مع بداية فصل الخريف يتوقف النمو في عرائش العنب، فلا بد من عناية خاصة بها لاستدامتها وتعزيز قدرتها الإنتاجية، فترى المزارعين منتشرين بين عرائشهم يمنحونها سر الحياة الجديدة بالتقليم، ضمن عادات طقسية يتم توارث تفاصيلها جيلاً بعد جيل.

فتقليم عرائش العنب برأي المزارع "سليم رضوان" حالة فنية معرفية يجب أن يدركها المزارع لنجاح عملية التقليم وحصاد النتائج في الموسم الإنتاجي القادم، ويقول لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 3 تشرين الأول 2015: «عملية تقليم عرائش العنب مهمة جداً لها، لأنها في موسم النمو والإنتاج أي مع بداية فصل الربيع وحتى نهاية فصل الصيف تنمو وتتمدد كشابة في مقتبل العمر، وتتزين بأغصانها الجديدة وتظهر قوتها من خلال فروعها التي قد تصل إلى أكثر من مترين بعد كل عملية تقليم ناجحة، حيث تظهر الفروع الجديدة متزينة بالأوراق الخضراء الفتية بعد أن فارقتها الفروع المعتقة وتخلصت من وظيفتها النمائية لها؛ وهو ما يتيح للفروع "الأمّ" القوية مد الغذاء والفوائد لمواليدها الجدد.

تبدأ عملية التقليم من بداية شهر كانون الثاني تقريباً، وتستمر حتى نهايته تقريباً، حيث تكون الحياة متوقفة في النبات؛ أي عملية نقل الأغذية ضمن الأنسجة متوقفة، وهو ما يعرف ضمن اللهجة التراثية الخاصة بالتقليم بتوقف المياه ضمن الفروع، أو توقف عملية "التدميع"، حيث لا نرى بعد التقليم تساقط قطرات المياه من الفروع المقلمة؛ أي إن النبتة محتفظة بمقومات الحياة ضمنها لموسم جديد

هذه الحالة من عملية التقليم حالة متوارثة لدى أغلب المزارعين، وهي لدي منذ كنت صغيراً وأنا أرى والدي يقوم بتقليم عرائش المنزل الممتدة من مدخله وحتى محيطه، فهي تقليد قديم جداً يجتمع أبناء القرية ومختلف القرى المحبة لزراعة عرائش العنب على القيام به بشكل منظم لتوفير استدامة الحياة لها وتجهيزها لموسم قادم، وكأنهم يهدفون إلى ولادة جديدة لها في كل موسم جديد».

موسى رحال

عملية التقليم ليست بسيطة وسهلة كما يظن بعضهم، يتابع "سليم": «منهم من يقول إن تقليم عرائش العنب أمر بسيط وسهل فيعتمد على فطنته بالتقليم، وينسى أنها فن يحتاج إلى الخبرة والمعرفة المتراكمة بالعمل المستمر، ليجد نفسه في الموسم القادم وقد خسر عريشته ولم تنتج له الفروع الجديدة المسؤولة عن عطاء ونمو العناقيد، وهذا أدركته من تساؤل الكثيرين أمامي عن سبب عدم عطاء العريشة بعد تقليمها ظناً منهم أنها لا تحب التقليم، وهذا على عكس الحقيقة تماماً بحبها الكبير للتقليم والتشذيب وفقاً للأصول الحقيقية والمناسبة لهذه العملية، فأبادر بتعليمهم كيفية التقليم السليم».

ويضيف: «إذاً العملية طقسية تراثية متوارثة يقوم بها الجميع بمعرفة أو من دون معرفة، وبالنسبة لي أقوم كل عام بتقليم العرائش بدءاً من الجذع المتمدد وحتى نهاية الفروع، حيث أنتقي بخبرتي الفروع القوية وأختارها لتكون الأساس الباقي الذي يجب الاعتماد عليه في الحياة الجديدة للموسم القادم، فأعد على كل فرع ثلاث عقد أو ما يعرف بـ"نتواءات" النمو وأقص بالمقص الخاص ما يزيد على تلك الفروع، وهذا لأخفف ضغط النمو ونقل الأغذية من الجذع الأم للفروع، فتصبح الفروع قصيرة قوية وجاهزة لعملية نمو أو ما يعرف بطرد الفروع الجديدة الشابة القادرة على الإنتاج في الموسم القادم».

