من رصيد الأدب والشعر جمعت "وفاء الشوفي" ما راق لروحها، مقدمة تجارب أدبية مختلفة قادتها لقصيدة النثر، حيث المستقر والتميز الذي عرف عنها في الأوساط الأدبية.

مدونة وطن "eSyria" أدارت حواراً بتاريخ 14 تموز 2014، مع الشاعرة وقلّبت معها صفحات تقاطعت مع تجربتها، ومنها هذا الحصاد:

أرى أن "وفاء الشوفي" صوت شعري صاعد بقوة القصيدة لجهة لغتها الشغوفة المطواعة، وهي تتماهى مع الحلم والواقع. ومجموعتها الشعرية الأولى "نرجسة الأنات" تشي بأكثر من ذلك، وقد عملت فيها على استحضار للمثيولوجيا والأسطورة واشتغالات تأملية لمختلف فضاءات وعوالم الموت والحياة، الشك واليقين، الجسد والروح، الأحلام والانكسارات، إلى جانب اشتغالها على السؤال الحاضر في نصها على نحو تفتح من خلاله بوابات التأمل للإنسان والحياة. "وفاء" التي تتأنى في قصيدتها وتداورها بدا لي أنها تعيش الشعر وجعاً وألماً ومعاناة وبوحاً لجهة انشغالها شعرياً بالأنا والإنساني، وإذا ما نجحت وهي المقلة بالنشر في تجاوز مجموعتها الشعرية الأولى في قادم نتاجها لجهة الاشتغال على الشعري، فإنها ستسجل حضوراً شعرياً لافتاً يستحق التوقف والاحتفاء النقدي بشاعرة سورية من طراز مختلف

  • انحزت للأدب في مرحلة مبكرة معلنة أنه نافذة للنداء والهمس، بوجع الروح، كيف اتجهت إلى الكتابة؟
  • الشاعرة وفاء الشوفي

    ** كان للكتاب حضوة وحضور واضحان في حياتي عندما بحثت به ومعه عن ذاتي كفتاة صغيرة تماهت مع أشعار "جبران خليل جبران" وكتّاب انتقلت معهم من مرحلة الشباب إلى النضج، وطبعت في ذاكرتي ملامح وأفكار قادتني للشعر بشكل غير مخطط له، بل هو فيض من البوح يكتبني مخزّناً من آهات النفس ما عجزت عنه الأحاديث، فقد بدأت كتابة القصة ولدي تجربة روائية متواضعة، لكن وجدت نفسي ذاهبة للشعر، فهو المحيط الذي تبحر فيه الروح طليقة من أسر الجسد والقانون الاجتماعي الظالم المتجلي بالعنصرية تجاه الأنوثة، هذا القهر أدركته منذ نعومة أظافري، وكان الجذر الذي أطلق فيما بعد شجرة الشعر عالياً.

  • تغمسين الريشة بحبر الفلسفة الممزوج بلغة شعرية عالية الإيقاع واضحة المعنى، هل تتعمدين ذلك؟
  • الإعلامي علي حسن

    ** من مهام الشعر طرح الأسئلة والبحث في خفايا هذا الوجود، وما يعتمل بداخلنا من أمواج يقودها الوهم لأسباب ظاهرية ولا نمتلك جذوة الحقيقة لنصل إلى كنهها، هذا الوجود يحرضنا على البحث عن رسم صور مختلفة للواقع لمشاعرنا وانفعالاتنا، لكنني لم أتعمد يوماً الإفصاح عن هذا البحث لأنني أنقاد مع قصيدتي بلا مقدمات، هي تجبرني على الكتابة وتخط بقلمي ما تريد وتنتقي لغتي الشعرية، ونعلم أن لغة الشعر لغة استثنائية وهي لغة أحلق بها بجناحي الدلالة الفلسفية العميقة للوجود البشري والمفردة المدهشة التي تصدم القارئ وتجعله منتشياً بأريج المعرفة، وتحثه على طرح الأسئلة من خلال اكتشاف شاعري ولغوي للوجود.

  • "سلالة" مقطع يثير الفضول، ومقاربة إنسانية عميقة، حدثينا عن هذا النص الذي أثار اهتمام القراء؟
  • ** هو مقطع من نص طويل عنوانه "نرجسة الأنات" يحوي حوالي اثني عشر مقطعاً، هو بوح وجداني امتزجت فيه رقة الأنوثة الأصيلة بحالة قهرية بيئية مزمنة، وسلكت فيه سبيل العودة إلى الوراء من خلال مثيولوجيا الآلهة الأسطورية التي كرمت الأنوثة قديماً واحتفت بها، ومن خلال هذه المقارنة خرج هذا النص المتداعي، صارخاً باحثاً متأملاً عمق الوجود الأنثوي في صراعه وتمزقه، ومن النص أنتقي:

    "نرجسة الأنات

    الأنا: أنثى النداء والتاء

    "غزالة" تلحق الصدى

    الأنا: تخربش على زجاج أوراقي

    والتاء تفتح نافذة الدفء

    الأنا: قطة تطوف الثلج والتاء

    ماسة تصادق الألوان في حضرة الضوء.

