اغتنت حياته بالكثير من المواقف الاجتماعية؛ تجلت بقدرته على الفصل بين العمل والعلاقات الشخصية، والقصص الواقعية الموروثة التي اكتسبها وكرسها عملياً، فدلت على شخصيته المميزة، التي أسماها بعضهم الرقم الصعب.

فلم يكن ما تميز به الحقوقي الراحل "عبد الرحمن إمام" صنيعة يوم وليلة، وإنما كان جينة حملها، وأبدع بما أضافه إليها، ليحصد نتيجتها الاحترام والتقدير الباقي حتى يومنا هذا، هذا ما أكده "مرعي لولو" موظف متقاعد، والصديق الشخصي لـ"عبد الرحمن"، ويقول لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 حزيران 2015: «انتمى إلى أسرة عريقة، عرف رجالاتها عبر أجيال بالعلم والأدب، وقد ورث منهم ذلك، فكان شغوفاً بألوان الفن، ولا سيما الخط العربي، هوايته التي تميز وأبدع فيها، ولم يكن يقل عن مصاف المحترفين، ولكنه شاء بقاءها هواية فقط، ولطالما أهدى إلى العديد من أصدقائه ومعارفه لوحات تزين واجهات عياداتهم ومحالهم، وما زال الكثير منها قائماً حتى الآن، مزدانةً بتوقيعه المميز "الإمام"، كما شارك أيضاً في مسابقات عالمية للخط العربي، ونال فيها شهادات التقدير.

بحكم عملي كخياط، كنت أجهز له "بدلاته" الرسمية بوجه دوري، وفق أحدث القصات الرسمية، وكان دائماً يأخذ رأيي بهذا الجانب، إن رغب بشراء أي قطعة لباس جاهزة، وقد عرف طوال مسيرة حياته بأناقته وحسن اختياره للباسه المنزلي والخارجي

كما كان ذواقاً للأدب والشعر، ويجيد انتقاء أطايب الزهر من رياضهما، وأذكر أن في فجر شبابه شارك بتأسيس وأنشطة جمعية أدبية سميت حينها "منتدى عكاظ"، وقد ضمت نخبة من أبناء "بانياس" وما حولها.

السيد مرعي لولو

وللرياضة حيز بارز أيضاً في حياته، فقد ترأس في الستينيات "نادي بانياس الرياضي" الذي حصل خلال تلك الفترة على عدة جوائز، أما لعبته المفضلة التي كان يمارسها فقد كانت كرة الطائرة، وأتذكر هذه المجريات لأنني كنت عضواً في النادي».

ويتابع: «مجمل هذا انعكس بطابعه الشخصي على مجريات عمله الوظيفي، الذي احترم فيه الصغير قبل الكبير والجديد مثل القديم، واعتاد في كل يوم إلقاء التحية على الجميع قبل الجلوس خلف مكتبه الصغير، الذي لازمه طوال عمله الوظيفي، حيث رفض عدة مرات تغييره، بحجة أن ذكرياته حفرت عليه».

السيدتان هدى عابدين وزريف عطية

وعن تاريخ حياته ونشأته، يقول المحامي "وليد خدام" صديق قديم لـ"عبد الرحمن": «تخرج "إمام" في كلية الحقوق في "جامعة دمشق"؛ حيث كنا معاً فيها، ثم التحق بالعمل الوظيفي، الذي قضى فيه معظم حياته العملية، كما شغل قرابة ثلاث سنوات منصب رئيس "بلدية بانياس"، وامتلأت تلك الفترة بالمواقف المميزة له، التي تركت بصمات راسخة في أذهان كل أبناء المدينة وريفها، فقد ضُرب به مثلٌ وقدوة تحتذى، لنزاهته وعفة نفسه وما قدمه من تمسك بالقوانين وتراتبية العمل والنشاط والإنجاز العملي، وما زال كثيرون من أبناء المدينة يتداولون بعض تلك المواقف والحكايات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، عدم استخدامه مطلقاً للسيارة التي خصصت له كرئيس لمجلس المدينة، لأي أغراض خارج نطاق وتوقيت العمل الرسمي، وحتى عندما اضطر مرة أو اثنتين لسبب قاهر استخدمها، كان يدفع ثمن الوقود من جيبه الخاص، مهما كانت قيمته بسيطة، فالأمر عنده متعلق بالمبادئ».

وفي لقاء مع "زريف عطية" المدركة للكثير من تفاصيل حياة "عبد الرحمن" بحكم التجاور بالسكن والحي، قالت: «هو بحر من العطاء يألفه جليسه، فقد حاز شهادة الحقوق ومارسها حقيقة في حياته العملية والاجتماعية، فخلال مسيرة حياته الوظيفية أسندت إليه وظيفة في "مصرف التسليف الشعبي" قسم شهادات الاستثمار، وكان حينها موظفاً أميناً، ضرب أروع الأمثلة في البذل والعطاء، ولا أنسى أناقته وترتيب لباسه على الدوام، ومشيته المميزة التي عرفت بهدوئها ودلالتها على شخصيته الدمثة المستقيمة المحبة، حيث زينها بإلقاء السلام على من يعرف ومن لا يعرف خلال خط سيره للعمل وما سواه».

المحامي وليد خدام وإلى يمينه الخياط أحمد بكري

ولا يمل "عبد الرحمن" من جالسه، بحسب حديث "هدى محمد عابدين" ضاربة آلة كاتبة في "بلدية بانياس"، حيث تقول: «كنا نجلس معه لساعات طويلة خلال الدوام الوظيفي، لأنه بحر من العلوم، التي لم يبخل بها على أحد سأله، وهذا ما أعتبره غنى لشخصيتي العملية، فأنا شخصياً نهلت منه الكثير، وهو ما أفادني في حياتي العملية والاجتماعية، وكانت مواقفه دلالة على أخلاقه الرفيعة واحترامه للجميع».

أما "أحمد رفيق بكري" صديق قديم والخياط الخاص لـ"عبد الرحمن"، يقول: «بحكم عملي كخياط، كنت أجهز له "بدلاته" الرسمية بوجه دوري، وفق أحدث القصات الرسمية، وكان دائماً يأخذ رأيي بهذا الجانب، إن رغب بشراء أي قطعة لباس جاهزة، وقد عرف طوال مسيرة حياته بأناقته وحسن اختياره للباسه المنزلي والخارجي».

وبالعودة إلى حديث "هدى عابدين" قالت: «أذكر أن أغلب مراجعيه في عمله، خرجوا حاملين بشائر ما جاؤوا لأجله، طالما كان ضمن القانون، وبذلك يكون خرج بعيداً عن "بانياس" بأحيائها المتعددة وريفها الكبير، بسمعته وعمله الطيب وخدماته، فربح محبة الناس، ودفعهم لحفظ الكثير من مواقف النزاهة».

وتشير "زريف عطية" من معارفه: «ترفع "عبد الرحمن" عن الأمور المادية التي يمكن أن تهدم صلة الرحم العائلية، وتجلى ذلك بترك ميراثه من قطعة أرض مشتركة بين آل إمام جميعاً، خوفاً من خلق حساسية بين أفراد العائلة، علماً أن ثمن الأرض مرتفع جداً، وقد يغري بعضهم لو كانوا مكانه».

يذكر أن، المحامي "عبد الرحمن إمام" من مواليد مدينة "بانياس" عام 1935، وافته المنية عام 2012، وله ابنة وحيدة هي الصيدلانية "غالية إمام"، أما زوجته فهي المرحومة المدرسة "فاطمة عدرا".