بالحديث عن فن "بهجت ونوس" تحتار هل تبدأ من الفكرة؟ أم من الطريقة؟ فالفكرة هي مشروع رسم الخطيئة الكبرى عبر التاريخ والطريقة هي الرسم بالحجر!!!.

فالحجر بالنسبة لـ"بهجت ونوس" كما يقول الأم الكبرى لأنه "عشتار" الكبرى والأرض هي أساس كل شيء وعن ذلك يقول لنا في لقاء خاص بتاريخ 11/6/2009: «المشروع يعني الخطيئة الكبرى ويتضمن مجموعة من المقاطع منذ سقوط "آدم" الأول إلى الأرض وسنشرحها بالتفصيل هذه المقاطع احتفظنا بها في هذه اللوحة العملاقة كي لا تضيع مع مرور الزمن ولحفظها للأجيال القادمة والتذكير الدائم بها وطبعاً جسدنا هذه المقاطع كما تحدثت عنها الميثولوجيا والتاريخ القديم».

أتت فكرة مشروع رسم الخطيئة الكبرى من الحجر الأم الكبرى "عشتار" أو الأرض التي هي أساس كل شيء ثم تأتي الأم الصغرى "حواء" ثم يأتي الرجل تباعاً من ذاك المعنى ولدت فكرة الخطيئة الكبرى

وأضاف: «هذا المشروع تحت مسمى الرسم بالحجر هذا ما قال النقاد عنه والرسم بالحجر فكرة مستحدثة فهناك من يرسم بالرمل وهناك من يرسم بالفحم وقلت أنني سأرسم بالحجر سأرسم بالضوء سأرسم بفقاعات الصابون وقريباً سأرسم بالغيوم!».

الغراب القاتل الذي بعثه الاله لقابيل

وأردف قائلاً: «أتت فكرة مشروع رسم الخطيئة الكبرى من الحجر الأم الكبرى "عشتار" أو الأرض التي هي أساس كل شيء ثم تأتي الأم الصغرى "حواء" ثم يأتي الرجل تباعاً من ذاك المعنى ولدت فكرة الخطيئة الكبرى».

وبدأ الفنان "ونوس" يروي تفاصيل الخطيئة الكبرى كما جسدها في لوحة جداريه عملاقة غطت أغلب جدران منزله في "طرطوس" حيث قال: «بدأت أولى المقاطع بـ"آدم" و"حواء" كما تحدثت عنهم كتب التاريخ والعلاء في الميثولوجيا الكتب السماوية فـ"حواء" كما هو مجسد في الرسم تعطي التفاحة لـ"آدم" وهناك الشجرة المحظورة تفصل بينهما والتي قال له الإله ألا يقربها وطبعاً "آدم" يأخذ التفاحة فهذه كانت الخطيئة الكبرى وهكذا وبعد أن يأخذ "آدم" التفاحة يسقط مع "حواء" إلى الأرض ويبدأ بالتعامل مع مجموعة من المفردات كالزرع الأول ويعني القمح والأم الكبرى أي الأرض وإله الحب "فينوس" وبعد أن أخذ "آدم" هذا المنحى مع "حواء" أي الحياة على الأرض ولد الصراع بين الخير والشر الأسود والأبيض يمين ويسار فوق وتحت وأتت فكرة قتل "قابيل" لأخيه "هابيل" كما تحدثت الميثولوجيا في بحر اسمه بحر "الظلمات" والقتل هنا بمعنى اسقاطي وليس مجازياً».

البجعة

طبعا كل ما يقصه علينا الفنان "ونوس" مجسد في لوحته الجداريه وتتوالى مراحل الخطيئة الكبرى عند "ونوس" ليصل إلى مرحلة "شيس" والتي قال عنها: «مرحلة "شيس" أتت للإصلاح البشري ورمزت له بالمحيط وبعد ذلك تبدأ مرحلة "نوح" عليه السلام الذي جاء وأنقذ البشرية تلك المفردات حملها "آدم" على ظهره لأنها من خطاياه وفي المقطع الثاني من اللوحة نبدأ بمرحلة عربة الزمن كما أسميتها فـ"آدم" تشظى إلى 24 جزءاً أي السنتان الشمسية والقمرية وهناك في الوسط طائر الغراب القاتل الذي بعثه الله لكي يعلم "قابيل" كيف يواري "هابيل" الثرى ثم يأتي زواج "آدم" و"حواء" وفي الرسم "آدم" من جهة الشرق و"حواء" دائما من الغرب في هذه المرحلة وقبل الزواج حاول "آدم" الصعود مجدداً إلى السماء ولكنه وبسبب خطاياه لم يستطع وبقي على الأرض».

