لم تكن التحديات والصعوبات الواقعية يوماً عائقاً أمام المبادرات والأفكار الخلاقة، بل على العكس هي لدى الأغلبية حوافز ودوافع للوصول إلى الهدف والغاية، بالإرادة الصلبة.

فهناك من أبدع فكراً، وهناك من أبدع عملاً، وهناك من تفجر عطاء سخر لخدمة الحالة الإنسانية، من منطلق الإيمان بالقدرات رغم الفشل، والجميع تحدوا وكانوا على قدر التحدي، والشاب "علي إبراهيم"، طالب في كلية التاريخ سنة رابعة، واحد ممن امتلكوا قدرة تحدي الواقع وصعوباته، وقدرة تحويلها إلى طاقة إيجابية، وهنا قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 21 نيسان 2015: «جميع أفراد المجتمع تأثروا بهذه المرحلة، وأنا كشاب واحد من هذا المجتمع، وتألمت كثيراً، وألمي دفعني إلى الكتابة، ولوهلة شعرت بأن ما أكتبه يجب أن يتجسد في الواقع مسرحياً، وهذا أيضاً كان دافعاً وخطوة كبيرة نحو التوجه إلى المسرح، مرآة المجتمع، ويمكن القول إنه عندما يأتي الحضور لمتابعة المسرح، نحن نملك أرواحهم، ونزرع على وجوههم البسمة، وهذا من وجهة نظري شيء إيجابي، أي تحويل الألم إلى أمل وانبعاث جديد.

بعد كل فشل تتولد لدي طاقات هائلة لا أعلم من أين، وهذه الطاقات تدفعني للإبحار في مشروع حياتي آخر، على مبدأ "إننا محكومون بالأمل"، وأعتقد أنني امتلكت الأمل الحقيقي وحولته إلى فرص نجاح

وهنا يكمن التحدي بالنسبة لي، عندما تمكنت من تحويل اليأس والهموم إلى طاقة إبداعية فكرية كبيرة في مضمار صحيح وسليم، وهذا هو خيارنا ولا خيار آخر لنا».

علي إبراهيم

ويتابع بتوضيح مفهوم المواجهة لخلق حلول، فيقول: «لم أفكر يوماً بالاستسلام لأنه لا يوجد لدي خياران، وإنما الخيار الوحيد هو النجاح وتحدي كل شيء من أجل هذا النجاح، ولو تعرضت إلى الفشل في مرحلة ما، فهو سيكون حافزاً ودافعاً إلى الأمام، كما حدث معي في تفجر طاقاتي الفكرية للكتابة المسرحية، إذاً هي الطاقات الشابة، التي تحول الفشل إلى قوة».

الشاب "سيمون ميهوب" الذي تحدى الفشل مرات كثيرة، وحوله إلى نجاح، وهنا قال: «التحدي للظروف الصعبة بدأ معي منذ عام 2006 عندما لم أتمكن من تحقيق رغبتي في الالتحاق بالكلية الحربية، فتوجه إلى المعهد العالي للفنون المسرحية ولم أنجح، ثم تقدمت إلى عدة برامج فنية عربية تعنى بالهواة، ولم أنجح، وهذا دفعني إلى المشاركة بدورة إعداد ممثل في "دمشق"، التي مكنتني من مشاركة "جمال العلي" و"مؤيد خراط" وغيرهم من الفنانين، في أعمال فنية نالت الرضا، وتبعتها بدورة إخراج مع الأستاذ "رضوان جاموس" في "المسرح القومي بطرطوس"، وإثرها دربت شباباً ضمن "المركز الثقافي بالقدموس" ونظيره في "بانياس"، وهذا لأنني امتلكت الطموح، ورغبت بتحدي كل شيء لتحقيق شيء.

سيمون ميهوب

وفي هذه الأحداث الحالية قررت تقديم الثانوية العامة، وفعلاً حصلت عليها وعاد حلم "الكلية الحربية" يراودني، لكن لم أنجح بسبب العمر المتقدم، ولكنني لم أستسلم فسجلت بكلية الحقوق، وهذا ما أعده استثماراً للطاقات الكامنة بداخلي، لتحيق شيء يرضيني بعيداً عن الضعف والوهن نتيجة الفشل، ومن المهم أن نتجنب عوامل ونتائج الفشل كنوع من الانحناء للعاصفة وليس الخضوع لها».

ويضيف: «بعد كل فشل تتولد لدي طاقات هائلة لا أعلم من أين، وهذه الطاقات تدفعني للإبحار في مشروع حياتي آخر، على مبدأ "إننا محكومون بالأمل"، وأعتقد أنني امتلكت الأمل الحقيقي وحولته إلى فرص نجاح».

