في منزله الكائن في قرية "أم الزيتون"؛ يقتني السيد "جمال مهنا" عدداً كبيراً من أدوات الإنارة يعود بعضها إلى زمن الاحتلال العثماني، وما زال صالحاً للعمل، والمفاجأة في تلك المجموعة الجميلة تلك السرج الصغيرة المخصصة لأماكن محددة.

مدونة وطن "eSyria" جالت في منزل السيد "جمال مهنا" يوم الخميس الواقع في 26 كانون الأول 2014، فتحدث عن الهدف من اقتناء هذه المجموعة في منزله بالقول: «أعيش مع الماضي كأني ولدت في ذلك الزمن، وهي حالة تحولت إلى هواية جميلة أمارسها في كل لحظة، فأنا مولع بكل قديم يذكرني بالأجداد وزمن البساطة، وما أملكه من هذه الأدوات يمكن استعماله بسهولة لأنه ما زال صالحاً على الرغم من عمره الذي يعود لعشرات السنين، وقد جربت استعماله في المنزل عند انقطاع الكهرباء، ولا أنكر أن بعض هذه الأدوات مزعج في استعماله داخل المنازل الحديثة، ولكن التجربة كانت مفيدة لمعرفة مكان استعماله».

كانت بعض القطع تحتاج فقط للصيانة من قلة الاستعمال، وأخرى فيها نقص بالتجهيز من السدادة والبلورة والفتيل وأخرى قمت بتنظيفها وتلميعها حتى يصبح منظرها مقبولاً، ولكن ذلك كله بسيط وسهل ولا يحتاج لجهد كبير، وعند الحاجة للضوء أقوم بتحبير (اللوكس) وتشغيله بكل سهولة

لم يكتفِ "مهنا" بالأدوات القديمة التراثية فقط، بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما بحث عن قصة بعضها أثناء جمعها، حيث يقول: «جمعت هذه الأدوات من مناطق مختلفة في القرى القريبة من سكني، ومن بعض الأصدقاء الذين قاموا بإهدائي بعض من هذه المجموعة، فالفوانيس كانت من "أم الزيتون" و"شهبا" و"صلخد" و"المتونة"، وهناك (لوكس) حصلت عليه من لبنان من شخص كبير في السن قال إنه وجد في باخرة غرقت في بحر المتوسط في ستينيات القرن الماضي وخرج في شبكة صيد كبيرة مع عدد من اللقى، وقد انتشرت هذه القصة في الإعلام اللبناني آنذاك، ومن الأدوات التي كانت تستخدم في "جبل العرب" منذ زمن الرومان واستمرت حتى الاحتلال العثماني وأطلق عليه العامة "سراج الغولي" وهو قطعة صغيرة كان يوضع في "طاقة" بجدار المنزل لتجميع (الشحوار) أو (الشحتار)، وكان يستخدم من أجل الكتابة لعدم توافر الأقلام والمحابر العادية، أما أجمل القطع التي اقتنيتها فهو الفانوس العثماني المصنوع من مادة التنك والزجاج وكان يوضع في المضافات، ويستخدم في إنارة الشوارع، والشخص الذي يشعله يسمى "الدومري"، واستخدم أيضاً أثناء الاحتلال الفرنسي، وهناك قصة مشهورة عنه في ذلك الزمن عندما كان يحكم الجبل الضابط الفرنسي سيء الذكر "كاربييه" الذي غرم أهالي مدينة "السويداء" بعشر ليرات ذهبية نتيجة كسر هذا الفانوس في أحد الشوارع القريبة من السراي، وهناك الأدوات المعروفة مثل (الكاز) والشمعدان وتوابعهم مثل: (المزيتي، والنكاشي، والمحقان، والعيار الذي يوضع فيه الكاز والسبيترو للمساعدة على الإشعال)، ومن أهم القطع التي حصلت عليها (الكانون)؛ وكان يستخدم أماكن العبادة، وأعتقد أن هناك الكثير منه في أماكن العبادة القديمة المتواجدة في التلال العالية».

الفانوس القديم

وعن كيفية استعمال هذه الأدوات ومدى صلاحيتها للواقع الحالي أضاف: «كانت بعض القطع تحتاج فقط للصيانة من قلة الاستعمال، وأخرى فيها نقص بالتجهيز من السدادة والبلورة والفتيل وأخرى قمت بتنظيفها وتلميعها حتى يصبح منظرها مقبولاً، ولكن ذلك كله بسيط وسهل ولا يحتاج لجهد كبير، وعند الحاجة للضوء أقوم بتحبير (اللوكس) وتشغيله بكل سهولة».

أما الشاعر الفنان "فؤاد الورهاني" المتعلق بكل ما هو قديم وتراثي، فقد أوضح عما يمتلكه السيد "جمال مهنا" في بيته من أدوات الإنارة بالقول: «ما تراه في هذا المنزل نادر الوجود، فهو يمتلك سرجاً يعود بعضها إلى مئات السنين، منها ما هو مخصص لوضعه في (الطوقّ) أو في مخازن "التبن" وبيوت الحيوانات، وكذلك الكوانين و(اللوكس) والكاز، وكنا نقول في السابق (حبّر الكاز) وليس عبء الكاز، وقد أتت من الحاضنة الموجودة في هذه الأداة أو مثل الأداة التي توضع فيها الحبر، ومن وحي هذه الأدوات المتواجدة في منزل صديقي "جمال مهنا" كتبت هذه القصيدة عن أشياء قد تكون منسية لدى بعضهم:

فوانيس الطرق أيام الاحتلال الفرنسي.

"عاسرج ضوو قبل ما كنا.... كانوا وصارو في خبر كنا

الصانع توفى والزمن دولاب.... لحظة مقدرو يقلو استنا

السرج القديمة.

عن هالسرج يحكى حدا بإسهاب.... ويرسم تحف جمال المهنا

رحنا لعندو بسرعة المطلاب.... بإم الزيتون نسأل عن البنا

ولما طرقنا عا جمال الباب.... جاوب النشمي ولحظة ما أنى

خّير كريم وزقحة المزراب.... صب السمن عا منسفو وهنا

غبنا يا ناس بزهوة الإعجاب.... ولولا العجايب عندو ما غبنا

يصلح يعالج يرقع المنصاب.... ومقص بادح شفرتو يسنّا

وبإيدو تحفي يفركا بطراب.... قلي لمشعت كيف بتهنا

لمعت ذهب شفتا وكنا قراب.... وتوج وج وتسمعوا رنا

ومخلاي هوني وحدى جراب.... ومنكوش قديم في للمطخ قنا

ودلي هجرها البن وفي أسباب.... وفنجان صابر عاعطش بنا

وينفض خبار الهجر علي ناب.... عن بصر صاحب ما شبع منا

وعا طبق صنع وياما نزاد.... كازات هوني وانطفى ونّا

لكوسي وفنوس وصايبن سرساب.... قالولي كهرب هون ما بنا

يا ناس ضوينا لكن أحقاب.... مين اللي عن هالرف نزلنا

لكن جمال إفضل علينا وثاب.... ومن عتمة النسيان لملمنا

والكهربا بدى دفع وحساب.... وفر فلوسك بالغنى عنا

نحنا جماعة بيقليل زهاب.... من غير مصاري النور قدمنا

وساعتها قولوا للمدير الجاب.... كهربتو ياخذها ويحل عنا"».