تطالعنا في كثيرٍ من المجموعات الأدبية مقدمات لمهتمين ومخضرمين في اختصاصاتهم، كتمهيد أو نقد أو تحليل لتلك المجموعات، ومن القراء من يستمتع بها، ومنهم من يجزم بعدم جدواها.

القاص والناقد "محمد عزوز" من الرافضين للمقدمات الأدبية والنثرية التي يستهل بها الأديب إصداراته الجديدة، لأنها برأيه توجه القارئ، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 تشرين الأول 2014: «الحديث في هذا الأمر يتطلب كتابة بحث كبير مستند إلى الوقت المفتوح والجهد الكبير، وهو ما لست أملكه حالياً، ولكن يمكنني القول بعجالة أنا لست مع هذه المقدمات قولاً واحداً مع احترامي لكل الأدباء الذي يلجؤون إليها أو يكتبونها، لأنها أولاً توجه القارئ وجهة ما أرادها المقدم، وثانياً تخوض في تفاصيل المجموعة قبل أن يقرأها القارئ، والأهم من ذلك كله أن المقدِم يستعرض فيها عضلاته أكثر مما يهتم بالمجموعة، وأنا هنا لا أعمم لكن أكثرهم يفعل ذلك.

طالما قرر الكاتب أو وافق على أن يكتب المقدمة، فهذا يدل على أنه يجد الكتاب جديراً بالقراءة، ويمكن للخبير أن يضيء على زوايا تغفل عنها العين غير الخبيرة، وتعود للقارئ المسؤولية هنا بإدراك أهمية تكوين رأيه الخاص، وأهمية أخذ المعلومات من أكثر من مصدر حتى لا يقع في فخ التوجيه أو تبني وجهة نظر دون إدراك زواياها المختلفة

إضافة إلى أن هناك من يستفيد من رأي سريع لكاتب كبير فيثبته وعلى على شكل كلمات فقط ليسوق لكتابه، وهنا أقول كنهاية لما سبق "صديقي الأديب دع عملك يقدم نفسه، دع القارئ يحكم على عملك دون أي تأثير، هي وصية ستذكرني بها ولو بعد حين"».

القاص محمد عزوز

أما الشاعرة "لما حسن" فقالت: «يعتبر الكثيرون من القراء أن قراءة كتاب جديد مغامرة، في هذه الحالة تضفي المقدمة إضاءة على أرض مجهولة تغري بالخوض في غمارها أكثر، تعرف القارئ أكثر بالكاتب وبطرحه وتقدم رؤية عين أدبية للعمل؛ ما يحفز القارئ ليخلق رؤيته الخاصة، تزداد أهمية المقدمة مع الكتب الفلسفية والمترجَمة وفي الأشكال الأدبية الجديدة، لتعرف القارئ بموقع هذا العمل في المشهد الأدبي والثقافي عموماً، وبالمصطلحات المستخدمة، والجديد الذي يقدمه العمل، بالمقابل على كاتب المقدمة أن يرتقي إلى مستوى هذه المسؤولية، وأن يدرك الخط الرفيع بين التركيز على الكتاب وتقديمه بأبهى حلة، وبين الانغماس في تقديم نفسه ككاتب، وأن يجتهد في بحثه لتقديم مادة غنية ممتعة تلهم القارئ ليبحث عن المزيد».

وتضيف الشاعرة "لما": «طالما قرر الكاتب أو وافق على أن يكتب المقدمة، فهذا يدل على أنه يجد الكتاب جديراً بالقراءة، ويمكن للخبير أن يضيء على زوايا تغفل عنها العين غير الخبيرة، وتعود للقارئ المسؤولية هنا بإدراك أهمية تكوين رأيه الخاص، وأهمية أخذ المعلومات من أكثر من مصدر حتى لا يقع في فخ التوجيه أو تبني وجهة نظر دون إدراك زواياها المختلفة».

الشاعرة لما حسن

في حين أن الشاعر "منذر يحيى عيسى" أكد أن الشاعر الذي يبدأ إصداره الشعري بمقدمة لناقد أو شاعر آخر سببه القلق أو الخوف من مواجهة المتلقي وحيداً، ويتابع: «بتجربتي الشخصية أقول من أصل خمس مجموعات شعرية بدأت في ثلاث منها بمقدمة لشعراء أعتز بما كتبوه، وهم على التوالي مع حفظ الألقاب: "عبد القادر حصني"، والدكتور "وليد مشوح"، و"حسين حموي"، وهنا يجب التأكيد على أن تقديم الشعر في غاية الصعوبة والحساسية، لذلك فاللجوء إلى المسالك الإشارية من القول يمكن أن يكون مخرجاً، وألا يطغى التنظير والفكر على لطافة الشعر.

كما يجب ألا تصادر آراء القارئ في المقدمة، يجب ألا يقدح الكاتب أو يمدح، فالأهم من كل ذلك أن تلقي مفتاحاً من خلال السطور يلتقطه القارئ، فيلج به عالم الشاعر في رحلة قد تفضي به إلى قلب العمل الشعري، أو قلب بؤرة توتره المركزية التي انبثق ينبوعه منها، وفي الختام أقول إني من أنصار المقدمة في العمل الشعري، وهي نوع من مشاركة الآخرين في آرائهم وعقولهم، وهي نوع من الغيرية والثقة بالنفس ومحبة الآخرين».

الشاعرة نعمى سليمان

الشاعرة "نعمى سليمان" قالت: «سأبدأ حديثي بذكر تجارب موجودة في روائع الأعمال الشعرية في الأدب العربي، وسأبدأ بديوان "بدوي الجبل" فقد كتبت المقدمة التي من الممكن أن تكون كتاباً بقلم "أكرم زعيتر" خطيب "فلسطين" وقلمها؛ فكانت المقدمة غنية وفيها الإمتاع للقارئ، تفرد عوالم "بدوي الجبل" ومراحل نضاله السياسي والشعري والفكري لتجد أمامك دراسة كاملة عن البدوي.

والحالة الثانية للشاعر الكبير "الأخطل الصغير" فقد كتبت المقدمة بقلم الفذّ "سعيد عقل" ويكفي الاسم لتقع صريع الهوى في القراءة.

والحالة الثالثة للشاعر القروي "رشيد سليم الخوري"؛ ففي ديوانه وفي طبعاته الثلاث كانت المقدمة بخط يده، الشاعر كتب مقدمةً كالسيرة الذاتية.

إذاً من هنا نستطيع أنْ نقول إنّ المقدمات الأدبية مهمة في بعض الأعمال الأدبية، وتعطي رؤيةً وانطباعاً عن الكتاب، ليس علينا تبني فكرة كاتب المقدمة، لكنها تساعدنا في سبر أغوار فكر الكاتب، وتساعدنا على تحليل كلماتهِ في كثيرٍ من الأحيان، وخاصةً أن المتلقي القارئ يحتاج إلى من يسهل عليه الفهم.

إذاً، تقديم العمل الأدبي وأي عمل مكتوب حالة شائعة في معظم الثقافات، ولا داعي لأن تكون مادة نقدية عند بعضهم، فمن لا يستسيغها عليه تركها والابتداء بسبر أغوار العمل الذي يكون في اليد».