كانت المرأة في قرية "الدي" كما الريف الطرطوسي سيدة المنزل، فزرعت وحطّبت وأنتجت، ثم سوقت عملها تجارياً، فتمكنت من المحافظة على كيان منزلها بانتظار عودة رجل العائلة من رحلة الصيد الطويلة.

هي الحقيقة التاريخية التي لا يدركها الكثيرون من الجيل الشاب في الوقت الحالي، فالمرأة عبر الحياة التراثية الريفية كانت الرجل الحقيقي لأعمال المنزل بمختلف تصنيفاتها، وهو ما أكده المعمر "محمود محمد" التسعيني في العمر، وهو من قرية "الدي" في "ريف القدموس"، بقوله لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 أيار 2015: «كانت المرأة في الحياة التراثية لقريتنا "الدي" كباقي القرى الريفية المحيطة ذات دور مهم بعملها الزراعي، فقد تميزت بنوعية وجودة ما زرعت وأنتجت، حيث قدمت في تلك المرحلة بالذات عملاً رائعاً، تجسد بداية برحلة التحطيب التي كانت تقوم بها كل يوم، حيث كانت تأخذ معها كيسين مصنوعين يدوياً من القماش، الأول كبير لجمع نباتات برية لزوم إطعام المواشي، والثاني صغير لزوم جمع نباتات برية طبية وعطرية وغذائية لزوم المنزل، إضافة إلى حملة الحطب على رأسها لزوم صناعة الخبز على التنور، وهو ما يمكن أن نسميه تميزاً على صعيد تأمين المنزل غذائياً، أي مما تنتجه في التربة، ومن هذا المنطلق بدأ التفكير لإنتاج النباتات الغذائية منزلياً، ضمن حقلها الزراعي، وهو الأمر الذي نجحت فيه وتميزت بجدارة وكفاءة كربة منزل، وهو مستمر حتى يومنا هذا».

ما أدركناه في مراحل مبكرة من حياتنا التراثية، أن المرأة سيدة العمل الحقلي، وقد تجلى هذا من خلال اعتمادنا عليها في عمليات نقل الزرع والمحاصيل، على رأسها حتى المنازل أو بيادر "الرجد"، علماً أن الدواب "الحمير" كانت موجودة، لكنها غير موظفة في عملها الحقيقي

وعلى هذا الأساس والكفاءة المنزلية في منزل الأهل، كان لها النصيب في الزواج، وهنا قال المعمر "علي محمود عباس" من قرية "الدي" أيضاً: «كانت الأمهات في الريف الساحلي يخترن زوجات أبنائهن وفق جدارتهن في المنزل، فمن قدرة الفتاة على تأمين متطلبات المنزل يمكن أن تكون زوجة قادرة على سد حاجات منزلها، مهما كانت الظروف المحيطة بها، وهذا وفق الطقوس التراثية. وللرجل دور كبير في هذا المجال لا يمكن نكرانه، حيث إنه تبنى استصلاح الأراضي، وبناء الجدران الحجرية لها، ثم تهيئتها لتعمل الزوجة بها، وذلك لأن هذا العمل يحتاج إلى الجهد العضلي المتوافر أساساً عند الرجل. وللحق وعبر الطقوس التراثية المتناقلة بالتواتر من أفواه الأجداد، يمكن التأكيد على أن مساعدة المرأة للرجل في أعمال خاصة بالرجل، كانت أكبر من مساعدة الرجل للمرأة في أعمال خاصة بها».

علي عباس ومحمود محمد

وفي هذا الإطار انطلقت الأمثال الشعبية، الناطق الرسمي والشعبي لمجريات الحياة اليومية في تلك المرحلة، التي استمرت حتى يومنا هذا، وهنا قال "مرشد غانم": «لقد كانت الأمثال الشعبية الكلام الصادق والمعبر عن مجريات الحياة اليومية، وقد كان منها ما وظف بطريقة السجع ليحاكي تاريخ المرأة في تلك المرحلة، التي عايشنا جزءاً منها في مرحلة الشباب، ومن أهم الأمثال الشعبية ما تقول: "الرجل جنى والمرأة بنى"؛ أي الرجل يهتم بتأمين الحاجيات الأساسية للمنزل، التي لا يمكن للمرأة تأمينها، والمرأة تقوم بالاستفادة منها وتوظيفها لتلبي حاجاتها. وكذلك مثل آخر يقول: "المرأة حشرةٌ إذا أجدبت، وزهرة إذا اخصبت"، أي إنها سيدة الخصب والعطاء فيما لو أدركت قيمة ما تقوم به، وما هي مسؤوليتها بغياب الرجل».

ويتابع السيد "مرشد": «ما أدركناه في مراحل مبكرة من حياتنا التراثية، أن المرأة سيدة العمل الحقلي، وقد تجلى هذا من خلال اعتمادنا عليها في عمليات نقل الزرع والمحاصيل، على رأسها حتى المنازل أو بيادر "الرجد"، علماً أن الدواب "الحمير" كانت موجودة، لكنها غير موظفة في عملها الحقيقي».

المرأة خلال عملها بالزراعة
تروي مزروعاتها