التنوع الطبيعي والجغرافي الذي تمتعت به "طرطوس" ما بين البحر والجبل، جعلها على أعتاب استثمارات سياحية لا تنضب، ولكن هل أدرك القائمون على العملية السياحية أهمية الترويج لها؟

فمن المهم جداً معرفة وإدراك كيف يمكن أن نصنع سياحة بالترويج الجيد لها، خاصة أن السياحة لها شقان أساسيان؛ السياحة الداخلية والخارجية، ويمكن الاعتماد على أحدهما أو كليهما معاً، إن تمكنا من عناصر الترويج المناسبة، وحققناها على أرض الواقع، كما أوضح الباحث التراثي "حسن اسماعيل" انطلاقاً من بناء الفرد والذائقة الجمالية بعينيه ومحيطه، والتركيز على الثقافة التراثية واعتمادها منهجاً، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 نيسان 2015: «هناك الكثير من المقومات السياحية التي يمكن الاعتماد عليها في بناء وصناعة سياحة قوية متينة جاذبة، ففي الكثير من المحافل واللقاءات الجماهيرية في المراكز الثقافية ينجذب الحضور للثقافة التراثية التي نطرحها عبر المواضيع التراثية بمكوناتها المتعددة وحرفها المتنوعة، وهذا يدعوهم للسؤال عن أماكن انتشار هذه المكونات التراثية، أي إننا شجعنا على بناء اهتمام بما طرحناه، وهو ما يمكن القول عنه ترويج سياحي للسياحة الثقافية التراثية، وهي واحدة من مكونات السياحة الداخلية الطبيعية المتعددة، التي يمكن الاعتماد عليها لبناء سياحة ذات مردود اقتصادي جيد، خاصة عندما تكون السياحة الخارجية التقليدية متوقفة لكونها تعتمد على الوافدين من خارج البلاد، أي إنها مرهونة بعوامل متعددة منها الأمن والأمان.

بالنسبة للسياحة الداخلية يمكن القول إننا حققنا شيئاً من عملية الترويج لها، على صعيد ضيوفنا وأهلنا الوافدين من المحافظات الأخرى، فلاحظنا نتائج هذا الترويج عن طريق حركة وتردد هؤلاء الإخوة إلى جزيرة "أرواد" مثلاً

إضافة إلى أن الكثيرين يمارسون سياحة داخلية بقصد أو بغير قصد، عندما تزور المرتفعات الجبلية في أوقات تساقط الثلوج مثلاً، ورؤية جمالية المشهد البصري عبر شاشات التلفزة، حيث يمكن اعتبار ما قامت به هذه الشاشات بقصد أو بغير قصد، ترويجاً سياحياً مهماً وجاذباً».

الباحث التراثي حسن اسماعيل

الصيدلاني "حسان ميهوب" لا يكاد يمر يوم الجمعة من دون أن يقصد موقعاً أو قرية للتنزه مع أسرته، وهنا قال وفي خفايا حديثه ومفرداته أهمية الترويج والصناعة السياحية: «في كثير من الأحيان أعتمد على صفحات التواصل الاجتماعي لمعرفة حالة الطقس وإمكانية التنزه خلاله، وخلال جولتي فيها أتابع حالة المواقع الطبيعية والتراثية والأثرية وجمالياتها عبر الصور التي ينشرها الأصدقاء وغيرهم من مرتادي هذه الصفحات، وبناءً عليه نقرر ونحدد موقع التنزه، وهي بالنسبة لي المقوم الأساسي للزيارة، وهنا لا أعلم إن كان من يضع هذه الصور يقصد الترويج لها أم لا، ولكنها بالنسبة لي ترويج مهم أعتمد عليه وأحاول تبيان الحقيقة من خلال الزيارة، وخلال ذلك أتمنى في نفسي أن تكون هذه المواقع مكتملة الخدمات، أي إن المعنيين والمختصين الرسميين أو الأهليين الشعبيين مدركون لأهميتها ومحققون لعناصر الخدمة فيها، لتكون الزيارة ناجحة».

وفي لقاء مع المهندسة "ميرفت عثمان" عضو المكتب التنفيذي المختص بقطاع السياحة والآثار والثقافة، أوضحت أهمية الترويج السياحي واعتماده للتعريف بالمواقع والأماكن للسياحة الداخلية، خاصة أن السياحة الخارجية مرتبطة بالعموم بحالات الاستقرار والعلاقات السياسية، فقالت: «يعد الترويج بالعموم أمراً مهماً جداً، ويدركه الكثيرون ومنهم أصحاب الشركات الكبيرة المهمة، حيث يقومون بالترويج لمنتج ما بميزانيات عالية، وهذا ليس عبثاً أو من فراغ، وإنما لإدراكهم أهمية الترويج الدعائي والإعلاني بوجه عام.

