كان رجلاً قوي البنية هادئ الطباع، شيخاً عالماً، صاحب أفكار تنويرية مميزة، وكان شاعراً يوثق أحداث "سورية" والمعارك التي خاضها بدواوينه الشعرية.

استمد الشيخ "صالح العلي" مكانته العظيمة من موقعه كأحد وجهاء المنطقة وكرجل دين عالم إضافة الى مكانته الاجتماعية القيادية التي ورثها عن أبيه الشيخ الجليل "علي سليمان العلي"، وإلى شخصيته القوية التي جعلت منه قيادياً تسلم زمام المبادرة ضد المحتلين لبلاده، وأفكاره التنويرية والقومية العروبية، التي تركز على الإنسان بنياناً وعلماً.

لم يكن الشيخ "صالح العلي" يملك سلاحاً أكبر من الإيمان بالله والوطن والحرية، وهذا ما جعله يدرك أن الجهاد واجب وأن المثابرة على الأداء في مجالاته حتمية حتى في ظل عدم توازن القوى بين الثوار والاستعمار، فكانت عدته وعتاده في القتال: البندقية "العصملية"، والسيف، والحصان، وواجه بذلك شأنه شأن أنداده وأمثاله في الوطن: "يوسف العظمة"، "إبراهيم هنانو"، "سلطان الأطرش"، و"مصطفى الخليلي"، قوى استعمارية غاشمة

مدونة وطن "eSyria" وخلال زيارة إلى قرية "الرستة" القرية التي عاش فيها المجاهد "صالح العلي"، وذلك بتاريخ 25 حزيران 2014، التقت الشيخ المعمر "محمود علي حمود" الذي رباه الشيخ "صالح العلي" يتيماً مع إخوته، والذي تحدث عن البعد الإنساني في شخصية قائد ثورة الساحل السوري، ويقول: «كان الشيخ "صالح العلي" رجلاً قوياً يبتسم ابتسامة لا تكاد تظهر حتى تختفي معبرة بلحظتها عن مكانته الاجتماعية ومظاهر الهيبة والوقار التي يتمتع بها، كان اجتماعياً بطبعه محباً للعمل الإنساني، ويشهد له بذلك مئات الأشخاص والعائلات التي كانت تجتمع يومياً على موائده المفتوحة لكل جائع وعابر سبيل، في نفس الوقت احتضن ورعى عشرات اليتامى ومنهم أنا وإخوتي، فسكنا في داره وعملنا في أرضه، وكان يرعانا رعاية الأب، ومازلت أذكره حين كان يدور بيننا ونحن أطفال عندما كنا نجتمع على موائد الطعام، مشاركاً إيانا أحياناً طعام الغداء».

من الصور التي تم توثيقها للشيخ "صالح العلي"

يضيف: «كان الشيخ محدثاً عبقرياً امتلك ناصية اللغة العربية التي أقنع بها كثيرين ممن حاورهم أو أصلح بين من احتكموا إليه، واستقطب رجال العلم والدين من جبال الساحل السورية وما حوله، كانوا يجتمعون عنده بقصد الزيارة وطلب العلم، وبدوري كنت أقوم مع عدد من الإخوة والأخوات الذين تربوا في كنفه برعاية زواره وتلبية حاجاتهم، وأكثر ما ميّز الشيخ "العلي" روح الحوار والسياسة الذكية بغير إكراه، التي كان يتبعها من أصغر موقف وصولاً إلى أعظم الأمور وأكبرها».

لم يكن الشيخ "صالح" رجل حرب وإنما الظروف دعته إلى تحويل شخصيته الاجتماعية والدينية المرموقة إلى شخصية عسكرية مؤثرة، فهو قبل أن يبدأ ثورته كان رجل علم وإصلاح، فتح منزله لطلبة العلم والمستضعفين الذين يمثل الشيخ المعمر "محمود علي محمود" أحدهم، وبعد انتهاء الثورة عاد "الشيخ العلي" بقوة أكبر إلى ميادين العلم والنضال الاجتماعي، فقد افتتح مدرسة لتعليم أبناء الجبل، واستمر في احتضان الأسر الفقيرة من فلاحين ويتامى إلى حين وفاته في 13 نيسان 1950.

لوحة مرسومة للمجاهد "العلي"

أما وصيته فقد دلت بأدق المعاني إلى توجهاته الإنسانية الاجتماعية؛ حيث أمر بأن يصرف ريع أملاكه لإتمام بناء المسجد الكائن بقرية "الرستة"، وإحداث مدرسة بجوار المسجد، كما أوصى ببناء مستوصف لعلاج الناس.

كما وامتلك الشيخ "صالح العلي" ثقافة تنويرية "دينية إسلامية، قومية عروبية" واضحة في خطبه وأشعاره ومواقفه من الاحتلال والظلم والطائفية والأفكار الهدامة، حيث كان خطيباً ومحدثاً فذاً وثّق معاركه وأحداث "سورية" في ذلك العهد بنفسه من خلال دواوينه الشعرية الكثيرة، وعن ذلك يقول الأستاذ "شاهين شاهين" مدير الثقافة في "طرطوس": «تميز الشيخ "صالح" بثقافة دينية إسلامية، وانتماء قومي، وامتلاكه جرأة خطابية صريحة جاهرت بمواقفه الدينية والقومية، ومما قاله في ذلك:

الشيخ "محمد محمود" أحد المعمرين الذين تربوا في كنف الشيخ "العلي"

(فيا أمة الإسلام هبي وجاهدي - وكوني بعين الغرب، يا أمتي قذى

فإن يكُ عن حق البلاد جهادنا - فخيراً وإن عن دين (طه) فحبذا).

