ولد هذا النوع من الإعلام من رحم الحاجة، فالإعلام الشامل أثبت قصوره عن النقل الدقيق والشامل، لكن حداثة التجربة والبحث عن التميز أدخلته في تحدي الثقة والاستمرارية.

تعددت وسائل الإعلام المتخصصة بالمحافظات والمناطق، وبدخول الإنترنت أصبح الأمر أكثر يسراً، وحتى إعلام المحافظات الورقي والمسموع والمتلفز اتجه إلى الإنترنت لإكمال مهمته، لكن في "سورية" غدا الأمر أكثر حاجة للمتابعة بسبب حداثة تجربة الإعلام عبر الإنترنت، وعدم وجود "إعلام محلي" فعال خاص بالمحافظات والمناطق، وفي محاولة لعرض التجربة وبحثها أمام المعنيين بها مباشرة اتجهت الآراء باتجاهات متوازية توازي بدورها حداثة التجربة التي بدأنا حديثنا عنها بلقاء مع الصحفي والمبرمج الأستاذ "علي ونوس" من موقع "طرطوس الآن" الإلكتروني بتاريخ 3 تشرين الثاني 2014، الذي قال: «انطلقنا بتحربتنا في "طرطوس الآن" بسبب عدم وجود وسائل إعلام حقيقية تنقل بفعالية حاجات المواطن في محافظته، فمشكلة المياه في ذلك الحي لا يعنى بها الإعلام الوطني الشامل، من ثم بدأت التجربة من حاجة محافظة "طرطوس" إلى موقع إعلامي سريع يلبي حاجات الناس في المحافظة، ويتواصل بسرعة معهم، وينشر همومهم ومشكلاتهم، ويسعى إلى حلها مع الجهات المعنية، وهو ما يجب أن ينطبق على وسائل الإعلام المحلية في باقي المحافظات».

وخلال ثلاث سنوات من تجربتنا أصبحنا أكثر قرباً من الناس، ولامسنا جميع حاجاتهم، وأصبحت علاقتهم بنا يومية ولحظية من خلال نشر الأخبار والصور لحظة بلحظة، وهذه العلاقة لم تستطع تكوينها أي من وسائل الإعلام التقليدية المحلية من جهة، والوطنية المركزية من جهة أخرى

يضيف متابعاً: «وخلال ثلاث سنوات من تجربتنا أصبحنا أكثر قرباً من الناس، ولامسنا جميع حاجاتهم، وأصبحت علاقتهم بنا يومية ولحظية من خلال نشر الأخبار والصور لحظة بلحظة، وهذه العلاقة لم تستطع تكوينها أي من وسائل الإعلام التقليدية المحلية من جهة، والوطنية المركزية من جهة أخرى».

مع الزميلتين "ندى حرفوش، وغراتم يونس" في برنامجهما شخصيات طرطوسية

لا تتلخص الفكرة بإيجاد ما يسمى إعلاماً محلياً متخصصاً لمجرد الوجود، وهو ما تحدثنا عنه في البداية حين قلنا إن التجربة السورية لا تزال قيد الاختبار، وعن ذلك تقول الإعلامية "فيفيان عباس" العاملة في الإعلام المتخصص في مجلة "عمريت" الخدمية المحلية: «بالتأكيد يمكن لوسائل الإعلام المحلية أن تكون أكثر قدرة على نقل الواقع باعتبارها متخصصة في هذا الواقع تحديداً، وليست كالوسائل الشاملة، التي غالباً ما تفرد المساحات الأكبر لأخبار العاصمة، وبعدها المدن الرئيسة، لكن رغم انغماس وسائل الإعلام المحلية في واقع محافظة محددة تكون المهمة أصعب حين لا تتمكن وسائل الإعلام المذكورة من تغيير واقع المحافظة، أو إحداث حالة لفت نظر لدى المسؤولين تدفعهم لمعالجة المشكلات التي تقوم تلك الوسائل بطرحها، أوعلى الأقل إحداث أثر فعلي باتجاه حلها، وهنا يضعف دور تلك الوسائل أمام جمهورها -لعدم المصداقية- من وجهة نظر القارئ، ويصبح نقل الواقع كما هو اعتيادياً لدى القراء إلى الحد الذي يجعل بعضهم لا يلاحظون أن هذه المجلة أو تلك تقوم بطرح القضايا والمشكلات الخدمية والمعيشية بقوة وجرأة».

نلاحظ هنا مدى أهمية العامل النوعي في تجربة وسائل الإعلام المحلية المتخصصة بالمحافظات، فمستوى المتابعة مختلف، كذلك علاقتها بالجمهور، وما يتوقع الناس الحصول عليه من متابعة هذه الوسائل.

خلال اللقاء مع الصحفي "علي ونوس"

من جهتها تتحدث الإعلامية "غرام يونس" في إذاعة "أمواج" التي تبث في منطقة الساحل السوري فتقول: «إن الإعلام المحلي -في المحافظات- يقل أهمية عن الإعلام الشامل، فهو يأتي رديفاً ومكملاً له، إذ إنه مهما حاول الإعلام الشامل الإلمام بكل المناطق داخل حدود دولته فإنه لا يستطيع، فمثلاً عندما بدأنا العمل أنا وزميلتي "ندى حرفوش" في إذاعة "أمواج" -في تلك الساعة المخصصة لمحافظة طرطوس- كان هدفنا التنقيب عن مواهب وهوايات لأشخاص لم تصطادهم يوماً عدسة كاميرا ولم يطلهم قلم صحفي، مع أنهم أكثر الناس الذين يستحقون عرض ما في جعبتهم وتسليط الضوء على نتاجهم الفكري والأدبي وتجارب حياتهم،...».

في برنامجهما "مهنة وصاحبا" حرصت الإعلاميتان "غرام يونس، وندى حرفوش" على الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع، بما يميز برنامجهما المحلي المتخصص بالمتميزين في محافظة "طرطوس"، وعن هذه التجربة تقول الإعلامية "ندى حرفوش" من إذاعة "أمواج": «يقوم غرضنا الأساسي على التعريف بتفاصيل المهن والأعمال، لأن أي عمل يقوم به الإنسان إذا لم يضف إليه شيئاً فلا قيمة حقيقية، من هنا جاء تميز البرنامج، في الوصول إلى تفاصيل عميقة لأي شخصية نستضيفها، والوصول إلى أناس يصعب الوصول إليهم عادة، كما تميزت الصفة المحلية في برنامجنا في استضافة أناس بسطاء تعلمنا منهم الكثير، واتسم حوارنا معهم بالصبغة المحلية، والعفوية، والبساطة، بما يشبه إلى حد كبير برامج "التوك شو"، ومن بين ضيوفنا "القاضي، الصحفي، المدرس، العطار، وحتى سائق التاكسي،..."،

وبالعودة إلى الصحفية "فيفيان عباس"، فإنها تقول: «برأيي الشخصي أظن أن تجربة وسائل الإعلام الخاصة بمحافظة يجب أن تعمم وتشجع لأنها لسان حال تلك المحافظة في النهاية، ويمكنها تقديم أدق التفاصيل عنها، بعكس الشاملة التي تكتفي بمشكلة ظهرت فجأة، أو موضوع مهم تم طرحه مراراً حتى بات معلماً من معالم المحافظة؛ ما إن تقرأ العنوان حتى تعرف ماذا يتضمن».