    موج كالأيدي

    ينقش الشواطئ

    وأيد كالموج

    تنقش الحجر

    هل هي يد الأثر؟

    أم يد القدر؟

    التي تنقش غيابنا

    نحن الحاضرون على حافة المغيب

    تحت قباب الأسئلة

    وراء إشارات السلالة الضاربة في اللا مكان".

  • تتلاقين مع قصيدة "الهايكو" ومنهم من يقارب بين ما تكتبين وملامح هذه القصيدة، أخبرينا عن ذلك؟
  • ** هو شعر الومضة التي تلتقط حركة الطبيعة الشاملة مازجة بينها وبين الطبيعة البشرية، ومن خلال ضوء الوعي الشعري الذي يكتشف وجوده ويبحث عنه في الطبيعة الكونية الغامضة، هذه التسمية درجت في مناطق خارج "سورية" على نوع من الشعر تحفر فيه الفلسفة ويرتكز على أفكارها، هذا الشعر تعرفت عليه من خلال شعراء قاربوا بين مجموعة كبيرة من أشعاري التي نشرت على صفحات الدوريات العربية والمواقع الإلكترونية، وبين هذا النمط الشعري الذي يميل إلى الفلسفة والتعمق، وقد يكون ذلك بناء على تعلقي بالفلسفة وارتباطي بمطالعتها كفكرة ومنطق أستمتع به، ولا أنكر أن لهذا الشعر ملامحه الجميلة المحرضة على التفكير والبحث، وهذا يتلاقى مع رؤيتي للشعر ودوره في طرح الأسئلة والبحث عن إجابات، ومن المقاطع التي تتلاقى مع قصيدة "الهايكو":

    1

    قلب الجمرة

    هو ثوبها أيضاً

    والذي يحترق

    فقط حنين الخشب.

    2

    الشجر... لا يشيخ

    طفولته، ماء

    وشبابه جمر

    3

    أسلاك شائكة

    تقسم الأرض

    فما الذي

    يوحد السماء؟

  • في "رحيل الروح لصدفة الأدب" قصيدة الشاعر حلم يطرحه على الورق ليراه في أقرب صباح هي حالة أخبرينا عنها، كيف نوصفها للقراء؟
  • ** تطارد الفكرة خيال الشاعر تنازعه ساعات النوم وتغزل معه عالم الأحلام الذي هو غالباً عالم ليلي سماواته واسعة رحبة، لكنها تزدحم بالأفكار والأماني والصور التي تتسابق للخروج إلى أوراقه البيضاء، ففي ليلي سماوات تحاصر وجعي تهزمه ليخرج طليقاً مع هواء الشعر ونسماته الرطبة أطبعه لأعود عليه في الصباح وكأنني لم أكتب، هي قصيدتي التي تختار طريقها لهذا الأبيض النقي لا لتغير ألوانه بل لتحاكي حالة إنسانية جديدة ووجعاً يختبئ مجبراً، ومع الشعر تعود له حاسة النطق ويتكلم.

    تابع نتاجها الأدبي ومجموعتها الشعرية الناقد والإعلامي "علي الحسن"، أما عن رأيه بتجربتها المبشرة فقال: «أرى أن "وفاء الشوفي" صوت شعري صاعد بقوة القصيدة لجهة لغتها الشغوفة المطواعة، وهي تتماهى مع الحلم والواقع. ومجموعتها الشعرية الأولى "نرجسة الأنات" تشي بأكثر من ذلك، وقد عملت فيها على استحضار للمثيولوجيا والأسطورة واشتغالات تأملية لمختلف فضاءات وعوالم الموت والحياة، الشك واليقين، الجسد والروح، الأحلام والانكسارات، إلى جانب اشتغالها على السؤال الحاضر في نصها على نحو تفتح من خلاله بوابات التأمل للإنسان والحياة.

    "وفاء" التي تتأنى في قصيدتها وتداورها بدا لي أنها تعيش الشعر وجعاً وألماً ومعاناة وبوحاً لجهة انشغالها شعرياً بالأنا والإنساني، وإذا ما نجحت وهي المقلة بالنشر في تجاوز مجموعتها الشعرية الأولى في قادم نتاجها لجهة الاشتغال على الشعري، فإنها ستسجل حضوراً شعرياً لافتاً يستحق التوقف والاحتفاء النقدي بشاعرة سورية من طراز مختلف».

    الجدير بالذكر، أن الشاعرة "وفاء الشوفي" حصلت على جائزة مهرجان "المزرعة" عن مخطوط شعري بعنوان "بيت من ورق" للعام 2003، صدر ديوانها الشعري الثاني "نرجسة الأنات" عام 2011 عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب، وقد كتبت عنه دراسات نقدية في جريدة الوطن السورية، ووكالة سانا، وفي عدة مواقع، ونشرت نصوصها في عدد من الدوريات العربية، وتستعد اليوم لإصدار ديوانها الجديد.