كان صاحب نهضة علمية وثقافية في مدينة "الشيخ بدر" حيث خرّج أول طلبة في أقدم مدرسة أسسها، فكان بحق رجل العلم والعلاقات الانسانية.

هو الأستاذ المرحوم "يوسف سلمان" رجل العلم والثقافة والعلاقات الإنسانية والاجتماعية بين مختلف أبناء المدينة والمناطق التي سكنها وزارها، حتى إن اسمه اقترن بكثير من علاقاته وصفاته الجيدة، فلم يقبل مالاً حراماً يوماً، ولا مكافأة كان من الممكن أن يكسبها دون وجه حق.

في كل يوم فراغ كنا نذهب إلى دور المسرح والسينما، حيث كان محفزاً لنا على متابعة وتنمية هذا الجانب الثقافي فينا، وكان لنا شرف الحضور الأول لفيلم "عمر المختار"، وهذا دليل على الحضارة والرقي اللذين تمتع بهما، ناهيك عن تنظيم حياته وحياتنا بشكل رائع، فقد خصص لكل ذي حق حقه حتى على مستوى المصروف الشهري والهدايا

الأستاذ "شحادة إبراهيم" رئيس بلدية "الشيخ بدر" قال عنه في لقاء موقع eSyria معه بتاريخ 2/2/2012: «لقد عرف المرحوم الأستاذ "يوسف سلمان" بأنه من أسرة جذورها ضاربة في النسب الصالح، فوالده فضيلة الشيخ المرحوم "محمد غانم سلمان" الذي عرف بوقاره وفقهه وإسلامه الصادق ومحبة الناس له، والأستاذ "يونس" نشأ في هذا الكنف الفاضل وتحصل منه ما عمل وعرف به بين مختلف الفئات والمجتمعات، فكان رجل هذه المدينة الذي أنقذها من تيجور الظلام، في وقت كان هو ذاته يسعى لتحصيل المزيد والمزيد من العمل والثقافة.

أسرة المرحوم

لقد خبرت عن المرحوم "يوسف" قصة شاعت بين الناس جميعاً، ألا وهي أنه كان أميناً على كل شيء حتى على راتبه في وظيفته، ويذكر أنه كثيرا ما كان يرسل في بعثات علمية وعملية من قبل وزارته إلى دول عدة، وبعد عودته من إحدى البعثات تبقى معه مبلغ مالي يقدر بحوالي /8000/ ليرة سورية، فأبى على ذاته الاحتفاظ به، وعمل على رده إلى خزينة الوزارة إيماناً منه بأنه مال غير مشروع له ولأسرته، وهذه قصة حقيقية من الواقع، وهي قصة ليست إلا واحدة من بين عشرات القصص التي تدل على نبل هذا الرجل بين كل من عرفه وعاش معه».

السيدة "فاطمة دلول" زوجة المرحوم "يوسف" حدثتنا عن طبيعته وعلاقته الأسرية فقالت: «كان المرحوم "يوسف سلمان" رجلا استثنائيا بكل معنى الكلمة، لأنه أحب الناس والحياة الطيبة والعلم والثقافة، فدرس بداية على يدِ شيخ الكتاب في القرية، ولكن حبه للعلم والتحصيل العلمي جعله يسير على أقدامه من مدينتنا إلى مدينة "طرطوس" بمسافة حوالي خمسة وثلاثين كيلومتراً للوصول إلى مدرسته، وهي مدرسة البعثة العلمانية الفرنسية "اللاييك"، حيث تخرج فيها وحصل على الثانوية، وتابع دراسته الجامعية في "لبنان" في كلية الحقوق وحقق بعدها درجة الليسانس باللغة الفرنسية. وخلال فترة دراسته في "اللاييك" استأجر غرفة في "الشيخ بدر" وبدأ يستقبل التلاميذ فيشجعهم على التحصيل العلمي، وكان في حال تأخر أي طالب يذهب إلى بيته ويحضره لمتابعة الدرس».

من احد الاجتماعات الدولية التي شارك فيها كمترجم

وهذا ما أكدته إحدى السيدات وهي "نديمة حمود" حيث قالت: «يعود الفضل للأستاذ "يوسف" في حصول على شهادة القبالة القانونية كأول قابلة في المدينة ومحيطها، لأنه وفي كل مرة أتأخر فيها يعود إلى بيتنا ليأخذني للمدرسة، فقد ساهم الأستاذ "يوسف" في بناء الجيل الأول من مثقفي مدينة "الشيخ بدر" الذين يتربعون في أعلى المناصب حالياً، إضافة إلى أنه أولى التربية الاجتماعية، والعلاقات الإنسانية الكثير من عمله في المدرسة، فكان يكره الكذب كثيراً حتى إنه كان يمرض حين يكتشف كذب أحدهم».

