تعترض حياة المواطن الكثير من الإشكالية العقارية، فيلجأ للمكاتب المتخصصة بها، لكونها صلة وصله بالمؤسسات الخدمية بما تضمه من موظفين مختصين بعملهم، فتفاجئه حالات الابتزاز المالية.

وحالات الابتزاز المالية متنوعة ومختلفة، وتعتمد على الضرورة والحاجة للمواطن، خاصة مع تزايد عدد السكان إلى مقدار المثل وتزيد، نتيجة الظروف الحالية وتوافد الكثيرين من مختلف المحافظات إلى "طرطوس"، وهذا بحسب رأي الشاب "مهند حسن" طالب جامعي أراد الاعتماد على ذاته في مصروفه الجامعي، حيث قال لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 شباط 2015: «أردت تلافي الاعتماد على أسرتي في مصروفي الجامعي، وقررت استئجار محل لافتتاح كافيه شراكة مع صديق لي "علي منصورة"، وحين البحث وجدنا محلاً جيداً بموقعه، في شارع "العريض" ضمن المدينة، بمساعدة مكتب عقاري، وطلب صاحب المكتب أجار المحل خمسة وثمانين ألف ليرة سورية في الشهر، وهذا مبلغ كبير جداً، فتخلينا عن هذا المحل لنبحث عن آخر، وبالمصادفة تعرفنا مالك المحل في شارع "العريض"، وأخبرنا أنه يطلب أجار محله حوالي أربعين ألف ليرة سورية فقط وليس خمسة وثمانين ألف ليرة سورية، فصدمنا من طريقة استغلال صاحب المكتب لحاجتنا إلى العمل، وقررنا بعدها التعامل مع أصحاب العلاقة دون تدخل المكاتب العقارية».

لأنه لو تريث قليلاً في مراحل وإجراءات التعاملات الرسمية لحقق سلامة التعامل مع الموظف ومع المكتب العقاري، لأن لكل معاملة "أتعابها" الخاصة، ولكن السعر الرسمي المتعارف عليه بين المكاتب عامة هو 5000 ليرة سورية للمعاملة الواحدة، وهنا يأتي التقدير لصاحب المكتب بتحديد السعر، علماً أنه لا يوجد قانون رسمي يحدده

أما السيد "جهاد بشارة" فيجد من المكاتب العقارية ضرورة للتعاملات المؤسساتية، ولكن ضمن ضوابط معينة تحميه كمواطن، وهنا قال: «المكاتب العقارية صلة وصل بيني أنا كمواطن في الجمهورية العربية السورية، وبين الدوائر الرسمية المختصة والمعنية بأمور وإجراءات التعاملات العقارية، فألجأ لها لكوني لا أدرك هذه التعاملات العقارية وطريقة تسييرها وفق الأصول القانونية وما هي الأوراق المطلوبة، وهذا من جهة، ومن جهة أخرى أنا شخصياً أرغب في أن أبقى بعيداً عن الهموم والتعب الفكري والجسدي، لذلك تراني هنا اليوم في هذا المكتب العقاري ليتابع إنهاء الإجراءات.

المجاز القانوني محمود درويش

وبالعموم إن لم أرغب بالتعامل مع المكتب العقاري المتخصص عادة وبمتابعته اليومية بالتعامل مع الموظفين على رأس عملهم، وأحببت متابعة تسيير أموري العقارية وواجهتني بعض الصعوبات في التعامل مع بعض الموظفين الفاسدين المبتزين للناس بحجة نقص الأوراق أو عدم وجود وقت كافٍ لديهم وتراكم العمل فوق رؤوسهم، واللذين لا تكاد تخلو منهم الدوائر الحكومية، فأتوجه فوراً إلى رئيس العمل المباشر، لأشتكي له وأحصل على حقي في السير القانوني لمعاملتي، وقد ألجا إلى القضاء في نهاية المطاف ليكون الفيصل فيما بيننا، وعندما أقدم على هذه الخطوة أو يشعر الموظف المعطل لسير المعاملة أني سأقدم عليها، سيشعر بالخوف ويقوم بتسيير المعاملة بالقانون، وهذا من وجهة نظري، وقد ألجأ إلى توجيه أولادي لهذا الجانب من متابعة الحقوق وتقديم الواجبات، وهنا أساهم بالتنشئة الصحيحة والسليمة لتعاملات المستقبل، لأنني لن أتمكن من تغيير الواقع في ليلة وضحاها».

ووفقاً للكثير من آراء أصحاب المكاتب العقارية، المشكلة في المكاتب العقارية غير المرخصة ومزاولة الموظفين القائمين على رأس عملهم لمهنة تعقيب المعاملات، وهنا قال السيد "فادي شداد" المجاز القانوني، أي صاحب مكتب عقاري مرخص أصولاً في "اتحاد الحرفيين": «نحن أصحاب المكاتب العقارية المرخصة، يوجه إلينا الكثير من حالات النقد والتشكيك بصدقية التعامل والابتزاز المالي، وهذا بسبب تواجد مكاتب عقارية غير مرخصة أصولاً، وأشخاص يزاولون المهنة حتى من دون مكاتب لها هيكليتها الإدارية ورسومها وضرائبها المالية، أي عبر العلاقات الشخصية، وهم بالأساس موظفون على رأس عملهم ضمن دوائر متخصصة بالعقارات وتعاملاتها كمديرية المالية مثلاً، وهذا مخالف للقانون، وهم يعملون كما نعمل نحن المرخصين وربما أكثر بحكم تواجدهم على رأس وظائفهم، أي يستغلون مناصبهم الوظيفية لتسيير المعاملات العقارية، وهنا مخالفة أخرى للقانون، ويعملون دون الاكتراث بأخلاقيات المهنة وأصولها القانونية من قبل بعضهم، ويشوهون صورة بقية أصحاب المكاتب، وهذه مخالفة ثالثة للقانون، وهذا ما يضطر بعض المكاتب المرخصة للعمل بطرائق توازي تلك المخالفة للقانون من حيث تسيير المعاملات وتقديم الرشاوى لها، وجميعها على حساب المواطن».

المجاز القانوني فادي شداد

أما المجاز القانوني "محمود درويش" فقال: «بدأت عملي كـ"معقّب" معاملات منذ عدة سنوات، ولكن أجواء هذا العمل ومنها حالات ابتزاز الموظفين لمعقب المعاملات للحصول على الرشوة، وحالات التلاعب بالقانون لمصلحة أشخاص ذوي نفوذ على حساب أشخاص آخرين لا يملكون نفوذاً، لم تعجبني على الإطلاق، فقررت التحول إلى بيع الطوابع وتجهيز الاستدعاءات و"كليشات" الأوراق الرسمية وتصوير الأوراق ضمن المكتب فقط».

ويتابع السيد "محمود" فيما يخص الثقافة التي يجب أن يتمتع بها المواطن ليتخلص من تبعية المكاتب العقارية، فيقول: «المواطن لا يمتلك ثقافة السؤال والاطلاع على حقوقه، ولو أدركها لتخلى عن وساطة المكاتب العقارية وقام بدورها المتلخص في أنها صلة وصل بين المواطن والموظف لتسيير المعاملات وفق وجهات التسيير المتعارف عليها في كل دائرة حكومية، حيث تحكم أخلاقية الموظف والمهنة في العمل، وللأسف بعض هؤلاء الموظفين أخلاقياتهم ضعيفة وتكاد تنعدم عند بعضهم الآخر».

المجاز القانوني لؤي سمعان

في حين أن المجاز القانوني "لؤي سمعان" أكد أن السرعة التي ينشدها المواطن في تسيير معاملاته، هي سبب من أسباب الفساد والرشوة، مضيفاً: «لأنه لو تريث قليلاً في مراحل وإجراءات التعاملات الرسمية لحقق سلامة التعامل مع الموظف ومع المكتب العقاري، لأن لكل معاملة "أتعابها" الخاصة، ولكن السعر الرسمي المتعارف عليه بين المكاتب عامة هو 5000 ليرة سورية للمعاملة الواحدة، وهنا يأتي التقدير لصاحب المكتب بتحديد السعر، علماً أنه لا يوجد قانون رسمي يحدده».

ويتابع السيد "لؤي": «"أتعابنا" في معاملات البيع حوالي عشرة آلاف ليرة سورية، أما البيع والنقل فقد تصل إلى خمسة عشر ألف ليرة سورية وما فوق، لأنها تحتاج إلى مصاريف وطوابع وعمل فكري وجسدي أكثر، وهذا يكون بالاتفاق بين المكتب والمواطن قبل بدء العمل بالمعاملة، ورغم هذا قد نتعرض لعمليات احتيال من قبل بعض المواطنين، لا نحصل نتيجتها على أتعابنا بعد الانتهاء من تسيير أمور المعاملة العقارية، فيذهب حقنا».

وبالعودة إلى السيد "محمود درويش"، قال: «يتعرض "معقّب" المعاملات بما يمثله من مكتب عقاري مرخص أصولاً إلى الكثير من الابتزاز من قبل الموظف على رأس عمله في الدوائر الرسمية، بحجة أننا نحصل على أتعاب من المواطن لقاء خدماتنا وخبرتنا في التعاملات العقارية، فهو يرى أنه صاحب حق في جزء من تلك الأتعاب، فلا يمكن أن تسير معاملة دون أن نوظف جزءاً منها للموظف المسؤول عن تسييرها في دائرته أو قسمه، وأنا أرى أن الحل الجذري لكل هذا، التعاملات الإلكترونية، فلو تم العمل بها وفق ما سمعنا عنه من نظام الحكومة الإلكترونية، لألغت الكثير من مظاهر الفساد الإداري والرشوة».