سكنت قرية "الجنينة" عام 137 ميلادي إبان العصر الروماني ولأنها تجاور إحدى المدن الكبرى في الجبل كانت مقراً شبه دائم للقيصر الروماني وعائلته، ما جعلها متنفساً للعائلات الحاكمة في "شقا".

وقد تركت هذه البقعة من المنطقة أثراً ما زال باقياً إلى الآن، حيث بنى الرومان الذين جعلوا القرية معسكراً لجندهم المرابطين هنا لحماية القيصر معبداً ما زال أهل القرية يعبدون الخالق بين جدرانه العالية، وأرضيته المرصوفة بالحجارة، والرسومات والنقوش الجميلة التي زينت بعض الحجارة، والقناطر العالية والكبيرة التي ليس لها مثيل في المنطقة، حيث ترتفع إلى مسافة تصل لحدود سبعة أمتار بطول يزيد على الخمسة عشر متراً، وهي أربع قناطر متناظرة في البهو الكبير للمقام الذي يعتقد أنه كان كنيسة رومانية في ذلك العهد القديم، إضافة إلى ذلك يوجد أمام المقام ساحة الكبيرة مبلطة بالحجارة، وفيها بئر روماني ليس له قرار، ويتصل مع الآبار الموجودة في البلدة القديمة، ولكنه يتميز بالطول والاتساع الكبيرين».

يعتقد الأهالي أن خزنة القيصرية كانت موجودة في القرية القديمة في أحد البيوت القديمة التي ما زالت مسكونة إلى الآن، وهي بحالة جيدة في كل أجزائها، وهذا الاعتقاد مرده لوجود هذا البيت على نفس الخط النظري للقيصرية في "شقا"، وهي تضم قناطر بمنتهى الروعة محفوراً عليها تيجان وأكاليل الغار، وصلبان بأحجام مختلفة، والشيء الذي يثير الإعجاب تلك المعالف في الإسطبلات والتي تدل على سكان هذا البيت الملكيين، أو قائد الحامية أو المعسكر

يقول الشيخ المسن "هاني صالحة" عن قصة هذا المكان: «للمعبد قصة تحكى من جيل إلى آخر، فنحن نعلم أنه مكان مقدس بعد حادثة وقعت لساكنيه، حيث كان يسكنه الأخوين "علي صالحة" و"شاهين صالحة" فكان أن بدؤوا ببيع أرضهم ومواشيهم، ولم يكونوا مرتاحين في عيشهم، وهم بالأساس لا يعلمون أن هذا المكان مقدس، حتى جاء أحد سكان القرية ويدعى "حسن أبو غانم" الذي قال لهما إنه جاءه في الحلم شيخ جليل يخبره أن المكان الذي تسكناه هو مقام النبي "يحيى"، ولكن رجلاً من الأهالي راح يضرب الحجارة بقدميه ساخراً من الحلم، فمرض مرضاً غامضاً، وأصاب قدمه الغرغرينا فمات بعد مدة، وفي الثورة السورية الكبرى استشهد "شاهين صالحة" في معركة "المزرعة"، وبقي "حسين" الذي مات له أغلب أبنائه ولم يبق له سوى ولد وحيد وابنتان، وجاء نفس الرجل "حسن أبو غانم" مرة أخرى يروي حلمه الجديد الذي تضمن تهديداً بالخروج من المعبد وإلا مات جميع الأبناء، وهكذا عاد البيت من جديد يستقبل الناس الذين يعبدون الخالق الواحد، وقد بنى الأهالي مكاناً للضريح، وأكملوا البناء الخارجي، وأصبح مقام النبي "يحيى" مقصداً للزوار.

قناطر عملاقة في معبدها القديم.

يقول الدكتور "علي أبو عساف" في كتابه آثار جبل حوران: «تعتبر قرية "الجنينة" القديمة مقراً دائماً لمعسكر الجنود الرومانيين التابعين لقيصرية "شقا"، وفيها بيوت قديمة مغمورة بالبيوت الحديثة، ومعبد تحول إلى كنيسة ومن ثم تحول إلى مجلس للعبادة.

وقد وجد فيها رقم عبارة عن (حنت) في مدخل قبر طرفاه مكسوران، وتوحي كلماته الباقية على أنها نص جنائزي من السنة الثامنة عشر لحكم "مارك أوريل" أي من سنة 178 ميلادية، وقد حكم هذا الإمبراطور من 161- 180 ميلادية.

بيوت البلدة القديمة التي طالها التخريب.

وهناك نقش كتابي في حجر طرفه الأيسر مكسور، وفي السطر الخامس والسادس منه اسم "الجنينة"، وقد شملتها أحداث الصراع بين المسيحية من جهة والوثنية والرومانية من جهة أخرى في عهد الإمبراطور "جوليان" بين 361 و362 ميلادية.

وهناك نقوس وكتابات في حجر يحمل كتابات سليمة، وفيها أربعة أسطر غير مترجمة، وحجر يحمل حروفاً كبيرة وبحالة جيدة دونت عليه أسماء الأموات».

منظر طبيعي داخل البيوت القديمة.

أما فيما يتعلق بالبلدة القديمة، وما تضم داخلها، فقد أكد السيد "غازي الصحناوي" مختار القرية عنها بالقول: «يعتقد الأهالي أن خزنة القيصرية كانت موجودة في القرية القديمة في أحد البيوت القديمة التي ما زالت مسكونة إلى الآن، وهي بحالة جيدة في كل أجزائها، وهذا الاعتقاد مرده لوجود هذا البيت على نفس الخط النظري للقيصرية في "شقا"، وهي تضم قناطر بمنتهى الروعة محفوراً عليها تيجان وأكاليل الغار، وصلبان بأحجام مختلفة، والشيء الذي يثير الإعجاب تلك المعالف في الإسطبلات والتي تدل على سكان هذا البيت الملكيين، أو قائد الحامية أو المعسكر».