«من يتذكر حنين البيئة التراثية لجبل العرب بأغنية "غالي علينا يا جبل" و"يوم على يوم" وعشرات الأغاني التي صدح بها صوت الرجولة الراحل "فهد بلان"، يعلم أن وراء تلك الأغاني والكلمات المعبرة الحاملة نفحات الماضي ورائحة تراب الجبل موهبة فنية خلاقة».

الشاعر والملحن وكاتب الدراما "سعدو الذيب" قدم للمكتبة الموسيقية أكثر من مئتي أغنية من كلماته وألحانه، وكتب العديد من المسلسلات الوثائقية والدرامية البدوية.

لقد فتنت إلى حد الإدهاش من عبارة "شرشف قصب ومطرز بنيسان"، وسعيت لمعرفة الشاعر الرقيق، العذب، حلو الشمائل الذي قالها، فإذا هو الصديق الصدوق الذائب كسكرة الندى الكف كحاتم الطائي، الحافظ للمودات كحبة القمح التي منها وفيها يضرب المثل وتتجلى حكمة العطاء السرمدي، عنيت به الأستاذ والأخ ورفيق الدرب الطويل بغير قياس "سعدو الذيب"، "عالبال بعدك يا سهل حوران، شرشف قصب ومطرز بنيسان" وأن يكون هناك شرشف قصب فهذا من خيال وتخييل عجيبين في دنيانا، وفوق هذا أن يكون هذا الشرشف القصبي المطرز بنيسان موجوداً في حياة أمة إلى العروبة منتماها ومفداها فإن ذلك من الابتكارات النادرة في حياتنا كبشر

الحديث كان للمخرج المسرحي الدكتور "تامر العربيد" وتابع بالقول: «هو ذاك الصوت الشجي القوي الذي تستمع إلى قصائده الشعرية فتجد فيها "عمار يا سورية عمار".

الدكتور تامر العربيد

لعل "سعدو الذيب" الشاعر الذي كتب القصيدة مبكراً، وحمل معاناته على أكتافه، ليحلق فيها بفضاء الزمن الرحب، مغرداً بين أسراب الحمام، ناقلاً ثقافته المحلية التي اكتسبها من أرض السويداء، المدينة التي لم تعرف يوماً إلا البطولة والشهامة وضعت حجارتها البازلتية الصلبة بوجه الرياح وصدت بها غزوات الاستعمار العثماني، وحملات الفرنسيين، وفي مضافاتها المشرعة بالحب والود والوئام، نهل "سعدو الذيب" ثقافته الاجتماعية، بعد أن لعب على تراب بيادرها وتنشق هواءها، وهو يستمع إلى ناي رعيانها، وأهازيج شيوخها، وزغاريد نسائها، وحداء فرسانها على خيولهم، لم تمحها عتابات السنين، بل غرد وصدح من غبارها "جتنا تبرقع"، و"شيالوا"، وحنيت الك حنيت"، وعانقت كلماته وألحانه صوت الرجولة الراحل "فهد بلان" مدة عقد ونيف من الزمن، ليقدم معه أكثر من عشرة أعمال ختم الأخير حياته بها وخاصة في أغنيتيه "عالبال بعدك يا سهل حوران، وغالي علينا يا جبل".

رحل "فهد" وهو يغني "يا شام" التي سجلت على شكل بروفا، واستمر "الذيب" يقدم أفلاماً وثائقية نافحاً من مخزونه الثقافي الكثير من الأعمال الإبداعية، خاصة أنه كاتب دراما من النوع المميز، وشاعر له مع القصيدة حكايا، بادئاً مشواره الجديد "بعمار يا سورية عمار"».

مع الراحل فهد بلان

وحول أغنيته "عالبال بعد يا سهل حوران" بين الكاتب الكبير "حنا مينة" رأيه فيها بزاوية كتبها في جريدة تشرين السورية بعنوان "من البحر إلى الجبل" قال فيها: «لقد فتنت إلى حد الإدهاش من عبارة "شرشف قصب ومطرز بنيسان"، وسعيت لمعرفة الشاعر الرقيق، العذب، حلو الشمائل الذي قالها، فإذا هو الصديق الصدوق الذائب كسكرة الندى الكف كحاتم الطائي، الحافظ للمودات كحبة القمح التي منها وفيها يضرب المثل وتتجلى حكمة العطاء السرمدي، عنيت به الأستاذ والأخ ورفيق الدرب الطويل بغير قياس "سعدو الذيب"، "عالبال بعدك يا سهل حوران، شرشف قصب ومطرز بنيسان" وأن يكون هناك شرشف قصب فهذا من خيال وتخييل عجيبين في دنيانا، وفوق هذا أن يكون هذا الشرشف القصبي المطرز بنيسان موجوداً في حياة أمة إلى العروبة منتماها ومفداها فإن ذلك من الابتكارات النادرة في حياتنا كبشر».

