النشر الإلكتروني بات حقيقة واقعة، وبات ينتشر ويتسع أكثر فأكثر، إذاً هو أمر واقع لا محال. أما العامل الثاني، فيأتي من أن استخدام المعلوماتية يوفر علينا الكثير من الوقت في البحث عن الكتاب والعنوان والمعرفة بوجه عام، خاصة مع وجود المحفوظات الإلكترونية، وعلى سبيل المثال لدينا في المركز الثقافي نحو 18500 كتاب والبحث فيها يدوي وتقليدي وليس بالأمر السهل والسريع؛ لذا علينا تسخير التقانة لتبسيط هذا الأمر الواقعي والمفروض؛ لأنه لم يعد مجرد وجهة نظر وإنما هو أمر ملحّ جداً؛ لأن البحث والتقصي عن الكتاب والعنوان إلكترونياً مهمّ جداً لتحسين تلك الصورة الذهنية للمطبوعات الثقافية عامة».

أما الأديبة "سميا صالح"، فأكدت أن تحسين الصورة الذهنية للمطبوعات الثقافية يتطلب منّا بدايةً الاعتراف بأن صورتها متردية، أو أنها مشوبة وليست على ما يرام، والمطلوب تحسينها أو "روتشتها" على الأقل، وهذا أقل الإيمان، وحتى لا يبقى الجواب ذهنياً علينا الاعتراف أيضاً أن مشكلتنا في بعض تجلياتها ثقافية ذهنية كذلك، وتضيف: «أظنّ أنّ أيّ مساهمة في تحسين صورة تلك المطبوعات لها بالغ الأثر وإن كان على مستوى الشكل بدايةً، يليه المضمون لاحقاً، وهنا تحضر وسائل التواصل الاجتماعي كأحد أهم عناصر التحسين التواصلي بين المطبوعة وقرائها، وكذلك النسخ الإلكترونية للمجلات والمطبوعات الأدبية المتوافرة أيضاً على الشبكة العنكبوتية، التي تتيح لمن يريد الحصول عليها متابعتها، وهذا بمجمله يعني أن للمعلوماتية دوراً مهماً وبارزاً، وهو الأكبر في عملية الترويج للمطبوعات الثقافية إلكترونياً».