وفي بيت آخر يدل على فهمه العميق لمفهوم الدين والوطن يقول:

(وما شرع عيسى غير شرع محمد - وما الوطن الغالي سوى الأم والأب).

جمع بين مادية الحياة نظراً وعملاً فثار وناضل وكافح وقاد الطبقة العاملة المستضعفة، وغير واقعاً اجتماعياً ووجه التاريخ مثل القادة الثائرين وأصحاب الحركات الاجتماعية، ثم جمع إلى هذا كله نزوعه إلى التصوف والاستغراق في الله مثل كبار الصوفيين، فكان شعره يدور في نطاق ثورته ويعبر عن أحداثها ويتغنى ببطولاتها، وتمده هي بزخمها ولهيبها وعنفوانها».

وعن ولادته وتاريخها يقول الأستاذ "شاهين شاهين": «ولد الشيخ "صالح العلي" في قرية "المريقب" قضاء "الشيخ بدر" عام 1885 في بيت والده الشيخ العلامة "علي سلمان" الذي بنى مسجداً في المنطقة عمره بالصلاة والتقوى، فأخذ عن والده العلم والدين، وفي هذه الفترة كان الاحتلال العثماني في أواخره فاشتبك معهم الشيخ "صالح العلي" في موقعتين هما "وادي العيون" و"كاف الجاع"، وبعد توقيع اتفاقية "سايكس بيكو" عام 1916، نزل الفرنسيون إلى الشواطئ السورية بتاريخ 5 تشرين الأول 1918؛ حيث أنزلوا العلم السوري ورفعوا الفرنسي مكانه، وفي 15 كانون الأول 1918 دعا الشيخ "صالح العلي" إلى مؤتمر في "الشيخ بدر" حضره وجهاء الجبل ومن هناك أُعلنت الثورة على الفرنسيين، ومع أربعة من رجاله فقط تصدى الشيخ لأول حملة جاءت من منطقة "القدموس" لاعتقاله، قتل وجرح فيها عدد من الجنود الفرنسيين، فكانت أول رصاصة تُطلق في الشرق العربي بوجه الاستعمار الفرنسي».

امتزجت في شخصية الشيخ "العلي" مزايا الإيمان والعزيمة والفكر العسكري الفطري الذي جعل منه ومن ثورته مفصلاً مهماً في تاريخ "سورية" الحديث، وعلى ذلك أكد الدكتور "علي عقلة عرسان" رئيس اتحاد الكتاب العرب، ويقول: «لم يكن الشيخ "صالح العلي" يملك سلاحاً أكبر من الإيمان بالله والوطن والحرية، وهذا ما جعله يدرك أن الجهاد واجب وأن المثابرة على الأداء في مجالاته حتمية حتى في ظل عدم توازن القوى بين الثوار والاستعمار، فكانت عدته وعتاده في القتال: البندقية "العصملية"، والسيف، والحصان، وواجه بذلك شأنه شأن أنداده وأمثاله في الوطن: "يوسف العظمة"، "إبراهيم هنانو"، "سلطان الأطرش"، و"مصطفى الخليلي"، قوى استعمارية غاشمة».

ويتابع: «واجه الشيخ "صالح العلي" الفرنسيين في معارك كثيرة هي: "الشيخ بدر"، "وادي ورور"، "السودا"، و"وادي العيون"، وحقق فيها انتصارات كبيرة، وبعد ضغط الفرنسيين واحتلالهم مقر الثورة في "الشيخ بدر" اتجه مع الثوار إلى "اللاذقية"، حيث خاضوا هناك معارك عديدة منها: "وادي عين فتوح"، "رأس الملوخ"، "الأجرد"، و"البودي" خلال ثلاث سنوات من عمر الثورة، واستطاع عبر شخصيته الاجتماعية المرموقة استقطاب المجاهدين من جبال الساحل السوري لمواجهة الاحتلال الفرنسي، ومن موقعه القيادي المتقدم حصل على الدعم العسكري من حكومة "الملك فيصل"، فكان منسقاً مع القادة والمجاهدين وعلى رأسهم وزير الحربية الشهيد "يوسف العظمة" الذي التقاه في قرية "السويدية" للتنسيق والمشاروة، ولاحقاً مع المجاهد "إبراهيم هنانو" في سبيل خوض معارك مشتركة ضد الفرنسيين.

يذكر أن، الرئيس "شكري القوتلي" كرّم الشيخ "صالح العلي" في أول عيد للجلاء 1946، وحديثاً قامت وزارة الثقافة بتحويل منزل الشيخ "صالح العلي" في قرية "الرستة" إلى متحف وفق القرار الجمهوري رقم 78 للعام 2008، وجُمعت فيه مقتنيات المجاهد الشيخ "صالح العلي".