التقط "300" لقطة ليتمكن من قنص لقطته الهاربة التي جعلته أسيراً لها، بعدما أرضى شغفه منها وحقق فكرة جالت في مخيلته على مدار شهور عدة، لتحكي قصة مظلمة ومعتمه ومخيفة، والناس فيها نيام لا يدركونها في هذه اللحظة الهاربة لحظة شروق الشمس وولادة يوم جديد.

وفناننا اليوم "أيمن علي" حاكى من خلال صوره، الطبيعة الخصبة والتاريخ الحافل بالإنجازات وقدرة الخالق في كونه والإنسان بكيانه وانفعالاته، وهذا ما شاهده موقع eSyria خلال زيارته للفنان "أيمن علي" الذي عمل في فن التصوير الضوئي وأحب عمله إلى درجة القداسة والعشق الأبدي، ويوضح ذلك من خلال حديثه، حيث قال: «إن فكرة العمل على الطبيعة فكرة متشعبة جداً، يتخللها الكثير من الأفكار والمواضيع التي يجب التطرق إليها بكل واقعية ومصداقية، لتكون معبرة عن خلقة ربانية في لحظة قنص اللقطة الهاربة، فمن الممكن أن يمر الإنسان بجانب تحفة أثرية أو طبيعية ربانية ولا تستهويه أو تلفت نظره، لأنه لم يرها من الزاوية المناسبة والرؤية المناسبة، ولم يجلس ساعات وأياما وشهورا ينتظرها لتتحقق، وهذا سبب وجيه جعلني ألتقط "300" لقطة للحظة رأيتها معبرة عن فكرة راودتني وجعلتني أكررها لأتمكن من قنص هذه الصورة».

لقد اعتدنا على وجود صور مصنعة وجاهزة حسب الطلب دون أية فكرة مرجوة منها، ولكن أصبحنا بفضل فن التصوير وتوسع آفاقه نقرأ الفكرة بتعابير طبيعية توحي إلى هدف ما أراد المصور إيضاحه للمتلقي

ويتابع: «إذ كنا نعمل على رصد مواطن الجمال في"طرطوس" بدءاً من معالمها وأوابدها الأثرية العريقة، إلى ملامسة العديد من لوحاتها التراثية الثمينة التي ما يزال يعيشها الإنسان في هذه المحافظة، فهذا يعني أننا نعمل على الارتقاء بفن التصوير الضوئي الذي بدأ يجد له مكان في الساحة الفنية».

لقطة الشروق بعد "300" لقطة متككرة لحن تحقيقها

وعن تعبيره لمعنى اختياره لمهنة التصوير الضوئي يقول: «لقد اخترت التصوير الضوئي لأن المصور في هذه المهنة هو قناص بشكل دائم ويده على الزناد وينتظر اللحظة المناسبة واللقطة المناسبة لإتمام عملية القنص، لأنه أي تأخير في هذه اللحظة تذهب الطريدة من أمامك، وأنت هنا بحاجة إلى الانتظار والوقت الإضافي».

وعن علاقته بالتصوير الضوئي وما مستقبل هذه المهنة يقول: «أحب هذه المهنة وأنا متعلق بها كثيراً، وأتمنى من القائمين على هذه المهنة إيلاءها الأهمية المطلوبة لأنها فريدة من نوعها ضمن قائمة الفن التشكيلي التي تندرج ضمنه، لان المصور حين يخرج إلى قنص اللقطة أياً كانت، فهو يعاني الكثير لحين الحصول عليها، ويعيش لحظة شغف ونشوة، وساعة مخاض وولادة، وحياة جديدة».

