شيخ من أبرز شيوخ الأدب والفكر، شعراً ونثراً، دانت له المعاني ولانت بين يديه القوافي، وعلى يراعته تزاحمت الأفكار، فكتب بهدوء دخل من خلاله المجتمع الأدبي ليقطف من حدائق الفكر العالمي أزهى وروده.

هو الشاعر الراحل الدكتور "أحمد علي حسن" من قرية "الملاجة" التابعة لمدينة "طرطوس" الذي وافته المنية في "5/7/2010" عن عمر يناهز ستة وتسعين عاماً قضاها في العطاء الأدبي والفكري.

كان الشاعر الراحل "أحمد علي حسن" يحب رفاقه الشعراء ويتواصل معهم ويقدر إبداعاتهم، وأذكر بفخر عبارته التي حطها بيده وهو يقدم لي ديوانه "على قبور الأحبة" بجزئه الثاني، "هدية إلى الصديق القديم والشاعر المبدع والخطيب الأستاذ "عبد العزيز دقماق"، مع تحياتي وتمنياتي الطيبة "أحمد" في 27/6/2004" حيث أعتز وأفخر بها

فيه كتبت الشاعرة "أحلام غانم" بعضاً من المكاشفة الروحية كتعبير عن رؤاها في شخصيته، حيث قالت: «صاحبُ ذات دائرة، وإبداع يثير الجدل، يتجاوز المجرّة، يرتقي من الظاهر إلى الباطن، ويطلق نسراً بين الله والعالم، بقلب يحيط بالدليل ويبصر اليقين الدال على السبيل والمعرف، وجاء في ديوانه "على قبور الأحبة" عارفاً ومتكئاً على صدق الأنبياء، ونهجٍ من البلاغةِ، ومرتفعاً فوق البعد الرابع يخط الشعر بحسه الإنساني، وترتفع نصوصه بشوق إلى معرفة الله ليكون قلبه أعمدة الروح، حيث عناق السماء في الشكل الوجداني الأصيل».

المحامي "عبد العزيز دقماق"

ومن خلال ديوان "على قبور الأحبة" بجزأيه الأول والثاني تعرف الشاعر والأديب "عبد العزيز دقماق" إلى أحبة الشاعر الراحل "أحمد علي حسن"، ومن معانيه وقوافيه استفاد، كما عاش صبابات الشاعر والجمال الذي صبا إليه والعاطفة التي سكنته عندما قرأ ديوانه "صبابات".

وفي وصفه لعلاقته به يقول: «كان الشاعر الراحل "أحمد علي حسن" يحب رفاقه الشعراء ويتواصل معهم ويقدر إبداعاتهم، وأذكر بفخر عبارته التي حطها بيده وهو يقدم لي ديوانه "على قبور الأحبة" بجزئه الثاني، "هدية إلى الصديق القديم والشاعر المبدع والخطيب الأستاذ "عبد العزيز دقماق"، مع تحياتي وتمنياتي الطيبة "أحمد" في 27/6/2004" حيث أعتز وأفخر بها».

الأستاذ "محي الدين محمد"

ويقول الشاعر والأديب "محي الدين محمد" عن تجربة الراحل الشعرية: «هي تجربة شاعر انحاز إلى لغته الهادئة ومجازاته اللطيفة، التي استوعب فيها التراث، ووقف على الهموم بكل أبعادها الوطنية والإنسانية والقومية، وهنا لابد من الوقوف على المرحلة الزمنية القلقة التي عاش فيها، وعن حرب الألسنة التي واجهها، ولا سيما تلك الزمر الإقطاعية المرتبطة بالاستعمار آنذاك، حيث بقي الأحرار وحدهم حملة النعيم الذي يعني في النهاية حرية الوطن واستقلاله، وهو الداعم لهذه الرؤية انطلاقاً من إيمانه بأن الوطن تحييه الدماء وتكسر ظله الدموع».

ويضيف: «التزم الشاعر "أحمد علي حسن" خلال زمنه الطويل في البحث والتقصي، وكتابة القصيدة، منذ الثلاثينيات بالذاكرة التراثية، جعله يتأمل عبرها محيطاته لينسج الهوية الثقافية التي تشكل تعبيراً حضارياً راقياً، تعكس صلة عميقة بالإنسان والحياة والقيم، وحرارة عاطفية لا تقوى عليها عتمة النسيان، وفي ديوانه الأول بعنوان "زفرات" الصادر في عام "1938"، يلمس القارئ مراهنته على انتصار الوطن، وإنه لا تناقض بين الحرية والأجيال القادمة التي ستصنع الحرية أياً كانت التضحيات».

