وأنت تتنقل بين زوايا منزل الفنان "غازي حمزة" تنسى أنك في بيت للسكن، وتظن نفسك في متحف متعدد الأجنحه، أصحابه يتنقلون معك في كل خطوة تخطوها، وكأنهم جزء من اللعبة!.

بشعره الأبيض وقامته العالية يستقبلك "حمزة" ممتناً بحضورك، ويتركك تنتشي بعبق الماضي متنقلاً بين أدوات تراثية مضى عليها ما يقارب المئة والخمسين عاماً، وبين اللوحات الفنية التي رسمها لشخصيات تركت بصمات في الحياة السياسية السورية، والعالمية، وبين الأزياء الشعبية القديمة التي انقرض بعضها وسط التطور الحضاري المتسارع.

في الحقيقة أن ما يقوم به هذا الرجل كبير، ويستحق التقدير، وقد أصبح متحفه من معالم القرية الأساسية، وبجهوده الكبيرة حوّل "دوما" إلى مزار دائم يؤمه الناس من السويداء والمحافظات السورية، ونحن في البلدية على تواصل دائم معه، ونساعد ضمن الإمكانيات المتوافرة، وقد شاركنا في تنظيم المعرض الذي أقامه احتفاء بالجلاء، أما بخصوص المتحف الذي يتمنى قيامه فهي أمنية نرجو أن تتحقق، ونحاول ما بيدنا أن ترى النور في القريب العاجل، خاصة أنه لا يبغي مجداً شخصياً من ورائه، بل أن تكون للناس والأجيال القادمة

في قرية "دوما" التي تبعد مسافة 17 كيلومتراً عن مدينة "شهبا" تقاطر مئات الأشخاص من المحافظة لرؤية المتحف الذي يحلم صاحبه أن ينتقل إلى مكان أرحب، وأكثر اتساعاً من بيته المتواضع، وكانت مناسبة للاحتفال بذكرى الجلاء، «فهل أغلى من التحرر والحرية» كما قال "غازي حمزة" لموقع eSuweda عن مناسبة افتتاحه لمتحفه، وكيفية جمعه لأدواته، وأكد: «أنا لا أطلب الشهرة، ولا المجد، فالشهرة للوطن وللذين أعطوا بلا مقابل، ودون أن ينتظروا منة من أحد، وجهدي هذا متواضع اتجاه الدماء التي سالت في كل سورية أيام الاحتلال، فمن أنا أمام شهيد خرج من بيته طالباً الدفاع عن أهله وأبنائه من غاز طامع وحقود، وعاد على الأكف!.

اللباس التراثي لنساء السويداء

أما كيف جمعت أدوات هذا المتحف فهي قصة طويلة امتدت لثلاثين سنة كاملة في البحث والتنقيب عن كل ما يمت إلى الماضي السحيق، وكل ما يتعلق بعمل الإنسان والأدوات التي استخدمها في أعماله بالأرض وفي حياته اليومية العادية، وأثناء هذه الرحلة الطويلة كان لكل قطعة من هذا المعرض قصة تستحق أن يشار إليها بعد أن وصلت لمرحلة متقدمة من الخلاص لهذا المشروع الكبير، فالهدف من جمع التراث المادي الذي أسعى إليه مع عدد من الأشخاص الذين يساعدونني في عملي الحفاظ على ما تبقى منها من أجل الأجيال القادمة، فنحن نعرف كل هذه الأدوات بحكم السن، ولكن أولادنا لا يعرفون شيئاً عن مكنة فصل القمح عن التبن مثلاً، وهي تسمى مكنة (الذراوة)، وهنا كل ما يتعلق بأدوات صناعة القهوة المرة منذ أن دخلت إلى الجبل، بالإضافة إلى أدوات الطبخ المتعددة وخاصة ما يتعلق بالأدوات التي تستخدم في الأعراس والولائم الكبيرة، أما ما يتعلق بالأسلحة الحربية التي كان الثوار يستخدمونها في حروبهم مع الاحتلال العثماني والفرنسي فلها ركن كبير من البيت، وقد طعمته بكل ما كانوا يستخدمونه في حروبهم مثل السيوف والسكاكين والمقالع، وهناك جزء مهم يتعلق باللباس التراثي الذي كانت نساء الجبل يرتدينه، ومنه ما انقرض مثل (الدامر) الذي كان يلبس فوق الزي العربي، وكان من أهم القطع التي تفتخر المرأة بصنعه».