موقع آثري

عمل بشكل مجد ومكثف في التركيز على الألوان في لحظاتها المناسبة التي لا يمكن التدخل بها، ويضح ذلك: «إن الاعتناء باللحظة المناسبة لالتقاط الصورة يتمثل في مدى الرؤية المناسبة لمتمازج ألوانها الطبيعية وفق شروط ومعايير لا يمكن لأحد معرفتها أو التدخل بها، فأنا أعتبر أن الفرق بين العدسة والريشة ليس كبير، حيث إن الريشة هي عملية المزج بين الألوان وفق رؤية معينة وموضوع معين يتبلور بالذهن ويتجسد على الأوراق، أما التصوير فيعتمد على القنص والمفاجأة أي المراقبة لبلوغ لحظة التمازج التي لا يمكن أن تتكرر».

ويتابع موضحاً رؤيته في اللقطة الحية وكيف يراها بعد التقاطها: «إني أرى في اللقطة الحية لشخص ما، وهو في عقده السابع مثلاً تجسيد للحياة، من خلال ملامح وجهه التي تظهر كالتضاريس الطبيعية لتحكي قصص وحكايا معاشة في الماضي بكل ظروفها وكل تفاصيلها، وأحياناً أرى في مكان ما، كان مخصصاً لشخص ما أيضاً، حياة هذا الشخص فالتقط صورة له وكأني أراه واستمع له ولذكرياته، وأدونه بالصورة ليبقى».

الآنسة "ليندا موسى"

لقد حمل السيد "أيمن" ذهنية غنية ظهرت من خلال أفكار لوحاته المتنوعة، وهذا ما أكده بقوله: «لقد حاولت تقديم أفكار متنوعة ومختلفة أظهرتها بلوحاتي من خلال كل لوحة على حدى، حيث أن لكل لوحة فكرتها الخاصة التي لا تقترن مع غيرها بها، فقد حاولت كثيراً الابتعاد عن التكرار للوصول إلى تحويل الفكرة المنظورة إلى شيء محسوس وملموس لتتراقص خلالها الكلمات المعبرة عنها بكل مصداقية وإخلاص وواقعية».

يحاول المصور "أيمن" من خلال صوره قول شيء يوضحه لنا: «قبل التقاط الصورة أشعر بشغف كبير لمعرفة الزاوية التي يجب أن التقطها بها، وأرويه بعد التقاطها بالجلوس طويلاً والتمتع بها قبل إطلاقها كرسالة مني إلى جميع من يراها ويتأملها للالتفات إلى المكان والزمان الخاصين بالصورة والعناية بها والمحافظة عليهما، وليعرف الجميع أن التصوير الضوئي وصل إلى مرحلة تنفيذ الرسالة التي يحملها منذ وجوده كفن من الفنون التشكيلية».

وفي لقاء آخر مع الآنسة "ليندا موسى" إحدى المهتمات بالتصوير الضوئي، والمحبة للعمل على البرامج الإلكترونية للصور، توضح لنا ما تراه في فن التصوير الضوئي في هذه المرحلة المتجددة له في عالم الفن التشكيلي: «إني أرى أن فن التصوير الضوئي في "طرطوس" قد وصل إلى مرحلة جيدة من التقدم والظهور في كافة المحافل والمعارض والمناسبات، حرصاً على تخليد ذكرى ما، فالثقافة المنفتحة على هذا الفن أصبحنا نراها بكل وضوح من خلال عدد المرتادين إلى معرض التصوير أينما وجد ومتابعة مجرياته، وهذا يدل على قدرة فن التصوير على خلق مكان له في ساحة المحافظة الفنية».

وتضيف: «لقد اعتدنا على وجود صور مصنعة وجاهزة حسب الطلب دون أية فكرة مرجوة منها، ولكن أصبحنا بفضل فن التصوير وتوسع آفاقه نقرأ الفكرة بتعابير طبيعية توحي إلى هدف ما أراد المصور إيضاحه للمتلقي».

يشار إلى أن المصور "أيمن علي" من مواليد "1971" يعمل بمهنة التصوير الضوئي منذ ثلاثة عشر عاماً، وقدم أول معرض له في مركز ثقافي "طرطوس" بعنوان "وتتراقص الكلمات" عام "2010".