تعامل أهالي "جبل العرب" مع اللهجات بطريقة المواءمة للحياة الاجتماعية والأدبية، وفسحت المجال للاجتهادات اللفظية أن تأخذ دورها في المعيش اليومي.

حول مسيرة اللهجة وكسر الأحرف، مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 10 كانون الأول 2019 التقت الباحث التراثي "محمد جابر" الذي بيّن قائلاً: «إنّ لهجة أهالي الجبل شذبت بعض الشيء، وألقت عنها أثقالاً لغوية، وإذا أمعنا النظر في مفرداتها اللغوية فإنّنا نجد في العامية منها الإعلال والإبدال والإمالة والتصريف والقلب والإدغام والزيادة والحذف والتقديم والتأخير بشكل عشوائي، لأنّهم استسهلوا اللهجة، وقد عمت كلّ قرى "الجبل" وعرفوا بها، على الرغم أنهم تخلصوا من بعض لهجات القبائل التي انحدروا منها، ولكن ما زال من اللهجات بقية تتداول وهي ذات فروق بين مكان وآخر أو قرية وأخرى، ومنها (التلتلة)، التي تعني كسر أول حروف المضارعة، وهي لهجة قبيلة "بهراء" اليمنية، وهم يستعملونها إلى يومنا، فيقولون على سبيل المثال: (تِعلَم، وتِكِتب بكسر التاء)، وهناك كسر لأول الأسماء، ونجدهم يخالفون بعض القبائل "العدنانية" مثل "أسد" و"قيس" في كسر أول الأسماء مثل: (سِعيد، وشِعير، وجِديد)، فيقولون: (سَعيد، وجَميل) بفتح أوله، ويسكنون أوائل الكلمات فيقولون: (شعير، وجديد)، وهناك مثال ثالث من لهجتي قبيلتين إحداهما "يمنية" وهي "طي" والثانية "عدنانية" وهي "عامر" إذ تقلب كل منهما الياء ألفاً، تقول "طي": بقى يبقى، وتقول "عامر": قَلَى يَقلَى، وفي حديثهم اليومي يقولون: بَقالو، وبقيلو، وبقى بدلاً من بقيَ، وشاهده من بعض غنائهم:

من المعلوم أنّ سكان "جبل العرب" هم من قبائل عربية مثل "طي وعدنان ولخم" وغيرها، ولديهم من اللهجات المحلية ما يجعل كسر اللغة بالأحرف والكلام والأسماء بشكل واضح، وبالتالي يتمّ تداول مفردات عاشت مع الحياة اليومية والاجتماعية غالباً دون معرفة جذورها وأصلها، ولكن العديد من أفراد المجتمع يتداولون الألقاب مثل (أبو خني، والأقرط، والألثغ، وأيضاً أبو تاتأة)، جميعها عيوب في اللسان ولكنها تعود على أصحابها باللقب الاجتماعي، وهي بالحقيقة تدخل في كسر اللغة والأحرف والأسماء، وباتت جزءاً من حياتنا اليومية، وتأخذ منحىّ آخر إيجابياً في مفهوم العلاقة المتسامحة بمعنى أنّ الألقاب جاءت نتيجة لعلاقة ودية تتضمن المحبة والاحترام، ولكن من باب الهزل والسخرية أخذ الناس يلقبون بعضهم بعضا بها كما أشرنا سابقاً

شو بَقَالَك يالحبيب شو بَقَى اليوم فُرقاكن وآميِت اللَّقا

الباحث محمد جابر

وفي الشاهد فتحوا اللام في كلمة اللقاء ورخموها، وفي "الجبل" يكسرون أول الفعل الماضي للمؤنث المفرد نحو: "عملت، لعبت، وللمثنى ولجمع الجنسين: عملوا، لعبوا، كذلك يستخدمون في بعض اللهجات والأشعار والأغاني (الاستنطاء) أي جعل العين الساكنة نوناً، وهي لهجة أهل "اليمن" من "سعد بن بكر" و"الأزد" و"قيس"، و"هذيل" العدنانية، فيقولون: انطى بدلاً من أعطى، وشاهده قول: "حمود صلاح الحناوي" من فن "السحجة":

وأن كنك تريد الزود انطيك مشطر هنود

الإعلامي منهال الشوفي

وأيضاً يقول "عبد الكريم الهادي" من فن "السحجة":

يا بي من العمر زيدي وانطي من عمري وزماني

وقوله وأنطي أنما أراد وأنطيه لكنه حذف الهاء لاستقامة الوزن».