وفي اتصال هاتفي مع الأستاذ "محمود دويعر" المعاصر والصديق للشاعر "الذيب" قال: «هناك جانب في "سعدو الذيب"، لم يلق الضوء عليه في أقلام الصحافة، وهو أنه فنان وملحن وشاعر وكاتب دراما، إلا أنه ينطوي على حالة من الإنسانية، والعاطفة الجياشة بشكل كبير، إذ تراه يبتسم وقد لا يكون في جيبه ثمن ربطة الخبز، رغم زحمة الأماكن والفضاء الرحب الأوسع لمغريات الحياة، لكنه يأبى ذلك عند رؤية طفل يردد أغانيه أو أشعاره، يكبر كالجبل، وهو يعتز بانتمائه إلى جبل العرب بشكل لا يوصف، لا ينكر أصدقاءه، ولذلك قال عنه الشاعر الكبير "محمد الماغوط": "شعر "سعدو الذيب" وألحانه هي الأقرب إلى الروح"، لأنه شعر بحس الشاعر بأنه ينطوي على جمالية خاصة في روحه الإنسانية، لذلك "ارتفع سعدو" بفنه وإبداعه وتواضعه وإنسانيته إلى مصاف جبل العرب».

سعدو الذيب أثناء عمله الموسيقي

حول حياته وبداية أعماله الفنية أوضح الشاعر والملحن وكاتب الدراما "سعدو الذيب" لموقع eSwueda قائلاً: «في جبل العرب الذي له مع التاريخ شأن، وفي جو مجتمع يسود بخلجاته المحبة والتشارك ضد ظلم الحياة، كانت ولادتي عام 1954، في كنف أسرة كان الفقر عنوانها، والمحافظة على القيم والأخلاق الاجتماعية شعارها، الأسرة التي ربتني على الأمانة، والكرم، والشهامة، حيث درست في المدارس الابتدائية بقرية "دوري"، والإعدادية والثانوية في السويداء، وخلال أيام الثانوية كتبت أولى مقالاتي بعنوان "على الرصيف" في مجلة "جيش الشعب"، لأدخل جامعة دمشق كلية الآداب قسم الفلسفة، وأنتقل بعدها إلى دول الخليج العربي، عاملاً في حقل الثقافة بجريدة "اليوم" لمدة ثلاث سنوات كتبت بها الخواطر والشعر، ثم اتجهت إلى الأعمال الحرة لأعود إلى بلدي "سورية" عام 1986، ليكون لقائي مع الفنان الراحل مطرب الرجولة "فهد بلان" المحطة الجديدة في حياتي، إذ بدأت بكتابة الأغاني وتلحينها، وأول تجربة لي كانت أغنية "جتنا تبرقع" غناها الفنان "داوود رضوان"، لأبدأ مشواري الفني بخطا واثقة مع الراحل "فهد بلان" بأغنية "عالبال بعد يا سهل حوران" التي حصلت على إعجاب كبير من الجمهور وأصبحت من التراث الغنائي السوري، وخلال ثلاثة عشر عاماً قدمت مع الراحل "فهد" ثلاث عشرة أغنية، وكنا على موعد مع مشروع وطني يشمل المحافظات السورية بعد أن بدأنا في السويداء بأغنية "غالي علينا يا جبل" ثم في محافظة دير الزور بأغنية "سلامين" والتي أقول فيها "سلامي للي مفارقوا سلامي لهل الدير"، لكن يد المنون كانت بالمرصاد للكبير الراحل "فهد بلان"».

ولدى سؤاله عن بدايته في كتابة الدراما قال: «بعد أن تعرفت على "فهد بلان" عام 1986، سافرت عام 1988 لمدة عامين إلى "دبي" ومنها انطلقت بكتابة الدراما حيث طُلب مني أن أكتب مسلسلاً بدوياً، لأني أحب أن أكتب خاصة أني عشت في البادية وتعلمت اللهجة ومفردات الكلمات المستعملة وبعض العادات والتقاليد الهامة من خلال وجودي في السويداء التي تقرض الشعر الشعبي باللهجة البدوية، وهي المحاذية للبادية وحدودها في جوانب عديدة ترتبط بالبادية، لهذا كتبت سيناريو وحوار لمسلسل "الدخيلة" وقد مثل فيه نجوم الدراما السورية، وقد حصل العمل على جائزة أفضل عمل عربي في محطة "دبي" ضمن استفتاء لجريدة الخليج، وكان ذلك موازيا لعملي في تأليف الأغاني والألحان.

بعد ذلك رجعت إلى سورية عام 1990، لنقدم الأغنية التي حققت جماهيرية واسعة وهي "يوم على يوم" بصوت "فهد بلان"، ثم أعمال أخرى منها "شيالوا، وحنيت، وقسمة ونصيب، يا طير، سفرهم طال، ترحل ولا كلمة وداع، طيور السما، دمعي اليوم، دنيا، وغيرها"، في تلك الفترة ما بين عامي 1989 و1997 قدمت من المسلسلات الوثائقية والدرامية "شيماء، دموع الأصايل، نغم على وتر، جحا 2003، ودراسة معمقة في الموشحات وتفاصيلها منذ العصر الأندلسي حتى يومنا وهو بعنوان "الموشحات كنوزنا" و"مجنون الشام" و"حكايات وأغاني على البال" وثقت فيه التراث الغنائي السوري، إضافة إلى أعمال أخرى».

وعن تحوله من الشعر الفصيح إلى المحكي، وانتقائه للشخصيات في الكتابة الدرامية أوضح "الذيب" بالقول: «في الشعر الفصيح كانت بدايتي، وبعد أن كتبت العديد من القصائد ونشرتها في مجلة "اليوم"، وجدت نفسي أميل نحو الشعر المحكي، ذلك لأنني لم أجد حاجزاً بيني وبين الناس الذين يحبون العامية من الشعر، وربما كان الأقرب إلي، لأن الكلمة البسيطة تدخل الأفئدة دون استئذان، وأنا من خلال كتابتي للأغنية الشعبية الدارجة وجدت أن كلماتي تدخل القلوب، إذ ما ندر أن أجلس في مقعد أو مجلس شعبي داخل سورية وخارجها إلا وأجد كلماتي تتردد على الشفاه، الأمر الذي دفعني إلى الميل نحو المحكي من الشعر، وفي النهاية القصيدة هي التي تكتبني لأنها تعيش في مخيلتي كثيراً حتى تخرج إلى النور، وآخر قصيدة مصورة كتبتها كانت "عمار يا سورية عمار"، أما الدراما وخلق الشخصيات الدرامية وحبكتها أرى أن كاتب الدراما عندما يكون شاعراً، أو قاصاً، أو روائياً، تكون لديه تخييلات سردية قادر فيها على معالجة الشخصيات وإيجادها في الأمكنة المناسبة، ومعالجتها معالجة درامية بحبكة فنية تجعل من حركة الشخصية معنى وفعلاً، وهي تمكن المخرج من إعطاء العمل بعده الفكري والثقافي أكثر، فأنا مازلت أبحث في زوايا صخورنا البازلتية وبين شقوقها حكايا الأهل والأجداد لأكون لها موثقاً لأنني على يقين أن تحت ذرة تراب كل أرض سورية حكايا للبطولة والنضال، والتاريخ لم يستطع تدوينها بشكلها الأمثل».

لمحة توثيقية:

في مجال الأغنية الشعبية الدارجة كتب ولحن أكثر من مئتي عمل موسيقي قدمها بأصوات "الراحل فهد بلان، والراحل فؤاد غازي، الياس كرم، عمر العبد اللات، سمارة سمارة، برهان القصير، كنانة القصير، محسن غازي، أحمد الأحمد"، وغيرهم. وحالياً منهمك في تقديم سبعة أغاني للأطفال.

وفي مجال كتابة الدراما قدم تسعة أعمال منها: "الدخيلة" وهو مسلسل بدوي، ودراسة مطولة عن الموشحات وتفصيلاتها تحت عنوان "الموشحات كنوزنا"، و"دموع الأصايل" باللهجة البدوية، ومسلسل "العود" وهو الرجل الكبير أو كبير العائلة، وعمل بدوي "شيماء"، وعمل كوميدي بعنوان "جحا 2003"، و"نغم على وتر" بطولة فنان الشعب "رفيق سبيعي" و"اندريه اسكاف"، و"أحلام على الورق"، ومسلسل جديد "مجنون الشام"، إضافة إلى "حكايات وأغاني على البال" وهو وثائقي عن التراث الغنائي السوري.

أما الأفلام الوثائقية فقد قدم سبعة أعمال وهي: "خيال يرمح على الشمس، وعد، طريق إلى ميسلون، رجالات الثورة، على الرصيف الآخر، شيخ الفنانين، وفيلم عن الكاتب الراحل "ممدوح عدوان".

وهناك شارات موسيقية تصويرية لمسلسلات قدم ثلاثة أعمال "على موج البحر، صورة وأسطورة، مذكرات مدير مدرسة"، كما كتب في مجلة "أصداء فلكية" لمدة عام في صفحة الأدب والشعر.

له مشاركات في أماسي شعرية في عدد من دور الثقافة في بلده سورية بدعوات خاصة من دور الثقافة بالمحافظات، إضافة إلى مشاركته كعضو لجنة تحكيم في مهرجان الأغنية السورية لأكثر من دورة، كرم من قبل وزارة الثقافة لمساهماته في الحفاظ على التراث اللا مادي، كذلك كرمته هيئة الإذاعة والتلفزيون، واتحاد الصحفيين العرب في أمريكا في لوس أنجلوس، عندما أقام بها أمسية شعرية، والرابطة اللبنانية للأدباء، ونال العديد من الجوائز منها جائزة "أورنينا" لأربع دورات، عدا مشاركته في مهرجان "طرطوس"، ومهرجان الجبل الأول الذي قدم فيه أمسية شعرية وأغنية المهرجان.

لعلنا نتساءل كيف يمكن لكاتب الدراما وشاعر وملحن، مثل "سعدو الذيب" أن يجمع أطراف الموهبة من جوانبها لو لم تكن موهبته فطرية، ربما سؤال يترك لأصحاب المواهب والخبرات الفنية، أين وإلى متى في زحمة الألقاب...