وتابع: «من هذا الزواج حصلنا على مجموعة من الحضارات استطعت أن آخذ كف الحضارات السورية التي ساهمت في بناء الحضارات الإنسانية فالحضارات السورية من أقدم الحضارات في العالم (13 ألف سنة قبل الميلاد) وحملت على عاتقها حضارة "الهكسوس" (1700 سنة قبل الميلاد) وهي في اللوحة "الأهرامات" التي تعد رمز "مصر" وقد ساهم في بنائها السوريون والفلسطينيون وهذه المعلومات قليل من الناس من يعرفها وكذلك ساهمت الحضارة السورية بما يعرف بمملكة "تدمر" كما تلاحظون في الرسم حيث رمزت لـ"تدمر" بـ"زنوبيا" و"أذينة" زوجها المقتول والذي اتهمت "زنوبيا" بقتله كما يقول التاريخ وتربعت "زنوبيا" على العرش باسم ابنها "هبة الله" بثلاث حركات هي "العقاب" بمعنى انتظرت و"الأسد" بمعنى تحفزت و"الأفعى" بمعنى عادت وانتظرت ثانية واستطاعت "زنوبيا" أن ترجع المملكة الأولى "مصر" ورمزها "الظبية" المسترجعة و"زنوبيا" رمزها الأسد كما جاء في اللوحة وذلك من خلال سيف "زنوبيا" القوي والذي يرتفع عالياً».

ازينة وزنوبيا

وتتوالى مراحل الخطيئة الكبرى لتصل إلى زمن أبي الأنبياء سيدنا "ابراهيم" عليه السلام والذي تحدث عنه الفنان "ونوس" قائلاً: «تبدأ قصة سيدنا "ابراهيم" بالمنام الذي أوحى إليه فيه الله بذبح ابنه "إسماعيل" وفي نفس المرحلة وبعد فترة من الزمن توالى الأنبياء والرسل فهناك سيدنا "عيسى" الذي رمزنا له بالنخيل وهناك "صالح" الذي رمزنا له بالناقة ثم يأتي الإسلام بما يعرف بشروق الإسلام ورمزت له بالهلال وهنا نجد طيور "أبابيل" المعروفة وهي تدمر جيش "أبرهه الحبشي" وهنا نجد طيراً جميلاً هو طير "نينوى" الذي يحمل المن والسلوى جميع تلك المفردات قصدت بها حضارة بلاد "ما بين الرافدين"».

وأردف قائلاً: «هنا في بداية المقطع الأخير من اللوحة رسمت البيت الحجري لـ"آدم" وأخذت من حياته حركتين جسدتهما في اللوحة هما حركة "الخيل" وتعني النصر وحركة "التمساح" وتعني القوة وفي نفس المقطع نرى عيون "آدم" وأذن "آدم" وفم "آدم" فهذا المقطع اسمه صراع البقاء وصراع الحضارات وفي هذا الصراع رمزت "سورية" بـ"الظبية" التي تشكل في مضمونها عدد من الحيوانات فإذا قطعنا ذيلها أصبحت "زرافة" وإذا قطعنا رأسها أصبحت "أسد بابل" ومن هذا الصراع على الأرض أخذنا صراع الدببة "الدب الكبير" مع "الدب الصغير" وفي نفس المقطع كان استمر صراع الحضارات ليشمل الشرق والغرب حيث رمزت للشرق بالعصفور وللغرب بالذئب والمنتصر دائماً هو عصفور الشرق فهو يقف دائماً على رأس الذئب وهذا معنى مجازي وهنا انتقلنا إلى حضارة "مصر" لنأخذ بما يعرف بـ"توت عنخ آمون" الشاب المقتول حيث يوجد في يد قاتله بيضة تفقس "أفعى" تلتف على الحضارات بجميع المراحل التي ذكرناها سابقاً وتعود إلى "آدم" الأول».

وأكمل: «في نهاية هذه القصة الكبيرة والمختزلة في هذا البيت "العقاب" بضم العين وهو رمز السوريين القدماء يحلق عالياً منتصراً في هذه الملحمة الخيرة وقبل ذلك نجد هناك "بجعة" تزيل ذنبها وتقول سأرحل إن هذه الحضارة هامة ولكنكم لا تحافظون عليها فيقف عقابان قبالة البجعة ويقولان لا ترحلي سنحافظ عليها بإذن الله وهكذا تبقى "البجعة" ولا ترحل».

وعن الهدف من هذه الملحمة كما أسماها الفنان "ونوس" قال: «أردت أن أقدم ملحمة جديدة للناس وأوضح لهم أن الحضارة ليست أبداً كما تفكرون وإنما الحضارة موجودة في الحجر والأرض والمرأة فهي في كل تلك المفردات واخترت جدران بيتي لتكون اللوحة لأني لم أجد مكاناً آخر واللوحة تحتاج إلى حجم كبير ولكن الآن هناك مشروع "حصن حوراء" في "القدموس" مسقط رأسي وهو عبارة عن قلعة سأجسد عليها هذه الملحمة لحفظها من الضياع وإيصالها للناس والأجيال القادمة وفي المقابل ولسهولة عرضها فقد جسدت هذه الملحمة في 4000 لوحة ضوئية (رسم بالضوء وبفقاعات الصابون) وكل تلك الأفكار أتت من اللوحة لذلك فأنا أعتبرها ولادة ونستطيع أن نولد منها الكثير والكثير إلى العالم».

هكذا عبر "بهجت ونوس" عن فنه وإبداعه واحترافه يقوده حبه وإخلاصه لفن عشقه منذ الصغر وقدرة لامتناهية على الابتكار والتجدد من حيث المضامين وطريقة إيصالها.