على الرغم من تراجع التقاليد الريفية بتربية الكثير من أنواع الطيور والحيوانات، إلا أن قنّ الدجاج ما يزال الظاهرة الاجتماعية التي تمنح الأسرة في نهاية يومها أهم أغذيتها متمثلة ببيض المائدة.

ربى الإنسان الدجاج منذ بدأت الحضارة، وتناقلت الأجيال تلك العادة الاجتماعية المحببة جيلاً بعد جيل، لترى المناطق الريفية السورية وشبه المتمدنة تعج بهذه الطيور التي تقدم للإنسان كل يوم مكافأة ينتظرها الكبار والصغار، حيث بيض المائدة الذي لا غنى عنه، مع فارق الطعم والفائدة التي تقدمها البيضة البلدية مقابل تلك المنتجة في "مداجن البيض"، ثم الفارق الأكثر أهمية وهو الذي بدأ مع بداية الحضارة متمثلاً بعادة جمع البيض التي يقول عنها السيد "ناصر السيد" من مدينة "طرطوس": «أذكر منذ كنت صغيراً كيف كنا نربي الدجاج والطيور المختلفة في منزلنا بحي "مارلياس" وسط المدينة حالياً، الذي كان منطقة شبه زراعية، وحيث تجذب تربية الطيور الصغار كثيراً، فقد كنت شغوفاً بها، أعتني بالدجاج وأجمع البيض، وأمارسها كهواية لا تزال ترافقني إلى هذه اللحظة، وهنا أركز على ناحية مهمة هي أن الكثير من الهوايات والمهن تخلق نوعاً من الإدمان عليها، فأنت يومياً معتاد على فتح باب القنّ صباحاً، ثم إطعام الدجاج، وصولاً إلى جني ثمار تلك الهواية الرائعة مساءً بجمع ما وضعته الدجاجات من البيض، ومن أسباب التعلق الزائد بهذه التجربة المنزلية أنها تستند إلى نوع من الرابط مع كائن حي يبادلك بعض الود حين تقترب منه وتعنتي به وبصغاره».

يربي الناس الكثير من أنواع الدجاج، وقد دخلت أنواع جديدة إلى البلد، ومعها تغير شكل البيض ونوعه، لذلك أحرص -بسبب تربيتي لأنواع كثيرة- على جمع كل نوع على حدة، كذلك لا تتخيل المتعة في جمع بيض الإوز والبط على الرغم من قلة عدده، وفي مواسم معينة فقط، لكن بيضة الإوز والبط كبيرة الحجم ومميزة بشكلها ولونها، وهذه عادة تترك للأنثى لترقد عليها وتفقس فيما بعد، في حين يأتي إليّ بعض ممتهني الطب الشعبي لشراء بيوض البط والإوز بدعوى أنها تسرع النطق عند الأطفال

أما محافظة الأسرة الريفية على تربية الدجاج مقارنة بترك كثير من عادات تربية المواشي التي كانت سائدة بكثرة في الريف حتى تسعينيات القرن الماضي فيقول عنها السيد "ناصر": «لا بد أن حاجة الناس إلى البيض، وسهولة تربية الدجاج كانت من أهم عوامل استمرار هذا التقليد الاجتماعي التاريخي، وعناية المربين كثيراً بأنواع دجاجهم ومساكنه، ثم إن اقتناء هذه الطيور بحد ذاته يمثل متعة لا تترك للمجربين فرصة للابتعاد عنها، سواء بتربية صغار الدجاج، أو الإطعام وجمع البيض يومياً، كذلك يدرك الكثيرون الفائدة الاستثنائية التي تقدمها البيضة البلدية مقارنة ببيض المداجن، لذا نجد بعض البيوت العربية داخل المدينة لا تزال تعتني بالدجاج وتربيه في حيز صغير من حديقة المنزل».

"عزيزة ابراهيم"

في زيارتنا لبعض مربي الدجاج لاحظنا مدى تعلق الأطفال وشغفهم بجمع البيض عوضاً عن أهلهم، أو متابعة صغار الدجاج ورعايتها، وربما مرد ذلك إلى سهولة التعامل مع هذا الطائر، وهو ما ساعد على استمرار هذا النوع من الحيوانات وازدهاره، حتى بعض العائلات التي غيرت مهنها بالاتجاه الحضاري الحديث استمرت في بناء قنّ الدجاج الصغير بجانب المنزل، وتحدثنا عن ذلك السيدة "عزيزة ابراهيم" من منطقة "جعابين طرطوس" بالقول: «أقوم يومياً بجمع البيض المنتج في مزرعتنا، ويساعدني في ذلك أحفادي رغبة منهم ببعض المتعة، وقد اخترت لهذه العملية سلة جميلة تضيف إلى الحالة بعداً جمالياً مملوءاً بالخير والعطاء، من هذا الطائر المعطاء والودود للإنسان، ولا تزال الأسرة الريفية -وباختلافات طفيفة- تربي طيورها بنفس الطرائق القديمة، وإن كان نمط حياتها ومهنها قد تغير، في حين حول بعض الأشخاص تجربتهم إلى ما يشبه مشروع بيض المداجن، من خلال جلب أنواع محسنة، ومعاملتها معاملة الدجاج البلدي، ونقل بيوضها يومياً إلى المتاجر لإيصالها إلى المستهلكين الحريصين على شراء البيض البلدي تحديداً، ولو كان أغلى ثمناً».

هناك أنواع كثيرة من البيض غير الدجاج مثل: "البط، والإوز، والحبش،.." التي شاهدناها عند المربي "ناصر السيد" الذي قال عن ذلك: «يربي الناس الكثير من أنواع الدجاج، وقد دخلت أنواع جديدة إلى البلد، ومعها تغير شكل البيض ونوعه، لذلك أحرص -بسبب تربيتي لأنواع كثيرة- على جمع كل نوع على حدة، كذلك لا تتخيل المتعة في جمع بيض الإوز والبط على الرغم من قلة عدده، وفي مواسم معينة فقط، لكن بيضة الإوز والبط كبيرة الحجم ومميزة بشكلها ولونها، وهذه عادة تترك للأنثى لترقد عليها وتفقس فيما بعد، في حين يأتي إليّ بعض ممتهني الطب الشعبي لشراء بيوض البط والإوز بدعوى أنها تسرع النطق عند الأطفال».

شغف الأطفال بالطيور المنزلية وجمع بيوضها

لا شك أن لمهنة تربية الدجاج متعة كبيرة ساهمت باستمرارها كهواية في نفس الوقت، ويبقى لجائزة المساء التي تقدمها الدجاجات طعماً خاصاً، حين يجمع المربي بيوض دجاجاته ويبحث عن أي بيضة تم وضعها خارج القنّ لعدم دخول الدجاجة إليه لحظة وضعها.

البيض البلدي