ضمن تجليات لونية اختلفت ما بين اللونين الفاتح والغامق للون الأسود المحترق، أرادت الفنانة "دارين استنبولي" من خلال فن الحرق على الخشب التعبير عن الطبيعة المحيطة بها والتي تنوعت ما بين البحر والجبل، وفق رموز لا يمكن قراءتها على السطح الغرافيكي للوحة من المشاهدة الأولى، ما أعطاها طابع خاص عند بعض المتلقين ليصفوها بلوحات "الموناليزا".

فاللوحة التي يمكن إدراك رموزها عند الفنانة "دارين استنبولي" التي التقاها eSyria خلال معرضها في مركز ثقافي "طرطوس" تعبر عن جمالية فكر اختزل من الواقع الذي وصفته لنا بالقول:

هذه الحرفية في العمل الفني تدل على موهبة عالية وعشق لهذا الفن الراقي بتفاصيله وشخوصه وتجلياته اللونية المقتصرة على لونين محددين محترقين

«حين تكون البيئة التي يعيش فيها الفنان عامرة بالشخوص الفنية واللونية الجاذبة التي تجعل من الفكر متقداً، يسهل على هذا الفنان التعامل معها وخلق الرؤى الفنية منها وتجسيدها على السطوح الغرافيكية المختلفة البنى والقوام والهيئات، فيجعل منها رموزا وشخوصا تملأ اللوحة بالحيوية المتجددة في كل مرة تشاهد فيها».

من أعمالها

طبعاً هذا الأداء الجيد لا يمكن أن يأتي من الفراغ بحسب قولها: «فالموهبة الحرفية الفنية المنماة منذ الصغر بمساعدة الأهل والوالد خصوصاً أساس العمل لدي من البداية وحتى الآن، حيث إن والدي اليوم يساعدني في إحضار المواد الأولية وبعد انتقائها بشكل جيد، لتكون بعروقها الحيوية الربانية ملهمي في بعض الأحيان لبعض الأفكار الجيدة والتي تقترب من الطبيعة الجبلية المحيطة بي، فتتمثل بالأشجار وظلالها والوجوه التي أشقاها التعب في الحقول الوديان».

فاللوحة التي وصفها أحد زوار المعرض من حيث اكتشافه لأفكارها بـ"الموناليزا" هي لوحة ل"حورية البحر" رسمتها في طقس فكري خاص، وعنه تقول: «عشقت البحر بجميع حالاته وانفعالاته وكنوزه الدفينة وقصصه الخيالية التي رافقت أفكاري دوماً وتجسدت في إحدى لوحاتي بحورية رسم خطوطها العريضة قلم الرصاص.

طبيعة

وحولت أفكاري خطوطها الدقيقة أو الخفية إن صح التعبير إلى رؤى وأفكار يستطيع المتلقي في كل مرة يشاهدها فيها قراءة تفاصيل مغايرة عما قرأه في مرة سابقة، حيث تميزت بجمال وجهها وكثافة شعرها الحريري، ودقة تفاصيلها التي تختفي بين الحين والآخر بين رموز بحرية تتخللها الأسماك والأصداف، وقصر الأحلام الذي تجسد في صدفة حملتها الحورية جمعت بين طياتها ما يعبر عن رؤى أحلام يمكن لمتلقي الفكرة قراءتها وفق لدقة ملاحظته وقوة ذائقته الفنية».

هذا الفن الذي يعتمد على حرق الخشب بعد عملية رسم دقيقة يتمتع بخصوصية توضحها بقولها: «لا أستطيع إيقاف أصابعي عن تطبيق أفكاري ورسم كل خلجاتها بقلم الرصاص على لوح الخشب المضغوط الذي أعمل على صقله قبل بدء العمل به، لأقوم بعد انتهاء رسمها بالرصاص بتطبيق عملية حرق "بكاوٍ" خاص ذي رأس رفيع على الخطوط العريضة والدقيقة وفق تصور أراه خاص بكل لوحة دون غيرها، من خلال تكثيف عملية الحرق أو تخفيفها بحسب التجليات اللونية التي يجب إظهارها لإعطاء الغرافيكية الخاصة باللوحة».

الآنسة "منى عيسى"

وتتابع: «إن لفن الحرق على الخشب الذي يحمل بين ثنايا طياته حرفية عالية، يجب أن تقدر بين جميع الأوساط الفنية، معنى واحد هو البساطة الممزوجة بالجمال، لأنه يعتمد على خلق فكرة على قطعة خشبية عديمة الفائدة عُمل عليها بحِرفية عالية لتصبح لوحة جميلة بعيدة عن زحمة الألوان، إذاً ولادة اللوحة ناتج عن علاقة خاصة بين الفكرة واللون وعروق الخشب الربانية، بعد أن تأخذ من شخصيتي وذاتي وكياني، ليتمخض من اجتماعها على السطح المصقول ما يمكن أن ينطق ويتحدث عن شخصيتها الخفية بين ألوانها الشاحبة».

ليس من المؤكد أن التنوع في شكل وزخرفة اللوحة تضليل للمضمون والفكرة، وهنا تقول: «رغم غنى الذهن بالأفكار الفنية الكثيفة أستطيع إيجاد مساحات خاصة في سطح اللوحة أضيف إليها اللونين الذين اعمل بهما والناتجين على عملية الحرق، بشكل أعتقد انه يعبر عما يدور في خلجات نفسي، وكأنها شملت ألوان قوس قزح الفرحة خلالها».

وعن طبيعة مكملات اللوحة تقول: «أصنع إطارات اللوحات من لحاء الأشجار الطبيعة حيناً ومن الأخشاب الكاملة حين آخر بطريقة تناسب بنية اللوحة وفكرتها العامة، حيث استخدم في صناعة الإطارات أدوات نجارة خاصة أتعامل معها بكل متعة وحذر».

وفي لقاء مع الآنسة "منى عيسى" أحد حضور المعرض حول فن الآنسة "دارين" وما تراه من تقنية فنية في لوحاتها، تؤكد أن اللوحات جميلة جداً حيث أعجبت بالخيال والأفكار التي طبقت على سطوح اللوحات بشكل جاذب لا يمكن قراءته بشكل كامل من المرة الأولى.

لما تملكه من تقنية في رسم التفاصيل الدقيقة، كلوحة "حورية البحر" التي عادت لرؤيتها أكثر من مرة، حيث في كل مرة استطاعت رؤية تفاصيل جديدة تختلف عن سابقتها كلوحة "الموناليزا" الشهيرة التي ما تزال غامضة في فكرتها، ولم يستطع مشاهدها قراءتها بشكل كامل حتى الآن، مضيفةً: «هذه الحرفية في العمل الفني تدل على موهبة عالية وعشق لهذا الفن الراقي بتفاصيله وشخوصه وتجلياته اللونية المقتصرة على لونين محددين محترقين».

يشار إلى أن الفنانة "دارين" من مدينة "الشيخ بدر" ودرست الفنون النسوية وتشارك في اغلب المعارض الفنية والحرفية.