"خلاصة، وقشر، ومرج، ولاقوطات"؛ هي طقوس وعادات لعقود طويلة اعتاد مزارعو المنطقة الساحلية ممارستها في عملية الحصاد، لتصبح إرثاً من الماضي بدخول الآلات الحديثة.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 7 تموز 2015، قرية بيت المرج التابعة لريف "طرطوس"؛ حيث التقينا "جهينة ابراهيم" من أهالي القرية لتحدثنا: «لعقود طويلة اعتبر موسم الحصاد من أهم المواسم لما له من أهمية اقتصادية وغذائية لسكان القرية، حيث يبدأ التحضير له منذ بداية الصيف، ويشارك به كل أفراد الأسرة من رجال، ونساء، وحتى الأولاد القادرين على العمل، ويتم التوجه إلى الحقول قبل شروق الشمس، مزودين بأدوات الحصاد، وهي: "المنجل، والكاسوحة"، كما يحملون معهم "زوادة" من الطعام، فعملية الحصاد ما زالت تمارس يدوياً، ويتم تقسيم العمل ويتولى الرجال مهمة الحصاد بعد تقسيم الأرض إلى أجزاء ليسهل حصدها، بينما يكون دور النساء جمع ما تم حصاده بما يسمى "الغمر" وربطه لترحيله إلى البيادر ليجمع هناك، ونظراً لطبيعة المنطقة الجبلية فهناك صعوبة بوصول الحصادات والسيارات إلى الأرض؛ فتقوم النساء بحمله على رؤوسهن أو استخدام الحيوانات لإيصاله إلى البيادر، وتستمر عملية الحصاد إلى وقت الظهيرة وتكون هذه الفترة حافلة بالقصص والأهازيج الشعبية التي يرددها الأهالي لتخفف عنهم مشقة العمل؛ حيث يقوم أحد الرجال بالغناء: "يا حاصود إرخِ المنجل حميت علينا الشوبا"؛ ويكون هذا بمنزلة دعوة للمزارعين للاجتماع وأخذ قسط من الراحة تحت ظل شجرة كبيرة في الأرض، لتناول الطعام والنوم ليستمر بعدها العمل حتى الليل إن كان هناك ضوء للقمر».

هناك طقوس وتقاليد اعتدنا ممارستها ومنها "اللاقوطات"؛ فأثناء عملية الحصاد تتجه مجموعة من النساء من القرى المجاورة من عابرات السبيل إلى الحقول التي يتم بها الحصاد؛ فيقمن بالتقاط سنابل القمح المتناثرة وجمعها ضمن كيس من "الخيش"، فتبادر إحدى النساء بمنحها بعض "الغمر" لمساعدتها وتوفير الوقت والمشقة عليها

وتضيف: «هناك طقوس وتقاليد اعتدنا ممارستها ومنها "اللاقوطات"؛ فأثناء عملية الحصاد تتجه مجموعة من النساء من القرى المجاورة من عابرات السبيل إلى الحقول التي يتم بها الحصاد؛ فيقمن بالتقاط سنابل القمح المتناثرة وجمعها ضمن كيس من "الخيش"، فتبادر إحدى النساء بمنحها بعض "الغمر" لمساعدتها وتوفير الوقت والمشقة عليها».

طريقة فرز القمح باستخدام الدّراسات الآلية

وتتابع: «ومن العادات المتعارف عليها أيضاً؛ التي تمارس عند الانتهاء من الحصاد ما يسمى "الخلاصة"؛ ففي وقت الحصاد يكون التعاون هو السمة الأساسية لأهالي القرية، فالأُسر التي تنتهي من حصاد محصولها تبادر لمساعدة جيرانها إلى أن ينتهي كل مزارعي القرية؛ وهنا تكون "الخلاصة" فتقوم النساء بتحضير "السيالات، والفطائر، والحلويات" واصطحابها في المساء إلى مكان متعارف عليه من قبل أهل القرية، حيث يجتمعون للطعام والغناء حتى ساعات الصباح؛ وتكون هذه بمنزلة إعلان انتهاء موسم الحصاد».

وعن طقوس ترحيل المحاصيل إلى البيادر قديماً حدثتنا "وجيهة علي" إحدى المعمرات في القرية بالقول: «من الطقوس والعادات المتعارف عليها بعد ترحيل المحصول إلى البيادر؛ فصل القمح عن القش، فقديماً لم يكن هناك وجود للآلة لذلك لجأنا إلى "المرج"؛ وهو عبارة عن قطعة خشبية بطول مترين وعرض المتر تصنع بها الحفر وتعبأ بحصى من "الصوان"؛ وهو نوع من الحجر القاسي المنتشر في المنطقة، وبعد فرش الحصاد على الأرض يوضع فوقه المرج بعد أن يتم ربطه بحيوان ليتكفل بجره ويقوم أحد الرجال بالصعود عليه لإكسابه ثقلاً، بينما يقوم الآخر بقيادة الحيوان وتستمر هذه العملية حتى الانتهاء من كامل المحصول، وبعدها يأتي دور النساء بفصل القمح عن القش بعملية تدعى "التدراية"، وعند الانتهاء يرحل القمح إلى المنازل، بينما نحتفظ بالقش ليكون غذاء للحيوانات في فصل الشتاء».

جهينة ابراهيم

وتتابع قائلة: «أما القمح الناتج فنقوم بغربلته وفرزه؛ فالجيد منه يحفظ كبذار للعام القادم، وآخر يتم سلقه وتحويله إلى "برغل وقمح مقشور وطحين"، أما الرديء منه يستخدم كعلف للدجاج، وهناك طقوس اعتدنا ممارستها منها "القَشرة"؛ حيث يتم صنع "جرن" كبير من أحجار "البازلت" أو "الصوان"؛ فبعد سلق القمح وتنشيفه تقوم إحدى النساء بترطيبه بالقليل من الماء ثم سكبه على دفعات في الجرن، ومن تقوم بهذه العملية يطلق عليها لقب "السكابة"، بينما يتولى عدد من شبان القرية ممن يتمتعون بالقوة البدنية بدقه بواسطة "الميجلة"؛ وهي عبارة عن هاون كبير مصنوع من الخشب بطول المترين؛ يكون قطره حوالي نصف متر؛ حيث يتناوب بالعمل عليها أربعة شبان، ويستمر القشر حتى الانتهاء من كامل المحصول».

وتختم بالقول: «بما أنني في العقد الثامن من العمر؛ فقد كنت شاهدة وممارسة لتلك الطقوس التي اندثر معظمها اليوم بدخول الآلة؛ حيث تم الاستغناء عن المرج ليحل مكانه "الدراسات" الآلية، كذلك أصبح هناك انتشار كبير للمطاحن الآلية التي تقوم بجرش البرغل وقشره بوقت قصير، لتصبح تلك الأدوات تحفاً يتباهى أولادنا باقتنائها في منازلهم بينما تحفر مكاناً لها في ذاكرتنا».

المعمرة وجيهة علي