الدكتورة "سهى يوسف سلمان" ابنة المرحوم "يونس سلمان" قالت: «بعد حصول والدي على الإجازة الجامعية تعين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ونال ثقة الجميع لصدقه وتفانيه في العمل ولأخلاقه الفاضلة، وعرف ببراءة ذمته وطيبته وتواضعه، حتى أصبحت هذه الصفات ألقابا يطلقونها عليه في كل مكان يحل فيه، ومنها "الصَدَيق"، ما جعله صاحب مرجعية عند الجميع، فالكل يلجأ إليه للحصول على نصيحة أو استشارة قانونية في أي أمر يخص العمل، وهذا ليس على صعيد عمله الناجح فقط، وإنما على صعيد أصدقائه وجيرانه في مكان إقامته في حي "الميدان"، حيث كانوا يلقبونه بـ"الطيب الكريم"، وتجسدت هذه الصفة لهم عندما قرر العودة إلى القرية بشكل نهائي وتخلى عن المنزل الذي كان يعيش فيه لعشرات السنين، دون أن يأخذ حقه في خلوّ البيت من مالكه الأساسي».

وتضيف: «في كل يوم فراغ كنا نذهب إلى دور المسرح والسينما، حيث كان محفزاً لنا على متابعة وتنمية هذا الجانب الثقافي فينا، وكان لنا شرف الحضور الأول لفيلم "عمر المختار"، وهذا دليل على الحضارة والرقي اللذين تمتع بهما، ناهيك عن تنظيم حياته وحياتنا بشكل رائع، فقد خصص لكل ذي حق حقه حتى على مستوى المصروف الشهري والهدايا».

وتضيف في جانب آخر: «كان والدي صريحاً جداً وكأنه كتاب مفتوح معنا ولنا، فيحدثنا عن كل ما يحدث معه، ويستميحنا عذراً في أي شيء يزعجنا دون أن يتخلى عن قيمه ومبادئه، ففي إحدى المرات اتصلت بي صديقتي وأجاب والدي عليها، وحينها لم أكن بحالة صحية جيدة، فطلبت من والدي أن يقول لها أني غير موجودة، فترك سماعة الهاتف وقال لي أنا لا أكذب من أجل أي أحد، فكان هذا درسا لي لن أنساه أبداً».

الآنسة "مي يوسف" حدثتنا عن القيم الوطنية التي تمتع بها فقالت: «قبل حدوث حرب عام /1967/ تقرر إيفاده مع مجموعة من زملائه إلى "فرنسا"، وخلال سفرهم على متن الطائرة سمع عبر الأخبار أن الحرب قد نشبت، فقرر العودة فوراً إلى الوطن واقترح هذا على رفاقه ولكنهم لم يقبلوا إلا بعد انتهاء البعثة، التي كانت مدتها حوالي عشرين يوماً، وعندما وصل إلى المطار تقدم بطلب عودة سريعة، وحجز على أقرب طائرة وعاد إلى "سورية" ليكون في خضم المعركة وضمن حضن الوطن وإلى جانبه».

وفي الختام يحدثنا السيد "آدم صالح" كيف كان يرى صديقه، وهنا يقول: «كنت أراه مغرما ومقدسا للطفولة، ومدركا لطريقة التعامل معها، وبذات الروح التي نراها عند الأطفال، فكان عندما يتحدث لأي طفل ينحني بجانبه ليشعر بأنه مثله فيستطيع فهمه وإدراكه، ما يشكل ردة فعل إيجابية في نفس الطفل دون أن يدركها، حيث يشعر بأنه قريب منه ويمكن أن يتفاهم معه، وهذا ما لا يمكن لأي شخص أن يملكه، من وجهة نظري الشخصية».

يشار إلى أن المرحوم الأستاذ "يوسف سلمان" من مواليد عام /1921/ وعاش حوالي أربعة وسبعين عاماً، وتوفي عام /1994/، وله شابان خريجا كلية صيدلة، وثلاث شابات منهن الطبيبة والمدرسة وخريجة تجارة واقتصاد.