تعتبر الكتابات الصفائية الآثار الباقية لعدد من القبائل العربية التي استوطنت مناطق شمالي الجزيرة العربية وشرقي الأردن وجنوبي سورية أساساً، وامتدت مناطق تواجدها وتنقلها وان بدرجة أقل حتى وادي "حوران" في العراق شرقاً، و"الصالحية" أو (دورا أوروبوس) شمالاً، ومنطقة "البقاع" في لبنان غرباً، اعتباراً من القرن الثاني قبل الميلاد ولغاية القرن الرابع الميلادي.

وقد سميت هذه الكتابات العربية بالصفائية نسبة إلى جبال "الصفاة" الواقعة في الشمال الشرقي من منطقة "جبل العرب"، ويعتبر الخط الصفائي الامتداد الشمالي الأخير للخط المسند في اليمن وتطور عنه.

في عام 1997 وبمساعدة معهد الآثار الألماني في "دمشق" وبتوجيه من المديرية العامة للآثار والمتاحف قمت بإجراء بحث ميداني عن الكتابات الصفائية في مجمل قرى المحافظة المسكونة واستطعت اكتشاف حوالي 400 كتابة صفائية في مختلف أنحاء المحافظة، وقد نشرت نتائج هذا البحث باللغة الألمانية بعنوان (كتابات صفائية من جبل العرب) في عام 2000 . بين عامي 2006 و2007 قمت باستكشاف منطقة غربي "النمارة"، واستطعت اكتشاف أكثر من ألفي كتابة صفائية وعربية وسيطة، إضافة إلى العديد من الرسوم الحجرية المختلفة، ليقوم السيد "غازي علولو" رئيس دائرة آثار "معرة النعمان" باستكشاف منطقة "وادي السوع" الواقعة إلى الجنوب الشرقي من "الزلف" في عام 2007 واستطاع اكتشاف المئات من النقوش الصفائية الجديدة

المهندس "وسيم الشعراني" مدير الآثار في "السويداء" تحدث لموقع eSuweda عن بداية ظهور الكتابات الصفائية قائلاً: «المكتشف الأول للكتابات الصفائية هو الانكليزي "سيريل غراهام" الذي زار منطقة "الحرة" السورية عام 1857 م، وأخذ معه بعض صور تلك الكتابات إلى أوروبا، وفي عام 1858 م زار المنطقة قنصل بروسيا في "دمشق" السيد "يوهان فتزشتاين" ونقل من رحلته تلك صوراً لما يقارب 379 نقشاً كتابياً،

غزالة ترضع وليدها

وفي عام 1862 م قام الباحثان الفرنسيان "دوفوغويه وف" و"ادينغتون" بزيارة المنطقة وقاموا بنقل 402 كتابة صفائية، ونشروها فيما بعد في كتابهم (سورية الوسطى).

بين أعوام 1899و1901 قام الباحثان الفرنسيان "رينيه ديسو" و"فريدريك ماكلير" بزيارة منطقتا "الحرة" و"الرحبة" السوريتين، وقاموا بنقل عدد كبير من الكتابات والرسوم الصفائية وبلغ عددها 1300 نصاً، قام بقراءتها الباحث الألماني "آنو ليتمن" في عام 1901 م الذي برهن بما لا يقبل الشك على أن النقوش كتبت بحروف سليمة عربية جنوبية، وقد ضمنوها كتبهم التي نشروها فيما بعد».

الباحث "حسين زين الدين"

أما عن بقاع انتشارها في سورية، وأعمال التنقيب التي أجريت مؤخراً، تابع قائلاً: «تألفت عام 1995 بعثة سورية بريطانية مشتركة بإدارة السيدة "منى المؤذن" أمينة المتحف الإسلامي "بدمشق"، والسيد "مايكل ماكدونالد" من جامعة أكسفورد في بريطانيا، سعت إلى مسح المواقع التي زارها "آنو ليتمن" فأحصت النقوش التي لم ينشرها ليتمن وركزت اهتمامها على موقع "العيساوي" في "الرحبة" فجمعن مئات النقوش التي لم تنشر ومازالت البعثة جادة في نشرها ويعمل في هذا الجانب الأستاذ "حسين زين الدين" من دائرة آثار "السويداء".

