بقيت عادة (دور الحليب) متداولة في "جبل العرب" حتى بداية التسعينيات، وهي جمعية يومية أو أسبوعية بين نساء الحارة الواحدة لضعف كمية الحليب، وعدم وجود البرادات المناسبة، وهي تتم بمقاييس بدائية طريفة، ويخرج منها العديد من المنتجات الغذائية التي تكفي موسماً كاملاً.

مدونة وطن "eSyria" التقت السيدة "نايفة الصحناوي" يوم الثلاثاء الواقع في 4 تشرين الثاني 2014، وهي المولودة في قرية "الجنينة"، حيث تحدثت عن هذه العادة بالقول: «هذه العادة كانت متوارثة منذ القدم، وأغلب بيوت القرية كانت تشترك بجمعيات الحليب أو دور الحليب أو المقارضة، وهو مقتصر على حليب البقر فقط، ولا علاقة لحليب الماعز والأغنام بالدور، والدور يبدأ عادة بعد الربيع لعدة أسباب أهمها: قلة الحليب في البيت الواحد الذي يعتمد على بقرة واحدة أو اثنتين، والسبب الثاني الذي لا يقل أهمية عن الأول في عدم وجود كهرباء ولا برادات في البيوت لحفظ الكميات الصغيرة، وبهذه الطريقة تستطيع النسوة جمع كميات كبيرة من عدة بيوت في بيت واحد، وكان الحليب يحسب بطرائق شتى حسب الاتفاق بين الجارات؛ حيث كن يستعملن وعاءً خشبياً يتسع لليتر واحد من الحليب، وعليه يبدأ القياس، وإذا لم يكتمل الليتر الأخير تقوم السيدة بقياسه بواسطة خشبة توضع عليها علامة، على أن يتم إكماله في اليوم التالي، على أن يتم تعليم الكمية لكل مشتركة على (حيط البيت) بواسطة طبشورة أو حجر، وإعلامها بكميتها لحفظها، وكان بعض النسوة يستخدمن الكف والمفصل للقياس، فالكف يقاس حتى نهاية الإبهام، والمفصل من إصبع السبابة. مع عبارة معلنة لصاحبة الحليب: (صاروا ثلاث قدرات ومفصلين مثلاً)، وصاحبة الدور تقوم برد المقدار ذاته بعد أن يأتي الدور على جارتها».

"لما كان دور الحليب... والنسا عمال تجيب... بيقارضو تايحرزو الترويب... عمتي أم نجيب... جابت الحليب... وجايبي بالكيلي... كم كمشة زبيب... تترجع الماعون فاضي! قال عيب...! حطت قياسا بالسطل.. وقالت قريب.. ولما الشمس صارت تغيب.. روبت إمي الحليب وغطتو.. من بعد ما بالجف كلو صبتو.. وشي ساعا وهي تخض حتى صفتو.. طلعت الزبدي وبي إيديها شالتو"

أما السيدة "منيرة قرقوط" المولودة في قرية "البثينة"، فتحدثت عن الأعمال التي كانت تقوم بها السيدات عندما يأتي دور الحليب على إحدى المشتركات بالقول: «يوضع حليب الدور في (الدست) وهو قدر كبير مصنوع من النحاس، ويوضع على نار الحطب حتى يغلي تماماً، وتتركه حتى المساء حيث تقوم (بترويبه) بواسطة (المنفحة) أو قطعة الدور، وهي قطعة لحم صغيرة مأخوذة من جوف رضيع الغنم المعروف أنه هالك أو سينفق، التي تلف بقطعة قماش ويربط فيها من الأعلى خيط رفيع وتلف هذه القطعة كل البيوت من أجل (الروبة)، وفي صباح اليوم التالي تقوم بنشل الخاثر وتصبّه في الجف الكبير المصنوع من جلد التيس أو العجل الذي لا يزيد عمره على سنة، وبعد ساعة من الخض إلى الأمام والخلف تفتح الجف وتخرج الزبدة من الخضيض، ويصبح الخضيض (شنينة) حيث تقوم بوضعه في الكيس المخصص لصنع اللبن، فيتم وضعه على صخرة كبيرة تحت الشمس، حيث يبدأ المصل السيلان من الكيس.

الآن الحليب يوضع في أواني بلاستيكية في البراد.

أما الزبدة فتوضع على النار من أجل استخراج السمن العربي، على أن توضع معها كمية من البرغل لامتصاص الأحماض والمصل المتبقي في الزبدة، وهو يسمى (الذوبي) أكلة شعبية طيبة المذاق. أما اللبن فبعد أن يشتد ويصبح جاهزاً للأكل تقوم صاحبته بصنع أقراص منه وتنشيفه تحت أشعة الشمس حتى يتحجر ليصبح (كثا)، وهو يستخدم في الشتاء من أجل "الملاحية، والشيش برك" بعد (مرسه) بالماء الفاتر. وبهذه العملية (أي دور الحليب) يمكن تأمين موسم الكثاء واللبن والجبنة والسمن العربي».

يقول الشاعر "فؤاد الورهاني" عن هذه العادة: «"لما كان دور الحليب... والنسا عمال تجيب... بيقارضو تايحرزو الترويب... عمتي أم نجيب... جابت الحليب... وجايبي بالكيلي... كم كمشة زبيب... تترجع الماعون فاضي! قال عيب...!

غلي الحليب على الغاز بدل الحطب.

حطت قياسا بالسطل.. وقالت قريب.. ولما الشمس صارت تغيب.. روبت إمي الحليب وغطتو.. من بعد ما بالجف كلو صبتو.. وشي ساعا وهي تخض حتى صفتو.. طلعت الزبدي وبي إيديها شالتو"».

رسم لدور الحليب بقلم "فؤاد الورهاني".