وتابع الباحث "محمد جابر" بالقول: «وهناك من لهجات "اليمن" ما يستخدم في "الجبل" في النثر والشعر العاميين، مثل (القطعة) ووردت في اللسان (القطعة) بالفتح لهجة قبيلة "طي" اليمانية وهي قولهم: (يا بلحكم) بدلاً من (يا أبا الحكم).. فيقطعون كلامهم وهو مجاز، وفي "الجبل" يستخدمونها في إيمالة الألف إلى واو مثل : (يا بو العيون السود، يا بو الحكم، أو يم الخدود الحمر) وثمة مثال من فن "الفن" :

يم الشكي والغازي بين العيون

كان فهمتي ألغازي منك ممنون

ومن لهجة "قيس" يستخدمون (التضجع)؛ أي إمالة الحرف إلى الكسر مثل: (سالي) بدلاً من "سالة" و(الرشيدي) بدلاً من "الرشيدة"، و(حلوي) بدلاً من حلوة، و(زكيي) بدلاً من زكية، و(عظيمي) بدلاً من عظيمة، وغير ذلك كثير، ويبدلون الياء من الهاء كقولهم: (معنقيي) بدلاً من "معنقية" ومعناها من عتاق الخيل "كالعبية والكحيلة، والحمدانية، والصقلاوية" وغيرها، و(لعبي) بدلاً من "لعبة"، وكذلك (ركبي) بدلاً من "ركبة"، وهناك (اللخلخانية) وهي من لهجات "اليمن" ولغات أعراب "الشحر" و"عمان" كقولهم: (مشاالله كان)، يريدون قول: ما شاء الله كان، وفي "الجبل" يقولون: مشا الله وكان أو: يا ما شا الله، وذلك للتعجب.

ومن عيوب اللسان في "الجبل" أنهم يسمون تسميات ويلقبون أصحابها وينعتون بها، وذلك يستعمل في كلامهم اليومي وأحاديثهم العادية، وبعضهم يجعلها علامة فارقة، ومن هذه العيوب (التأتأة) أي أن يتردد في الهمزة، و(التمتمة) أن يتردد في التاء، ويقال لمن يخفض صوته بكلام غير مفهوم أنه يتمتم، وكذلك (اللتلتة) بمعنى أن يتردد في اللام والتاء، حكاية التواء اللسان عند الكلام وصوت العيي والألكن، وهناك (القرط) أو (اللثغة) أي أنه يصير الراء لاماً أو غيناً فيقال: فلان يقرط الراء فهو أقرط، ونراهم في "الجبل" يلصقون اللقب بصاحبه لتمييزه عمن يحمل الاسم ذاته من أقاربه فيقولون: (فلان الأقرط)، و(الخنخنة) أن يكون في صوته خنة تصدر من أنفه، فيخنخنن كلامه في خياشيمه، و(اللجلجة) أن يكون فيه عيب فيدخل بعض الكلام في بعض، و(اللطع) أن يلفظ ألفاظاً يغير بها بعض الحروف أي يلثغ فيصير السين ثاء فيقال: إنه يلطع كلامه فهو ألطع».

وأوضح الإعلامي "منهال الشوفي" مدير "موسوعة الجبل" بالقول: «من المعلوم أنّ سكان "جبل العرب" هم من قبائل عربية مثل "طي وعدنان ولخم" وغيرها، ولديهم من اللهجات المحلية ما يجعل كسر اللغة بالأحرف والكلام والأسماء بشكل واضح، وبالتالي يتمّ تداول مفردات عاشت مع الحياة اليومية والاجتماعية غالباً دون معرفة جذورها وأصلها، ولكن العديد من أفراد المجتمع يتداولون الألقاب مثل (أبو خني، والأقرط، والألثغ، وأيضاً أبو تاتأة)، جميعها عيوب في اللسان ولكنها تعود على أصحابها باللقب الاجتماعي، وهي بالحقيقة تدخل في كسر اللغة والأحرف والأسماء، وباتت جزءاً من حياتنا اليومية، وتأخذ منحىّ آخر إيجابياً في مفهوم العلاقة المتسامحة بمعنى أنّ الألقاب جاءت نتيجة لعلاقة ودية تتضمن المحبة والاحترام، ولكن من باب الهزل والسخرية أخذ الناس يلقبون بعضهم بعضا بها كما أشرنا سابقاً».