سمر صلوات

أما الشابة "رنيم محسن علي" الطالبة في كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية سنة رابعة، فقالت: «لا أعتقد أن التحديات سبب في الفشل، خاصة أننا أبناء جينات إبداعية، وإنما التحديات سبب مهم لتحقيق الإنجاز والتمتع بهذا الإنجاز، فلم أتعرض يوماً للفشل، وإنما لضغوط نفسية ارتبطت بالواقع الحالي الذي نعيشه، فمع بداية الأزمة الحالية كنت في الثالث الثانوي، وحينها بدأت الضغوط النفسية التأثير في سير دراستي، ولكنني رغم ذلك تمكنت من تحقيق حلمي والتسجيل في قسم اللغة الإنكليزية، وحصلت حينها على العلامة التامة في الاختبار، وهذا منحني قوة ودفعاً لمتابعة التميز للوصول إلى الهدف».

وتتابع: «بالعموم من يفشل مرة يستطيع متابعة الحياة وتحقيق الهدف، ولكن بالقليل من الصبر، وتسخير هذا الفشل لتحقيق الهدف، وما لعب دوراً أساسياً في هذا الأمر بالنسبة لي الرضا التام عن النفس فيما أقدم عليه، وخاصة في الجانب المسرحي، كتجربة جميلة في حياتي».

وإدراكها لما تملكه من طاقة دفعها للتحدي الأكبر في حياتها، من دون النظر إلى النتائج، وهنا قالت: «في وقت من الأوقات حاولت التوفيق بين دراستي للغة الإنكليزية التي أحب ودراسة المسرح الذي أهوى، ولكن لم أوفق بهذا، وهنا لم أتوقف عاجزة عن العمل، بل بذل الجهد المضاعف في البحث عن ورشات العمل الخاصة بإعداد الممثل، ضمن مختلف المناطق، حتى إنني تابعت أغلبها، ووفقتُ بها، وهذا أشعرني بالرضا بالنسبة لقدراتي الجيدة في التحدي، التي قد لا تتوافر عند الكثيرين».

الشاب المسرحي "ماهر أمين" طالب أدب عربي سنة ثالثة، قال: «بعد أن حصلت على الثانوية العامة وتقدمت إلى الكلية الحربية، الحلم الذي لم أتمكن من تحقيقه، لأسباب كثيرة غير مقنعة، قبلت نتيجة بعض التشاؤم بخيار لم يكن بالحسبان أو ضمن رغباتي، وهو الدراسة الأكاديمية، وخلال الدراسة انطرحت أمامي فكرة المسرح الذي أحب وأهوى، لصدقه وقربه من الواقع، ولكن التحدي كان بمواجهتي فوراً، وهو تحدي الوصول وقطع المسافات الطويلة لمتابعة البروفات، وهذه المسافات تقدر بحوالي 160 كيلومتراً يومياً للتدريب، ولكن هذا لم يمنعني من التحدي وتحمل المشقة والتكلفة المادية الكبيرة بالنسبة لي كطالب جامعي، والتعب الجسدي من السفر المتواصل، والتحدي الأكبر الذي كان عتب الأهل لي لهذه المشقة والتكلفة المادية، ولكن الإيمان بما أقوم به سهل الكثير من الأمور، ودفعني للعمل الحر في بعض الأحيان لمواجهة التكاليف المادية المرهقة لي ولأسرتي».

ويضيف: «"إنهم يقتلون الإنسان" مسرحية حضّرت لها كثيراً، وقدمت الاختبار الخاص لقبول المشاركة بها، وحفظت النص عن ظهر قلب، وعندما بدأت البروفات فوجئت بتوزيع الأدوار وبدء التدريب من دون أن يكون لي دور فيها، فتأثرت كثيراً وبقيت كتحدٍّ للجميع لمشاهدة التدريبات، وللمسافة الطويلة التي قطعتها للمشاركة، ولكن الله كان إلى جانبي في تلك اللحظة عندما أظهر أحد الممثلين عدم قدرته على أداء الدور لصعوبة الحفظ لديه، فتقدم مني المخرج "مجد مغامس" وقال لي: "إن كنت تحفظ النص جيداً أرني قدراتك"، وفعلاً تمكنت من إثبات وجودي والمشاركة حتى النهاية».

"سمر صلوات" من محافظة "حلب"، عاملة في مجال الإغاثة، للتحدي لديها قصة، قالت عنها: «التحدي الأكبر الذي واجهني في حياتي هو مواجهة فكر خاص عند بعض الأشخاص لكوني هجرت من منزلي ومدينتي، ولم أسمح لنفسيتي أن تستسلم، بل على العكس سخرت هذا التحدي ليكون عامل قوة أواجه عدم الإنسانية لدى بعضهم، وهذا دفعني للعمل بالمجال الإغاثي من مبدأ أنني قادرة على الشعور بالمهجرين والمحتاجين للرعاية وفهم مشاعرهم، لكوني في ذات التصنيف».