أما عن بقاع انتشارها كانت البادية الشامية من حوض "الفرات" في الشمال إلى منطقة "تدمر" في الوسط، إلى "الحرة" ومعها "وادي حوران" و"الرطبة" في الجنوب، وفي هذه المنتجعات ترك لنا البدو نقوشاً جنائزية فوق لحودهم التي تعلوها الرجمات، ونقوشاً تذكارية تشير إلى نجوعهم الفردية والجمعية، وإن كانت البادية الشامية هي مركز تجمع النقوش التي عثر عليها هنا، وهناك في مواقع منفردة على نقوش صفائية شحيحة امتدت بين البادية وجبال لبنان الشرقية القريبة من البادية، أما في الجنوب فقد امتد انتشار المواقع الصفائية إلى "واحة الجوف" المعروفة بالنقوش القديمة باسم "هادومات"، غير أن النقوش التي أفادتنا بالمعلومات الموثقة عن سياسة ملوك الأنباط ووجدت في هذه الواحة الهامة فقد ضاعت وبقيت منها مجموعة صغيرة».

من الكتابات المكتشفة

الباحث "حسين زين الدين" تحدث عن النتائج التي توصلت لها البعثة، لكنه تحدث بداية عن الأعمال التي سبقت البعثة بقوله: «يعتبر الباحث الألماني "آنو ليتمن" أكبر باحثي الكتابات العربية القديمة وخاصة الصفائية حيث نشر أكثر من 1400 كتابة صفائية في كتابه (الكتابات الصفائية )، إثر رحلة علمية قام بها إلى المنطقة عام 1900 م وفي عام 1904 م.

الباحث الفرنسي "موريس دونان" زار المنطقة عام 1929 م وقام بمساعدة زوجته بنقل أكثر من2600 كتابة صفائية تم نشرها فيما بعد في (مدونة النقوش الصفائية )، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية انتقل مركز الثقل في البحث عن الكتابات الصفائية إلى الأردن، حيث تم حتى الآن نشر أكثر من 12000 كتابة صفائية من مناطق الأردن المختلفة، بينما توقف عدد الكتابات المختلفة في الأراضي السورية عند حدود 6400 كتابة باستثناء بعض الكتابات المنشورة من قبل الدكتور "علي أبو عساف" في الحوليات الأثرية العربية السورية من عام 1973 لغاية 1975.

في عام 1995 تم تشكيل بعثة بريطانية سورية مشتركة برئاسة السيدة "منى المؤذن" والسيد "مايكل ماكدونالد"، مهمتها إعادة قراءة النقوش الصفائية في أماكن اكتشافها الأولى، في موسمها الأول عام 1995 قامت البعثة المذكورة باستكشاف المواقع المختلفة للكتابات ونقلت منها المئات من الكتابات المنشورة سابقاً والجديدة.

اعتباراً من عام 1996 تم اختيار موقع "العيساوي" أحد أكبر مواقع الكتابات الصفائية في سورية وأهمها، للعمل فيه ونقل كافة كتاباته ورسومه، وقد احتاج هذا العمل إلى أربعة مواسم كاملة وهي 1997، 1998، 2000 و 2002، حيث بلغ عدد كتابات ورسوم الموقع المذكور الأربعة ألاف، يجري الإعداد الآن لنشرها.

كما قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف عام 1996 بتشكيل بعثة سورية- فرنسية انكليزية مشتركة لحماية منطقة "النمارة"، حيث استطاعت البعثة نقل وقراءة أكثر من 600 كتابة صفائية مهددة في منطقة "سد الزلف" و"النمارة"».

وعن جهوده الشخصية في العمل، تابع: «في عام 1997 وبمساعدة معهد الآثار الألماني في "دمشق" وبتوجيه من المديرية العامة للآثار والمتاحف قمت بإجراء بحث ميداني عن الكتابات الصفائية في مجمل قرى المحافظة المسكونة واستطعت اكتشاف حوالي 400 كتابة صفائية في مختلف أنحاء المحافظة، وقد نشرت نتائج هذا البحث باللغة الألمانية بعنوان (كتابات صفائية من جبل العرب) في عام 2000 .