من البيئة الطرطوسية الطبيعية الجبلية البحرية

ومن هذا المنطلق يجب أن نتعامل مع مواقعنا السياحية والتراثية والأثرية على أنها سلعة يجب أن تحضر وتُصنع سياحياً، وهنا لن أقول إننا وصلنا إلى النتيجة التي نتمناها ونرغب بها، ولكن ما يُعمل على الأرض واقعياً هو بداية معرفة الإمكانيات التي تتمتع بها "طرطوس"، حيث تتفرد هذه المحافظة دوناً عن بقية المحافظات الأخرى بتمتعها بمقومات سياحية متعددة، أي إنها ليست مدينة بحرية فقط أو مدينة جبلية فقط، بل هي في الحقيقة مدينة متعددة الإمكانيات بين الترفيهية والطبيعية والثقافية والعلاجية والدينية، وهنا نقصد بالعلاجية توافر الأماكن التي يمكن أن يقصدها بعض الأشخاص الذين يعانون من أوضاع صحية معينة غير جيدة، بغرض الاستشفاء، ومنها على سبيل المثال "مستشفى القدموس" بموقعها الطبيعي ضمن غابة حراجية طبيعية، وموقعها الجغرافي في منطقة "القدموس" المعروفة بمناخها المناسب لمرضى الربو مثلاً».

وتتابع المهندسة "ميرفت": «نحن عملياً كمؤسسات معنية لامسنا وأدركنا هذه الإمكانيات، التي هي مقومات أساسية للسياحة، ولكن على ما يبدو أن كثرة هذه المقومات أثقلتنا، بإطار أننا نلاحظ أن الإدارة المحلية المعنية بالخدمات التي يجب توفيرها للمواقع السياحية، تهتم بجوانب معينة دون أخرى، وربما لوجود وزارة خاصة تعنى بالسياحة.

المهندسة ميرفت عثمان

فالسياحة الثقافية بما تشمله من آثار وجوانب أخرى تتبع للجانب الثقافي، تشبك مع وزارة الثقافية، وهنا يمكن القول إننا أمام شيء من الضعف بما يخص التشبيك في إطار الوصول إلى آلية واحدة للتسويق والترويج السياحي.

ولكن بذات الوقت هناك بعض الأمور التي تعرقل الترويج السياحي، ومنها عدم جهوزية المواقع ذاتها، إضافة إلى أننا في المدة الأخيرة التي مازلنا في خضمها، وقعنا في مطب التقشف بما هو ليس من الأولويات، بالاعتماد على أن الترويج السياحي يحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لا يمكن تأمينها في الوقت الراهن».

وهذا كان للترويج السياحي بالعموم، أما فيما يخص الترويج للسياحة الداخلية فقالت: «بالنسبة للسياحة الداخلية يمكن القول إننا حققنا شيئاً من عملية الترويج لها، على صعيد ضيوفنا وأهلنا الوافدين من المحافظات الأخرى، فلاحظنا نتائج هذا الترويج عن طريق حركة وتردد هؤلاء الإخوة إلى جزيرة "أرواد" مثلاً».

وعن الإشكاليات التي تشوب الترويج السياحي قالت: «من أهم أساسيات الترويج السياحي تأمين الخدمات، ومنها الطرق الجيدة لتلك الأماكن، والإنارة أيضاً، وهذا من اختصاص الإدارة المحلية، وحين بادرنا طرح تجهيز هاتين المقومتين لأحد المواقع السياحية الخاصة بالسياحة الدينية، جاء الرد بالرفض، لأنه ليس من الأولويات، علماً أننا أكدنا أنه يمكن تمويل المشروع من الموازنة المستقلة للمحافظة.

وهنا يمكن القول إننا كمواطنين عاديين يمكننا ممارسة الترويج السياحي على الصعيد الشخصي، وذلك من خلال العناية بالنظافة العامة للشوارع والحدائق وغيرها بما يحقق جمالية بصرية جاذبة، كما أن التقيد بقرار توحيد واجهات الأبنية الجديدة أو المحدثة والمطلة على الشوارع الرئيسة، هو نوع من الترويج المهم لجذب السائح، مثله مثل النشاطات والمهرجانات الثقافية التي تقام على مستوى البلدات والوحدات الإدارية، وهنا يجب التأكيد أن بعض الوحدات الإدارية مقصرة في هذا الجانب».

أما عن الحلول فتقول: «لم يشفع لنا وجود التنوع الأثري الممتد من العصور الحجرية وحتى الآن، إضافة إلى التنوع الثقافي والطبيعي والبيئي، ومن هذا المنطلق وفي كثيرٍ من الاجتماعات والجلسات الرسمية اقترحت أن تحدث وزارة آثار، تعنى بالترويج، كما أنني بصدد تجهيز مذكرة ستقدم للمختصين السياحيين وسواهم من معنيين بقطاع الترويح السياحي، تتحدث عن ضرورة إقامة رحلات علمية كدرس عملي لطلاب المدارس إلى بعض المواقع السياحية والأثرية والثقافية التي تتحدث عن فترة تاريخية معينة درسوها في مناهجهم، بما يساهم في توضيح الصورة الجميلة وتؤمن ترويجاً سياحياً ينقلونه إلى ذويهم، أي إننا قمنا بصناعة سياحة داخلية يمكن الاعتماد عليها كمورد اقتصادي جيد».