انعكس التطور المعماري إبان العصور البرونزية المتعاقبة على بلاد الشام عامة، والمنطقة الجنوبية خاصة من حيث الأسوار والبيوت والأعمدة، وقد تطور العمران بعد ذلك ليصل إلى عصور متطورة اختلفت فيها آلية العمل والتقنيات.

مدونة وطن eSyria التقت الأستاذ "وليد أبو رايد" الحاصل على الماجستير في دراسة العصور البرونزية للمنطقة الجنوبية، بتاريخ 14/5/2013 فتحدث عن الأسوار وقال: «إن السور الأولي لخربة "الإمباشي" عبارة عن بناء مركب تم انجازه وأعيد استخدامه وفق شكله الأساسي خلال عدة مراحل، وهو يندرج بشكل كامل ضمن النماذج الفلسطينية والأردنية المعروفة، ولاشك انه أحد أقدم هذه النماذج، ومن وجهة نظر معمارية فقد استخدمت في السور تقنيات جدران ذات واجهات جدارية ورصف حجري داخلي موزعة في عناصر متلاصقة مع استخدام حجارة ضخمة جداً أحياناً، وإلى جنوب هذه البنية بنيت بعض عناصر الجدار وفق أسلوب (ورق البصل)، وذلك وفق أنماط معروفة في خربة "زرقون" في شمالي الأردن، ولا يمكن مشاهدة أي دليل على أسلوب السقف ونهاية قمة الجدران، وكان الباب الرئيسي عليه ساكف ضخم».

إن معظم الأبنية المنسوبة إلى الأسلوب الأول (الجدار أحادي الحجر) تعود إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وهذا النمط من الأبنية بالحجارة الضخمة نجدها في الصروح المعزولة التي بنيت وفق مخطط مستطيل الشكل بأبعاد مربعين، وهو يتميز بشكل أساسي باستخدام السقوف المبنية من بلاطات ترتكز على منظومة أعمدة محورية أو مستندة إلى الجدران، وهذا النظام من الأسقف يسمح بزيادة الحمولة على الأعمدة وبالتالي زيادة عدد الحجرات ومساحة المنزل، إنما لا يمكن نقله كما في حالة السقوف الخفيفة الخشبية

وفيما يتعلق بالبيوت أضاف: «استخدمت البيوت في نهاية الألف الرابع والنصف الأول من الألف الثالث ق.م. وفق مخططات الخلايا الصغيرة الأبعاد، أي وفق نظامين بنائيين مختلفين حيث يستخدم النظام الأول الجدار بسماكة حجر واحد مقصب بعناية مقبولة في خربة "الدبب" وداخل السور في خربة "الإمباشي". في حين أن النظام الثاني، في القطاع الشمالي من خربة "الإمباشي" فإنه يستخدم تقنية الجدار الطيني (المدكوك) على أساس مزدوج الوجه من الجص، مع وجود أعمدة داخلية أحياناً، ولم تترك السقوف آثاراً على الأرض. ولهذا يمكن اعتبارها غطيت بمواد خفيفة. وفي الحالين ترتكز على الجدران المحيطة، أو على أعمدة داخلية في بعض الأحيان كما في بعض بيوت "الإمباشي"، فهذه الأعمدة بلا شك كانت من الخشب والتي تدل عليها حجارة التثبيت في الأرض فقط، وهذا النوع من السقوف لا يسمح إلا بمساحات صغيرة للحجرات لأنه لا يسمح إلا بحمولات ضعيفة، وهو يسمح بالتالي بفك ونقل السقوف، وبالتالي للحصول على أخشاب السقف يفترض التردد على غابات قريبة لا يمكنها أن تكون إلا في جبل "العرب"».

منزل الامباشي من الخارج

وتابع قائلاً: «إن معظم الأبنية المنسوبة إلى الأسلوب الأول (الجدار أحادي الحجر) تعود إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، وهذا النمط من الأبنية بالحجارة الضخمة نجدها في الصروح المعزولة التي بنيت وفق مخطط مستطيل الشكل بأبعاد مربعين، وهو يتميز بشكل أساسي باستخدام السقوف المبنية من بلاطات ترتكز على منظومة أعمدة محورية أو مستندة إلى الجدران، وهذا النظام من الأسقف يسمح بزيادة الحمولة على الأعمدة وبالتالي زيادة عدد الحجرات ومساحة المنزل، إنما لا يمكن نقله كما في حالة السقوف الخفيفة الخشبية».

وفيما يتعلق بالأعمدة وأسلوب بنائها أكد: «لقد ولد نظام البناء بالأعمدة نمطين من الأبنية، فمن جهة هناك بيوت مستطيلة كما نراها في البيوت المبنية بحجارة ضخمة (الميغاليثية) في خربة "الإمباشي". وفي البيوت الطويلة في القطاع الشمالي من "الإمباشي" وفي القلاع المعزولة.. ومن جهة أخرى أبنية غير منتظمة كما في القطاع الجنوبي.

المنزل من الداخل

توافق المجموعة الأولى أبنية ترتكز على الأرض الأم، ولا تشمل سوى مستوى تنقل واحد، في حين أن المجموعة الثانية توافق أبنية نصف مطمورة بشكل طبيعي أو صنعي وتشتمل على عدة مستويات، وعلى الرغم من أن المبدأ التقني الأساسي هو نفسه لكن التصاميم المعمارية متعارضة بشكل جذري بين المجموعتين، وتعكس التحولات المعمارية تطور العقليات والتصورات الاجتماعية عبر الزمن».

وعن الفائدة التي يجنيها علماء الآثار من هذه الدراسات لكونها تعود لأزمان غابرة، أكد الدكتور "علي أبو عساف" ذلك بالقول: «إن دراسة مثل هذه المواقع في المناطق الجافة منذ الألف الرابع قبل الميلاد يسمح بدراسة المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والمعمارية خلال عصور البرونز في جنوب سورية مع توافر المعطيات حول اتساع العلاقات بين هذه المواقع والعالم الفلسطيني والأردني، إنما لا بد من توسع أعمال الدراسات الأثرية والمعمارية لهذه المواقع بشكل أكبر، حيث عملت معظم البعثات في دراسة ما أمكنها من مساحات هذه الخرب السطحية منذ عام 1857 حتى عام 1995 لمعرفة طبيعة البناء والسكن والعادات المتبعة في كل مجالات الحياة، والعلاقات مع الجوار القريب والبعيد، وما تبقى من تلك العلاقات للعصور اللاحقة».

الحلس ما زال صامداً رغم التخريب الزمني