الأستاذ "مالك صقور"

ويرى الشاعر والأديب "عبد اللطيف محرز" أن "أحمد علي حسن" لم يكن مجرد شاعر بل باحث ومفكر، ومن العلماء بين رجال الدين، ومن شعراء الأصالة المعدودين في المنطقة الساحلية ، وقد تميز بفن الرثاء، حيث تشع من قصائده الرثائية نفحات روحية صوفية ذات بعد جسدي وفلسفي.

ويتابع: «لم يقتصر نشاط الشاعر الراحل على ميدان الشعر، بل كان فارساً في ميدان النثر أيضاً، وله مجموعة من الكتب أهمها كتاب عن التصوف وتاريخه واتجاهاته، وله أكثر من كتاب في الدراسات الإسلامية، يدافع فيها عن الإسلام وعن مضامينه الفكرية بعيداً عن الأقفاص المذهبية، إضافة إلى فضله الكبير على الحركة الثقافية في "طرطوس"، حيث أنشأ مع الشاعر المرحوم "حامد حسن" فرعاً لاتحاد الكتاب العرب فيها».

وختم بالإشارة إلى أن الراحل بقي حتى آخر لحظة من عمره، متمتعاً بصفاء الذهن وقوة الذاكرة، يحدثك عن شعراء العرب قديماً وحديثاً، ويقرأ لك عن ظهر قلب ما طاب من أشعارهم، وكأنه يحمل في رأسه على شيخوخته ديوان الشعر العربي، لذلك فهو من المبدعين لأن المبدع إن مات فإن ذكراه لا تموت أبداً.

وبحسب رأي الأستاذ "مالك صقور" رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بـ"طرطوس" فإن الشاعر الراحل "أحمد علي حسن" ينتمي إلى جيل المؤسسين الرواد الأوائل الذين شقوا الطريق الوعرة ومهدوها وعبدوها للأجيال التي تلت.

ويتابع: «سبعون عاماً بالتمام والكمال تفصلنا عن صدور "الزفرات" ديوانه الشعري الأول، فهل يتخيل شاب اليوم حال الشاعر وبيئته وعائلته ومحيطه، ونمط التفكير السائد في تلك الأيام، وطريقة الطباعة في ثلاثينيات القرن الماضي، والبلاد تنوء تحت هيمنة الاحتلال؟ هل يتخيل الشعراء الشباب في هذه الأيام التي أصبحت وسائل الطباعة متوافرة، حتى زادت عن الحاجة؟ كيف كان يكتب مثقفوا تلك الأيام؟ إذ لم تكن ثمة مدارس ولا كتب ولا دفاتر ولا حتى أقلام، بل كانوا يكتبون بالقصب ويعتصرون "عفص" الشجر، لذلك فإن صدور ديوانه "زفرات" قبل سبعين عاماً يعدّ مأثرةً».

بقي أن نذكر أن الشاعر والأديب الراحل "أحمد علي حسن" ولد في قرية "الملاجة" عام "1917" وتلقى علومه ومبادئ اللغة العربية على يد والده وشقيقه الأكبر الشيخ "عبد الكريم علي حسن"، وكتب الشعر في سن مبكر، وأصدر أول مجموعة شعرية "الزفرات" عام "1939"، حيث كان في الثانية والعشرين من عمره، وعمل رئيس تحرير صحيفة "صوت الحق" في "اللاذقية" في أربعينيات القرن الماضي، وعين موظفاً في دائرة "الميرة" الإعاشة وبقي فيها حتى نهاية الحرب عام "1946"، وعين مساعداً عدلياً في دوائر العدلية، وشغل فيها وظيفة رئيس ديوان، ومدير أيتام، وكاتباً بالعدل، ومديراً للتنفيذ، وساهم خلال فترة وجوده في مدينة "بانياس" كموظف، بتأسيس منتدى "عكاظ الأدبي" وجمعية "الزهراء الخيرية"، ثم أرسل مع وفد أدبي إلى "ألمانيا الشرقية"، من قبل اتحاد الكتاب العرب لإجراء اللقاءات الأدبية، وانتسب إلى اتحاد الكتاب العرب بـ"دمشق" منذ تأسيسه في عام "1970"، ونشر عدة ردود ودواوين ودراسات شعرية وأدبية، منها "نهر الشعاع" و"أنداء وظلال" و"على قبور الأحبة" و"أغاني على طريق الحرية" و"التصوف جدلية وانتماء" و"أضواء على الحقيقة الصعبة" و"رعفات قلم" و"أضواء كاشفة"، إضافة إلى منحه شهادة الدكتوراه في الإبداع من قبل الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية.