تقع عند نهاية عقدة مدينة "شهبا"، ولم يبق منها إلا بقايا سقف وقنطرة، وتعود في تاريخها إلى زمن الاحتلال العثماني، وتعد أحد نماذج مطاحن الماء في العصور البيزنطية...

مدونة وطن "eSyria" التقت الشيخ المعمر "جاد الله الحرفوش" أحد ورثة المطحنة في مدينة "شهبا" بتاريخ 25 أيار 2014، حيث تحدث عن تاريخ مطحنة "البركة"، ويقول: «أعرف هذه المطحنة جيداً، وقد كنت أرافق أبي وجدي إليها باعتبارهما من أصحابها الشرعيين مع "آل الخطيب"، و"آل المغوش"، وهي موجودة منذ القرن التاسع عشر زمن الاحتلال العثماني، وأصبحت الآن أطلالاً بعد أن باتت الحاجة إليها ضعيفة بسبب التطور الكبير في عمل المطاحن، وتقع مطحنة الماء إلى الشمال من المدينة، عند تقاطع الطرق المؤدية إلى كل من "شقا"، و"عمرة"، والعاصمة "دمشق"، وفي وسط عقدة مرورية أطلق عليها عقدة "شهبا"».

بنيت المطحنة على طابقين الأرضي مزروع في قسم منه تحت الأرض، حيث يقع في داخله الفراش المعدني الذي يستقبل المياه الغزيرة القادمة من وادي "نمرة"، والثاني غرفة المطحنة التي يدخلها الناس للطحن وتضم الدلو الذي يُهز ليسقط القمح، والموصول مع الفراش الأرضية، ويتصل مع الحجر الذي يقوم بالطحن، وهو حجر بازلتي له فتحة بشكل عرضاني ليستقر فيه رأس (الإكس) الذي يدير الحجر الخشن من الأسفل ليطحن القمح

ويتابع: «بنيت المطحنة على طابقين الأرضي مزروع في قسم منه تحت الأرض، حيث يقع في داخله الفراش المعدني الذي يستقبل المياه الغزيرة القادمة من وادي "نمرة"، والثاني غرفة المطحنة التي يدخلها الناس للطحن وتضم الدلو الذي يُهز ليسقط القمح، والموصول مع الفراش الأرضية، ويتصل مع الحجر الذي يقوم بالطحن، وهو حجر بازلتي له فتحة بشكل عرضاني ليستقر فيه رأس (الإكس) الذي يدير الحجر الخشن من الأسفل ليطحن القمح».

مجرى الماء الذي يمد المطحنة من الوادي.

كانت المطحنة الوحيدة في المنطقة، وكان الازدحام عليها كبيراً خلال ثلاثة أشهر في السنة، هي آذار ونيسان وأيار، وبعدها تقفل أبوابها للعام التالي، ويقول الشيخ "هاني صالحة" البالغ من العمر 97 عاماً عن تلك المرحلة: «كان سكان القرى المحيطة بمدينة "شهبا" يحمّلون قمحهم على دوابهم، ويتسابقون للوصول إلى مطحنة "البركة" التي سميت كذلك لما يقال عن طحينها: "إنه مبارك"، ويبدو أن الانتظار الطويل الذي يصل في بعض الأحيان إلى خمسة أيام أمام المطحنة هو السبب في هذا الاعتقاد، وقد كنا نجلس قبالة الوادي الذي يهدر بالمياه القادمة من التلال البعيدة ويصب في وادي "نمرة" بعد ذوبان الثلوج، وكان هناك مسيل مبلط من الحجر البازلتي يتدفق الماء عبره ليصل إلى غرفة الفراش الحديدي، كانت أيام قاسية بكل التفاصيل، لكنها غنية بالذكريات».

لم يتبق من المطحنة المائية غير بناء صغير وقنطرة تحمل السقف العلوي، وبقايا قناة المياه التي نبشت حجارتها، ونقلت إلى مكان آخر بقصد البناء أو التجارة، يقول الباحث الأثري "وليد أبو رايد" عن التصميم المعماري للمطحنة: «من خلال دراسة البقايا المعمارية للمطحنة المائية يبدو أن التصميم محليّ يشابه بشكل كبير تصاميم نظيراتها من المنشآت المائية المنتشرة في كثير من قرى المحافظة على المجاري المائية الموسمية (الوديان)، وبنيت على ضفة الوادي، وتحديداً على كتلة صخرية طبيعية رفعت إليها المياه عبر قناة طويلة أسست على قاعدة حجرية مثبّتة على طول المجرى من حجارة البازلت الطبيعي المحلي (المقصّب، والدبش الصغير والكبير)، وقد اعتمدت على المبدأ الفيزيائي (توازن السوائل)، وتحضير الماء الجاري فيها عبر المسافة الطويلة للسقوط مثل الشلال الصناعي بقوة كبيرة تستطيع معها تحريك دولاب معدني يدعى الفراش الذي يقوم بدوره بتحريك المحور الخشبي الذي يدير حجر الطحن».

الوادي القادم من التلال العالية ويمد المطحنة بالماء.

ويتابع وصفه للبناء، وكيفية عمل المطحنة: «تتألف من طابقين اثنين الأسفل يضم فراش الدوران الذي يستقبل بدوره من جانب واحد المياه القادمة من الشلال مباشرة عبر فتحة (مزراب) مائل يحرف المياه باتجاه الفراش، ويكون هذا المزراب بالعادة من البازلت حصراً حتى لا يتلف بسبب الحصى المرافقة للمياه لعدم وجود مصاف على مجرى الشلال الصناعي، يتصل الفراش المؤلف من دولاب خشبي أو معدني ركبت على حافته الخارجية شفرات معدنية، يشبه دولاب الناعورة لكن بنسخة أصغر، وركب عليه بشكل عامودي محور خشبي أسطواني الشكل مهمته نقل حركة الفراش إلى حجر الطحن الكائن فوقه في الطابق العلوي، وهو الجزء الذي ينتج مادة الطحين، حيث يفرغ القمح وسط الحجر المثقوب في الوسط».

ويضيف: «إن الدخول إلى الطابق العلوي يتم عبر باب رئيسي كبير متاح لكل الناس، لكن الدخول إلى الطابق السفلي يتم عبر باب صغير للصيانة فقط، وغالباً ما يستخدم هذا الباب لتصريف المياه الزائدة إلى الوادي ثانية، والبناء بسيط من حيث الشكل، قاسي المظهر لأنه مخصص للاستخدام الموسمي، وتحديداً خلال فصل جريان الوادي بعد ذوبان الثلوج فوق الجبال، وهذا يحتم على الفلاحين التزاحم لإنجاز مهمة الطحن خلال الأيام هذه فقط».

الشيخ "جاد الله الحرفوش" أحد ورثة المطحنة.

ويشير إلى أن هذه المطحنة الأثرية تعود إلى عهد الاحتلال العثماني في القرن الثامن عشر، وأنه في محافظة "السويداء" نماذج فريدة عن هذه المطاحن في "المشنف"، و"الدياثة"، "والغيضة".