عريشة عنب مقلمة حديثاً

لموسم التقليم أيام محددة عنها يقول "سليم": «تبدأ عملية التقليم من بداية شهر كانون الثاني تقريباً، وتستمر حتى نهايته تقريباً، حيث تكون الحياة متوقفة في النبات؛ أي عملية نقل الأغذية ضمن الأنسجة متوقفة، وهو ما يعرف ضمن اللهجة التراثية الخاصة بالتقليم بتوقف المياه ضمن الفروع، أو توقف عملية "التدميع"، حيث لا نرى بعد التقليم تساقط قطرات المياه من الفروع المقلمة؛ أي إن النبتة محتفظة بمقومات الحياة ضمنها لموسم جديد».

الخبرة والمعرفة أمر ضروري لعملية التقليم، وهنا يقول المزارع "موسى رحال": «ما أدركته خلال سنوات زراعتي لعرائش العنب أن عملية التقليم تحتاج إلى الخبرة الكبيرة؛ وهو الأمر الذي اكتسبته من العمل بيدي ومراقبة والدي كيف يقوم به، لأنه كان طقساً من طقوس العناية بعرائشنا في محيط المنزل، وهي خبرة يحتاج إليها الجميع، وهذا دفعني إلى تقديمها لكل محتاج، حيث يقصدني الأصدقاء والمعارف في كل موسم تقليم، لتقليم عرائشهم، فأذهب معهم على الفور لأنه عمل أحبه كثيراً، فهو يمنح الحياة لمن يحتاج إليها، فأقلم عرائشهم من دون مقابل بهدف زيادة خبرتي وتقوية علاقتي بالجميع وخلق حالة اجتماعية نحتاج إليها كثيراً في مجتمعنا، وهي المحبة والود ومساعدة الآخر حين يحتاج، وهذا يحدث بعد أن أتجهز بثياب العمل الخاصة والمقص الحاد والقبعة الرأسية».

سليم رضوان

"محمد حاتم" صاحب عريشة عنب من نوع أصابع العروس، ويقوم بتقليمها كل موسم وبانتظام لأنه اعتاد ذلك، وتسميدها أيضاً، ويقول: «من المهم القيام بعملية التقليم، لأن نتائجها تظهر في الموسم اللاحق لها، فتظهر العريشة فتية قوية ويزداد إنتاجها مع توفير العناصر الغذائية الداعمة، التي اعتمد فيها على التسميد الطبيعي بالسواد العربي بعد عملية التقليم لتأمين الدفء للجذور والغذاء للفروع، فتطرح الفروع الجديدة بعد جريان المياه في العروق، وتبدأ طرح العناقيد، وهناك من يملكون عرائش عنب يقولون إن عملية التقليم غير ضرورية، وهذا كلام غير صحيح أبداً ويمكنهم التجريب ولن يخسروا شيئاً، بل على العكس سوف يربحون».

أما المزارع "علي عبد الله" فيقول: «عملية تقليم عرائش العنب ضرورية في كل موسم، وهي حالة طقسية تراثية اعتدنا القيام بها باستمرار بعد انتهاء موسم الإنتاج، وكلما كانت ناجحة كان الإنتاج جيداً ووفيراً في الموسم القادم، خاصة أنني رأيت بعضهم لا يقلمون الكثير من الفروع، وإنما يعتمدون على تقليم الأطراف فقط من دون الوصول إلى الفروع المتخشبة، ظناً منهم أنها قوية وأساس النمو في الموسم القادم، وهذا أمر غير صحيح لأن الفروع المتخشبة شبه ميتة ولن تعود الحياة إليها إلا إن طالها التقليم الجائر، حيث يمكن أن نجد فيها الحياة المقاومة للتخشب والولادة الجديدة».