وعن الرسم واللوحات الفنية التي تزين معظم أرجاء المنزل، وخاصة تلك المتعلقة بالأشخاص، قال: «أنا هاوي فن، ولست فناناً، وهي موهبة خلقها الله معي على الرغم من عدم إكمالي لتعليمي الابتدائي، وفي الحقيقة أعتبر نفسي أمياً لعدم استطاعتي أن أواكب العلم، والسبب يرجع للفقر الشديد الذي غلف حياتي منذ بدايتها، وقد حاولت التعويض عن هذه الحالة بالرسم التقليدي ودون مساعدة من أحد، وأصبح رسم الشخصيات التاريخية هاجس دائم وخاصة تلك التي بصمت في المجتمع السوري المعاصر مثل القائد الخالد "يوسف العظمة، والمجاهد الشيخ "صالح العلي" والمجاهد الكبير "إبراهيم هنانو" وقائد الثورة السورية الكبرى "سلطان الأطرش"، وقد خصصت جزءاً كبيراً من الوقت لرسم شخصيات عالمية تقديراً لها على ما أنتجته للبشرية، وهي على كل حال محاولة ليس إلا لكي يكون المعرض شاملاً لكل ما يتعلق بسورية وأهم مبدعيها، والأشخاص الذين أثروا بشكل أو بآخر في الحياة العامة للناس».

لوحات لمجاهدي سورية

يتكلم "حمزة" مع الناس عن كل قطعة معروضة، (تاريخها وكيف حصل عليها، وعن مكانها الأول، والثمن الذي دفعه (معنوياً) لجلبها، وقال: «عانيت كثيراً قبل أن أصل لمرحلة العرض، فكل قطعة معروضة تمثل قصة تروى، وخاصة تلك المتعلقة بأدوات الإنسان في الحراثة والحصاد وما يتبعه، حيث لاحظت أنها اندثرت بسرعة كبيرة، وهناك تجار التحف والقطع النادرة الذين سبقوني بكثير لشرائها والمتاجرة بها خارج المحافظة والقطر، وأنت تفاجأ من وجود بعضها في بيوت أصحاب الملايين وحدائقهم في بعض الدول العربية معروضة هناك من أجل غايات لا تتعلق بحفظها، وبعد جهود كبيرة لإقناع أصحابها أنها لمعرض وليس للتجارة ومع ذلك دفعت أموالاً باهظة في كثير من القطع، على الرغم من معرفة الناس أنني أعمل في مهنة يدوية، وأعتمد على ذراعي في جلب الأموال، وقد ارتحت في فترات قصيرة من العناء عندما يأتي أناس لحفظ تراث أهلهم ويقدموا لي أدوات غاية في الروعة من أجل عرضها».

المحامي "شافع حمزة" الذي يشغل رئيس البلدية في قرية "دوما" قال عن الأعمال التي يقوم بها الفنان "حمزة"، ومدى التعاون من قبل البلدية معه: «في الحقيقة أن ما يقوم به هذا الرجل كبير، ويستحق التقدير، وقد أصبح متحفه من معالم القرية الأساسية، وبجهوده الكبيرة حوّل "دوما" إلى مزار دائم يؤمه الناس من السويداء والمحافظات السورية، ونحن في البلدية على تواصل دائم معه، ونساعد ضمن الإمكانيات المتوافرة، وقد شاركنا في تنظيم المعرض الذي أقامه احتفاء بالجلاء، أما بخصوص المتحف الذي يتمنى قيامه فهي أمنية نرجو أن تتحقق، ونحاول ما بيدنا أن ترى النور في القريب العاجل، خاصة أنه لا يبغي مجداً شخصياً من ورائه، بل أن تكون للناس والأجيال القادمة».

الناس مع الفنان حمزة وخلفهم أسلحة حربية

لا حلم يدغدغ مخيلة الفنان "غازي حمزة" سوى بناء متحف لما جمعه حتى الآن، ويؤكد لموقعنا أن الأرض جاهزة، وهي من ممتلكاته الشخصية، وهو مستعد للتنازل عنها لأي جهة تتبنى بناءه، فهل يتحقق الحلم؟.