لم يكتفِ المدرّس "غازي ديب" بتحويل تجربته الشخصية في صناعة صابون الزيت إلى مشروع اقتصادي يحقق معادلة الإنتاج والتشغيل وفق منظومة القرية، فطوّر منتجه بالتقطير ليصبح طبياً وعطرياً.

إن طبيعة البيئة القروية وضعف الدخل المادي كانا الحافز لمحاولات دائمة للعمل والإنتاج، ومن هنا كانت انطلاقة المشروع الذي يحلم المدرّس "غازي ديب" بأن يكون متوارثاً في العائلة كما كان عبر الأجداد، وقال: «بعد عودتي من دولة "الكويت"، وتوفر المال بين يدي فكرت بحرفة صناعة الصابون؛ لكونها متوارثة في "الساحل السوري"، والقلة القليلة تعمل بها على نطاقات منزلية لا أكثر، وكان اعتمادي في التفكير على توفر مقومات الحرفة الطبيعية والبيئية، وخلال هذه الأزمة رأيت أن الهروب الإيجابي من الواقع المرير يكون بالعمل المنتج وتطوير ما بدأت به في صناعة الصابون بطرائقه التقليدية الشعبية، محققاً أهدافي في إحياء هذه الحرفة التراثية، والاستفادة من منظومة الموارد البشرية والطبيعية المتوفرة في قريتي "البريخية"، وذلك انطلاقاً من تأمين موارد إنتاجية رديفة للقطاع الصناعي وبجودة تنافسية؛ أي المساهمة بدعم الاقتصاد والإنتاج الوطني، والاستفادة من الخبرات الوافدة من مختلف المحافظات».

العمل هنا يحتاج إلى عمال يعتنون بالمراحل والمقادير، فاخترتهم من ذوي الشهداء والجرحى والفقراء

لم يكتفِ المدرّس "غازي" بما توفر لديه من مقومات لإنجاح عمله، بل بحث وأنتج متممات له، وهنا قال: «فكرت بإنشاء معصرة زيتون لتؤمن لي الزيت اللازم لصناعة الصابون وبجودة منافسة لما هو متوفر في الأحوال العادية، وحينئذ افتقرت للكثير من المعلومات الخاصة بهذه الخطوة، فاتجهت إلى البحث المعمق عبر شبكة الإنترنت لإنجاحها، إضافة إلى كيفية التوظيف السليم للموارد البيئية والطبيعية الناتجة بما يحقق ريعية اقتصادية، وقد استفدت من عمليات البحث في معرفة حاجة الأسواق الداخلية والخارجية من الصابون بأنواعه المتعددة، وبناء عليه توسعت عمليات التسويق لتشمل محافظة "اللاذقية" إضافة إلى "طرطوس" بأغلب مناطقها».

جهاز التقطير

وتبعت هذه الخطوة خطوة متممة وتطويرية لتأمين الزيوت العطرية اللازمة للصابون المعطر، أوضحها بقوله: «اقتنيت جهاز تقطير بعد أن صعبت سبل تأمين الزيوت العطرية الضرورية لتعطير الصابون نتيجة هذه الأزمة، وبدأت أقطّر كل النباتات الطبية والعطرية وأضيفها إلى الصابون المنتج للحصول على منتجات جديدة تدخل سوق الاستهلاك لأول مرة، علماً أن المنتج يخضع لتجارب منزلية أولاً، ثم يطرح في الأسواق بعد الحصول على التراخيص اللازمة، وكانت الخطوات إيجابية وملبية لطموحي، وبدأت عروض التصدير إلى خارج البلاد تأتيني، لكنني لم أقبل بأي منها لحسابات شخصية».

ويتابع: «قمت بتقطير أوراق "الصفصاف" المتوافر في محيطي البيئي، وأنتجت زيتاً طبياً يدخل في صناعة البنسلين ومعالجة الالتهابات، فأضفته إلى الصابون الشعبي، فأصبح منتجي علاجياً».

الصابون التراثي

ويؤكد "غازي ديب" أن منتجه من الصابون شعبي؛ لأن طريقة طهوه وتقطيعه تقليدية، وذلك وفقاً للتراث المتناقل، ولكنه أدخل تعديلات شخصية نتيجة الخبرة والتجربة، ووضع المنتج في قوالب تبسط عملية التقطيع، ويضيف: «العمل هنا يحتاج إلى عمال يعتنون بالمراحل والمقادير، فاخترتهم من ذوي الشهداء والجرحى والفقراء».

وفي لقاء مع المدرّس "علي عليان" الذي اعتاد منذ سنوات استعمال صابون الزيت، قال: «بعد تجربتي للمنتج التراثي الذي يصنعه المدرّس "غازي" لم أعد أستخدم المنتجات الكيميائية الأخرى كالشامبو وغيرها، فأغلب المواصفات التي أحتاج إليها في المنظفات موجودة في منتجه، كالصابون المعطر بمختلف الروائح الطبيعية والمصنعة بالطريقة التراثية؛ وهي التقطير، وأنا أدرك هذه المعلومات بحكم التعامل لسنوات معه».

المدرّس محمد إبراهيم

أما المدرّس "محمد إبراهيم"، فقال: «لقد أعاد المدرّس "غازي" إحياء منظومة الاعتماد على موارد القرية، لتكون مقومات لعمل ناجح، وبهذا أمّن فرص عمل للكثيرين، كما أن منتجه يتميز بالجودة التي بتنا نفقدها مع هذه الظروف الصعبة في تأمين المواد الأولية، ناهيك عن جشع التجار واهتمامهم بالربح السريع على عكس المربي "غازي" الذي يؤكد أن مشروعه، وبعد كل هذه السنوات يكفيه ذاتياً، ومصدر معيشة العديد من العائلات».

يشار إلى أن المربي "غازي ديب" من مواليد قرية "البريخية" التابعة إلى مدينة "الدريكيش"، عام 1962، ويعمل نقيباً لمعلمي "طرطوس".