كثير من الأمور التي تحتاج عادةً لقدرات وجهد عظيم تمكنت المرأة من مواجهتها ببراعة فائقة، مسطرة أسطورة المواجهة والبقاء وحسن التدبير والتعامل.

فواقع الحياة وما يجول فيه من هموم ومشكلات وصعاب كان وجهاً لوجه مع المرأة سيدة مجتمعنا، في محاولة لثني عزيمتها والاستخفاف بقدراتها على العطاء والتحمل والمواجهة في بعض الأحيان، وهذا مما سمعناه ونسمعه كل يوم عن قصص لسيدات أبدعن في حياتهن، وكن رمزاً للأخريات، وهنا قالت المرشدة الاجتماعية "سراب رقية" من أبناء مدينة "بانياس" عروس الساحل، لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 24 تشرين الثاني 2014: «إن للمرأة خاصية أكرمها بها الله عز وجل بقدرتها على الصبر والجلد وتحمل المشقة ومجابهة الصعوبات بإرادة قوية وعزم وتحدٍ، وقد يكون لتاريخنا السابق عبر العصور وما قدمته المرأة دور في فيزيولوجيتها العامة ومورثاتها الجينية الحالية، فهي أشبه بالأسطورة.

من يزورني من أقاربي لا يصدق عندما يراني أقوم بهذه الأعمال التي لم أعتدها يوماً، بعدما كنت الفتاة المدللة، فيحيوني ويثنون عليّ كثيراً، وهو ما يشعرني بالفخر والقدرة على المزيد من العطاء

وقد كان للأحداث التي مر بها بلدنا الحبيب "سورية" على مدى الأربع سنوات الأثر الأكبر لتجلي صمود المرأة السورية، حيث وجدناها الأم والمقاومة والمقاتلة والفدائية وأم الشهداء والمناضلة، وكان لانتمائها النضالي والوطني دور في صمودها، كما أن للأرض التي نشأت فيها وترعرعت وربت أبناءها فيها وغرست فيهم حبها دوراً في صمودها وقوتها، حيث المرأة السورية شامخة كشموخ "قاسيون"، وصامدة كشّجرة السنديان، وجذورها متأصلة في التاريخ، وهذا ما أكسبها عزة نفس وصبر ومقدرة تفوق كل مقدرات نساء العالم في مواجهة التحديات، لذلك هي متأقلمة مع الواقع، وخالقة لحلول مبتكرة لمختلف همومها ومشكلاتها اليومية ومتحدية المزيد».

المدرسة مها شيحا

فقصص تكيفها مع الواقع وتعايشها مع مستجداته الجديدة في كل يوم كثيرة لكنها ليست شاملة للجميع، وإلا لما أصبح صمودها أسطورة يروى ويحتذى به، ومن هذه القصص، قصة السيدة "لينا علي" التي كانت تعيش حياة رفاهية مطلقة في منزل والدها قبل زواجها، وهنا قالت: «قبل زواجي كنت فتاة وحيدة مدللة كثيراً من قبل جميع أفراد أسرتي، وتزوجت وأنجبت أولاداً، وزوجي رجل يعمل بالأعمال الحرة، وكان عمله جيداً جداً وعشنا حياة رخاء جيدة، ولكن في ظل الظروف المعيشية الحالية خف عمله كثيراً وأصبحت ضغوط الحياة شبه يومية بالنسبة لي، ولكنها لم تثنني عن متابعة الحياة الطبيعية بمرارتها، كما عشتها بحلاوتها.

فأصبحت أقوم بأمور يومية حياتية أفعلها لأول مرة في حياتي الأسرية؛ ومنها أني أزرع قطعة الأرض بجانب المنزل لأجني قوت يوم أبنائي وأختزن ما يزيد لمؤونة الشتاء، مع ارتفاع الأسعار ارتفاعاً جنونياً وكبيراً، كما أتقنت عملية الطهو على نار الحطب مع عدم توافر الغار المنزلي، الذي أحضره من الطبيعة البرية كل يوم تقريباً، وكذلك فيما يخص التدفئة مع ضعف إمكانية تأمين مادة المازوت، وهي أمور ليست ببسيطة على من يظن هذا».

السيدة زينب حيدر

وتتابع السيدة "لينا": «من يزورني من أقاربي لا يصدق عندما يراني أقوم بهذه الأعمال التي لم أعتدها يوماً، بعدما كنت الفتاة المدللة، فيحيوني ويثنون عليّ كثيراً، وهو ما يشعرني بالفخر والقدرة على المزيد من العطاء».

أما السيدة "مها شيحا" التي لم تنكسر عزيمتها رغم صعوبة الحياة، وإنما انحنت لتمرير العاصفة، فقالت: «من يواجه التيار تصعب عليه متابعة الحياة، فحياتنا اليومية تيارات هوائية قوية من الهموم والصعوبات والتكيف معها جزء من الركوب في زورق النجاة، ولي في هذا الأمر تجربة جيدة أساسها الإرادة، فنحن في منزلنا وكعائلة صغيرة مؤلفة من أب وأم وشابين وفتاة صغيرة، اعتدنا حياة فيها الكثير من الرخاء الاجتماعي، وهذا أمر بدأ الأولاد يتحدثون به وبلهجتهم أي إنهم يطلبون ما يحلو لهم دون التفكير بالمكان أو الزمان أو حتى الصعوبات والنتيجة، وكنت أدرك في نفسي أن الأمور ستتغير يوماً ما باتجاه معاكس، لأنه طبع الحياة، ولذلك يجب أن نكون مستعدين نفسياً، ولكن لم ألبث التفكير بالتغيير ومحاولة التأقلم إلا وكانت الأمور الواقعية الصعبة نتيجة الظروف الحالية قد فرضت نفسها علينا كأسرة وعلى المجتمع بمجمله وبكافة طبقاته وترتيباته.

المرأة المنتجة

وهنا كان عليّ كامرأة وربة منزل إعادة هيكلية أسرتي بالكامل بالتعاون مع زوجي، وخاصة طريقة التفكير لدى أولادي بما يتناسب والظروف الحالية الصعبة، وهنا نتحدث عن الأولاد لأنهم الهم الوحيد والشغل الشاغل للمرأة بعد أن تتزوج، وهذا بطبعها وتشكيلها البنيوي وتركيبتها الفيزيولوجية.

لا جرم الأمر ليس سهلاً أو بسيطاً بالنسبة لي، وقد أرقني كثيراً وشعرت في مرحلة من المراحل بأني سأكون عاجزة أمام واقعي الصعب ومحاولة حماية أسرتي والمحافظة عليها، ولكن إيماني بالله وعزيمتي وصبري كان لهما نتيجة؛ ففي هذه اللحظات أنا راضية عنها».

السيدة "زينب حيدر" ابنة المدينة والسكن الطابقي رأت أن أهم ما يؤرقها غلاء الأسعار وعدم ثباتها ليومين متتاليين، وهنا كان لا بد لها من ابتكار فكرة طارئة دخيلة على حياتها اليومية تساعدها على التكيف مع الظروف الاستثنائية وتوفر عليها ما أمكن من المال لزوم الأولاد في الكليات، وهنا قالت: «بجانب البناية التي نسكن بها قطعة أرض صغيرة غير مستثمرة، فاتفقنا نساء البناية على زراعتها بخضار نستهلكها في حياتنا اليومية، ونتساعد بالعناية بها باستمرار، لتقدم لنا ما نحتاجه من خضار طازجة، وأعتقد أن هذه الفكرة احتيال على الواقع والظروف، ونحن سعيدات بما قمنا به، لأنها وفرت علينا الوقت والمال و"منية" التاجر».

السيدة "فاديا شحيت" قالت: «من أهم الهموم اليومية الاستثنائية الدخيلة على حياتي الوقت القاتل دون عمل، حيث كنت في السابق أبحث عن دقيقة راحة، واليوم أبحث عن دقيقة عمل، وهنا تعلمت حرفة صناعة الخيزران، لأكون منتجة ملبية لاحتياجاتي في ظل هذه الظروف الصعبة، وهنا أؤكد أننا شعب قابل للحياة والانبعاث من تحت الرماد».