قضى حياته المهنية بين أوراقه يدققها أمانة وحرصاً على العمل النزيه، وإلى أرضه سعت يداه تبحثان بين طيبها عن خيرها والجمال.

يعتقد الأستاذ "نقولا النجار" أن النباتات كأي كائن حي ليس من السهل ائتمان أي شخص عليها، من هذا المنطلق يقضي الكثير من وقته بين شتوله وأشجاره، فتتلمس طيب الأرض بطيب اليد التي ترعاها، حيث استطاع تكييف محاصيلها بما يلائم الظروف الطارئة وخاصة الأزمة التي عصف بالبلاد بعد عام 2011، وعن ذلك يحدثنا في لقاء لمدونة وطن "eSyria" التي زارت مشتله الزراعي في أراضي قرية "دوير طه" بتاريخ 12 تشرين الثاني 2014، حيث قال: «كانت ثقتي كبيرة بمقدرتي كمزارع في الأصل على إقامة عمل خاص لإنتاج نباتات الزينة، واليد التي تنتج مختلف المزروعات لن تعجز عن إنتاج نبتة صغيرة من أي نوع كانت، خاصة أن العناية والرعاية التي يقدمها صاحب العمل -المزارع أصلاً- تختلف بكل المقاييس عن عامل قد لا يهمه سوى إنهاء العمل، من هنا بدأت مشواري، وأنتجت في مزرعتي الصغيرة معظم أنواع نباتات الزينة، واستخرجت بذورها لأعيد تكاثرها، وازدهرت هذه الزراعة لسنوات طويلة عندي حتى دخول "سورية" في أزمتها الحالية حيث بات من شبه المستحيل إكمال مشواري الزراعي الاعتيادي بغلاء وانقطاع مادة المازوت، وهي مصدر الدفء الأساسي لنباتات الزينة طوال أيام الشتاء، فتوقف معظم العمل».

أقمت علاقات طيبة مع أشخاص من مختلف المحافظات السورية ومن خارج "سورية" في الدول المجاورة، حيث كانوا يترددون على مشتلي لشراء نباتات الزينة، وفي الأردن -التي تباع فيها نباتات الزينة وفق بورصة مالية لهذا التعامل التجاري- كانت نباتاتي تباع على حساب النباتات القادمة من أوروبا، وهذا الحديث ذكره لي أحد التجار من الأردنيين، عدا لبنان والعراق وتركيا

يضيف قائلاً: «أقمت علاقات طيبة مع أشخاص من مختلف المحافظات السورية ومن خارج "سورية" في الدول المجاورة، حيث كانوا يترددون على مشتلي لشراء نباتات الزينة، وفي الأردن -التي تباع فيها نباتات الزينة وفق بورصة مالية لهذا التعامل التجاري- كانت نباتاتي تباع على حساب النباتات القادمة من أوروبا، وهذا الحديث ذكره لي أحد التجار من الأردنيين، عدا لبنان والعراق وتركيا».

الأستاذ "نقولا" في مشتله الزراعي

كان الأستاذ "نقولا" قد تفرغ للعمل الزراعي بعد انتهاء عمله الوظيفي عام 2002، وبين الزراعات المحمية وزراعة الخضار والفواكه وجد سبيلاً إلى العمل في نباتات الزينة عبر التشارك مع أصحاب المهنة لعدة سنين، ثم اتجه إلى العمل بمفرده لعدم جدوى تلك الشراكة التي رتبت عليه خسائر وديوناً كبيرة.

بعد عام 2011 وما حمله من دمار لسورية كان لا بد من البحث عن أساليب أخرى لاستثمار الأرض، فجاء بريق الحل عبر شتول "شجيرة الباذنجان البري" التي سبق لمدونة وطن الحديث عنها، وعن أهميتها العظيمة في اكتفاء أي منزل من ثمار الباذنجان بأصنافه، التي زوده بها قريبه السيد "غاندي داغر" العامل في مجال تجارة لوازم الزراعة، وخلال مدة قصيرة توصل إلى استخراج البذور، والإكثار الذاتي في مشتله، وعن ذلك يتحدث بالقول: «أكثرت بذار "الباذنجان البري" وبدأت إنتاجه بكميات كبيرة على مستوى محافظة "طرطوس"، وبشكل تدريجي تزامن مع معرفة الناس لهذه النبتة ومزاياها التي تقبل تطعيم أي نوع من عائلة الباذنجانيات عليها "باذنجان المائدة بأشكاله، بندورة، فليفلة بأصنافها"، وأضفت لذلك زراعة عدة بيوت بلاستيكية محمية منها، لتجريبها وإنتاج ثمارها، من ثم استطعت ببعض المغامرة والإصرار التغلب جزئياً على حالة التراجع التي لحقت بعملي السابق».

الأستاذ "نقولا النجار" بجانب آخر إنتاجاته من شجيرة "الباذنجان البري" المطعمة

استمد الأستاذ "نقولا نجار" سمعته الطيبة من عمله الأساسي حين كان موظفاً حكومياً، ذاع صيته لصرامته ودقته اللا متناهية في أهم الدوائر الحكومية وهي "مديرية مالية طرطوس"، وعن هذه المرحلة حدثنا بالقول: «عملت لمدة ثماني سنوات معاون لمدير مالية "طرطوس"، وقبلها 18 سنة رئيس خزينة محافظة طرطوس، وأفتخر واجباً لا تمنناً بأنني أتممت التزاماتي الحسابية المالية بأدق أنواعها، إيماناً مني بعظمة الأمانة التي نوضع تحت اختبارها أحياناً، وهو ما أوصلني إلى مرتبة معاون مدير مالية "طرطوس" بقرار من الجهات العليا في الوزارة، رغم رفضي الشديد لذلك، باعتباري قضيت سنوات طويلة كرئيس للخزينة، ومن الأفضل أن أخرج للتقاعد بدل الترقية، وبقيت في عملي الجديد لغاية عام 2002 حيث أنهيت خدمتي الوظيفية في الدولة».

وفي ذات السياق يقول المهندس الزراعي الأستاذ "نديم ديوب" من قرية "دوير طه": «نسميه الرجل الأمين، عرفته منذ عقد من الزمن من خلال شركة الخضار والفاكهة التي أعمل لمصلحتها، وامتدت سمعته الطيبة حتى في موضوع تسويق إنتاجه من الثمار، حيث لم يضع يوماً ثمرة غير صالحة، بعكس ما قد يفعله أي مزارع من حيث تمرير بضع ثمار غير جيدة في عبوة التسويق، وصولاً إلى عمله الوظيفي، وأنتم تعلمون المغريات التي يتعرض لها من يعمل في هكذا مركز، وختاماً بفكرته الجديدة بتسويق "شتول الباذنجان البري" التي تستحق كل الإضاءة والاهتمام، وقد عرضت عليه تنمية هذا العمل بتطعيم شتول الباذنجان البري بالبندورة لزيادة مقاومة الأخيرة للأمراض، صديقي هذا مميز سواء بأعماله السابقة، أو اللاحقة، أتمنى له الصحة والتقدم الدائم».