بين عامي 2006 و2007 قمت باستكشاف منطقة غربي "النمارة"، واستطعت اكتشاف أكثر من ألفي كتابة صفائية وعربية وسيطة، إضافة إلى العديد من الرسوم الحجرية المختلفة، ليقوم السيد "غازي علولو" رئيس دائرة آثار "معرة النعمان" باستكشاف منطقة "وادي السوع" الواقعة إلى الجنوب الشرقي من "الزلف" في عام 2007 واستطاع اكتشاف المئات من النقوش الصفائية الجديدة».

وبالحديث عن أهمية هذه النقوش وما تؤخره، أضاف: «تنبع أهمية هذه الكتابات من أنها تقدم لنا معلومات تاريخية هامة عن تلك الحقبة الزمنية وخاصة عن استيطان تلك القبائل العربية في المنطقة وعباداتهم وحلهم وترحالهم وعلاقاتهم بالقوى المحيطة من الرومان والأنباط والتدمريون.

هناك جدل كبير بين الباحثين الأوروبيين حول تحضر أو عدم تحضر هذه القبائل العربية، خاصة وأن غالبية الكتابات المكتشفة حتى وقت قريب كانت في المناطق الصحراوية ومن هنا تأتي أهمية اكتشاف كتابات صفائية جديدة في مناطق الحضر، لإثبات أن تلك القبائل قد تحضرت في مراحل زمنية مختلفة، هذا إضافة لبعض الإشارات والكلمات القليلة الواردة في الكتابات نفسها حول الزراعة وتربية الأبقار، والكتابات ثنائية اللغة (يونانية – صفائية) أو (نبطية – صفائية) أو بعض الرسومات المرفقة بالكتابات التي تدل على الأعمال الزراعية.

يعتقد أن الكتابات الصفائية تتوقف عند نهاية القرن الثالث الميلادي، حيث لم يلاحظ أي إشارة مسيحية في هذه الكتابات.

وإذا سألنا أين ذهبت تلك القبائل؟ ولماذا توقفت عن الكتابة فجأة؟ نجد أن الأسئلة تتناول الكتابات النبطية والثمودية واللحيانية وكتابات الحضر في العراق، ومن هنا يعتقد بعض الباحثين أن هذا التوقف دليل على تحضر هذه القبائل واندماجها في المجتمع الحضري وأخذها اللغة اليونانية، وهي اللغة السائدة آنذاك كلغة كتابة، وقد بقيت اللغة العربية لغة محادثة على الأرجح».

وأم ما اكتشف في الكتابات الصفائية هو أسماء الآلهة التي عبدت في ذاك الزمان، وتدوين لأهم أسماء القبائل، وعنها أضاف: «عبد عرب الصفاة العديد من الآلهة العربية المعروفة قبل الإسلام، حيث يمكننا تقسيم آلهتهم لثلاثة أقسام رئيسية:

*آلهة عمومية: عبدت من قبل العديد من القبائل العربية قبل الإسلام ومن قبل الشعوب المجاورة، وهذه الآلهة هي: اللات، الإله، رضو (الرضي)، ذو الشراة، شيع القوم، بعل شمين، يثع، رحيم، شمس.

*آلهة محلية: وهي عبارة عن آلهة مكانية ترتبط بمكان معين مثل: لات "النمارة" نسبة إلى تلة "النمارة" في "وادي الشام"، ولات أسيس نسبة إلى جبل سيس، ولات دثن نسبة إلى مكان غير معروف لنا حتى الآن.

*آلهة قبلية: وهي عبارة عن آلهة ترتبط بالجد الأول لقبيلة من القبائل أو ما يسمى بعبادة الأجداد، الآلهة المعروفة منها حتى الآن هي: جد عوذ، جد ضيف، جد وهب ايل، جد عم، جد زمهر.

أما عن القبائل، فقد كان عرب الصفاة، شأنهم شأن كافة العرب آنذاك منظمين تنظيماً قبلياً، وهو ما انعكس عملياً في كتاباتهم بذكرهم لقبائلهم الأم التي ينتمون إليها أو لإحدى بطونها أو للاثنتين معاً الأصل والفرع.

وأهم القبائل التي ورد ذكرها في الكتابات هي: أشلل، أصر، بدن، بعر، تيم، جر، حبق، حج، حظي، دأف، رضي، رفأت، روح، زهر،سلم، شأم، صأر، ضيف، طيئ، عبد، عبيشت، عمرت، عويذ، فصمان، قشم، قمر،كون، ماسكة، منى، نغبر، هذر، يظر».