هو واحد من الأبراج التي أوجدها الإنسان في المنطقة لحماية نفسه وأملاكه من اللصوص وقطاع الطرق.. وقد استخدمها للدفاع عن المحيط ومراقبته لصد أي هجوم مباغت.. وهو مشابه لأغلب الأبراج التي شيدت في عصور البرونز المختلفة.

مدونة وطن eSyria التقت الأستاذ "وليد أبو رايد" الحاصل على شهادة الماجستير من جامعة "دمشق" حول العصور البرونزية في المنطقة الجنوبية، وذلك يوم السبت الواقع في 15/6/2013 الذي تحدث عن بناء البرج وموقعه، فقال: «من اسمه يتواجد برج "عريقة" في تلة مجاورة لبلدة "عريقة" التي تقع وسط "اللجاة"، وهو مبني على سفح تلّة طبيعية بسيطة الميول، ما دعا إلى بناء طابقه الأرضي في حفرة أرضية لتسوية الطابق الثاني، فجاء جزؤه الغربي شبه مدفون في السطح المائل. وهو ينفتح باتجاه الخارج بباب وحيد نحو الشرق، ما يحقق دخول أشعة الشمس بشكل كافٍ ويخفف عدد الفتحات التي يمكن أن تشكل نقاط ضعف في جسم البرج الذي يتألّف من ثلاث غرف أرضية مبنية وفق تقنية الدعائم والميازين المعروفة في خرب "الإمباشي" و"لبوة" و"الغيضة" و"أم رواق".

وظيفة هذا البرج غير معروفة حتى الآن بشكل دقيق لكن وجوده في مكان بارز ومركزي جعلنا نتيقن أنه كان بهدف خدمة مراقبة الأراضي والمراعي والدفاع عن السكان والقرى القريبة منه. وهذا البرج باعتقادي حتماً ليس له وظيفة جنائزية، لعدم عثورنا على ما يدل على الدفن أو طقوس مشابهة.. ويمكن أن تؤرخ في مرحلة الانتقال بين عصري البرونز القديم والوسيط

والجدار المحيط بهذه الغرف مبني بحجارة ضخمة منها ما هو مقصّب ارتفاعه متر واحد. وبقية الأحجار تم اختيارها بشكل يناسب مكانها في البناء وهي دون "مونة" وقد اتبعت طريقة البناء هذه في كل الأبنية المشابهة والتي تعود إلى نفس الزمن في جنوب سورية».

برج عريقة من الخلف

وعن مخططه وطريقة البناء، أضاف قائلاً: «إن مخطط هذا البرج يشبه مساكن خربة "الإمباشي"، التي تتألف من طابقين، وفيها شبه مدخل، (مدخل منخفض يحتاج الداخل إليه إلى الانحناء بشدة) ولها مخططات مختلفة ضمن هذين الطابقين. ويشكل المسقط الدائري لهذه النماذج حلاً مناسباً لتحقيق المتانة المطلوبة للطوابق العليا، حيث تم الاستغناء عن الزوايا والأعمدة الركنية التي حققها الشكل الهندسي الدائري شديد التماسك إلى جانب بناء الجدران الخارجية في الطوابق الأرضية بشكل مائل، ما يحقق تشتيت الضغط من الأعلى نحو الجوانب. أما من الداخل فقد اختلفت قليلاً التقسيمات بين هذا البرج والأبراج الأخرى في المنطقة، حسب الوظيفة المحددة التي وجد من أجلها».

وعن السبب وراء بناء البرج، والمهمة الأساسية التي وجد من أجلها، قال: «وظيفة هذا البرج غير معروفة حتى الآن بشكل دقيق لكن وجوده في مكان بارز ومركزي جعلنا نتيقن أنه كان بهدف خدمة مراقبة الأراضي والمراعي والدفاع عن السكان والقرى القريبة منه. وهذا البرج باعتقادي حتماً ليس له وظيفة جنائزية، لعدم عثورنا على ما يدل على الدفن أو طقوس مشابهة.. ويمكن أن تؤرخ في مرحلة الانتقال بين عصري البرونز القديم والوسيط».

وليد أبو رايد

وعن سبب وجود هذا البرج في منطقة "اللجاة" تحديداً، وما أمنته الطبيعة للإنسان من عوامل لحمايته، قال: «شكلت منطقة "اللجاة" الجرداء الموحشة قليلة الغطاء النباتي، كثيرة الحجارة والوعورة، قليلة المساحات القابلة للزراعة، شكلت على امتدادها الواسع ملجأ مناسباً للإنسان القديم والحيوانات المفترسة على السواء. فقد وجدت الملاجئ الطبيعية فيها كالأنفاق والمغاور مساكن وملاجئ طبيعية للإنسان القديم الذي عمد إلى تحسين مداخلها وترتيبها من الداخل بما يتلاءم مع حاجاته الحياتية.

ومع تقدم وتطور المستوطنات وبدء الاستقرار خلال العصور البرونزية الممتدة ما بين 3200- 1200 سنة قبل الميلاد والتي تبلورت خلالها عملية تطوير المستوطنات وظهور الإدارات والحواضر الصغيرة التي بدأت من الأسرة ثم توسعت شيئاً فشيئاً إلى أن ظهرت الملكيات الأسرية فالفردية، استطاع الإنسان تحسين طرق استقراره فاشتغل بالزراعة إلى جانب تربية الحيوانات والرعي، ثم ظهور الأفكار التجارية التبادلية الأولى للمنتجات الحيوانية والزراعية الأولية التي تؤمن الحاجات اليومية البسيطة، إلى أن نشأت دويلات المدن الأولى التي تتمتع بنظام إداري جيد ما حدا بهذه الإدارات إلى تأمين قوة بشرية لحماية هذه المدن عن طريق تشكيل فرق عسكرية صغيرة حتى تأسس النظام العسكري الذي تطلب بناء الأبراج من مثل برج "عريقة"».

طريق الحج الجديد

وعن هذا الموضوع بالذات، ونشأة برج "عريقة" والهدف منه، أضاف الدكتور "علي أبو عساف" بالقول: «لقد دفعت الحاجة إلى حماية المزروعات ومراقبة المراعي الواسعة إلى بناء أبراج مركزية عالية تخضع للسلطة الإدارية في القرية فبنيت الأبراج العالية في أماكن مرتفعة طبيعياً، لكي تشكل نقطة مركزية يستطيع المراقب أن يسيطر منها على الأراضي المحيطة إلى أبعد حد ممكن، فكان برج "عريقة" في قلب "اللجاة" نموذجاً متميزاً وجيد الحفظ إلى يومنا هذا. وهو يشكل نموذجاً فريداً لأبراج الدفاع والمراقبة».