وجوده وهو في الرابعة عشرة من عمره بين جموع كبيرة من الناس وهي تغني الجوفيات وقصائد الفن، شكّل المنعطف الذي جعل الشعر هدفاً له وحياةً.. فكتب الشعر النبطي بكل ألوانه، وبات واحداً من الشعراء الذين تغنى قصائدهم في الجبل.

مدونة وطن "eSyria" التقت الشاعر الشعبي "مظفر الصحناوي" يوم الأربعاء الواقع في 18 حزيران 2014، ليتحدث عن سر تعلقه بالشعر: «كانت والدتي حريصة على دراستنا وتمنعنا من الخروج والاختلاط مع أقراننا، حتى عاد الوالد من غربته في يوم صادف وجود عرس لأحد أقاربنا في القرية، كنت في الصف العاشر، ولم أشارك أو أحضر عرساً طوال حياتي، حيث أمرنا الوالد بالذهاب للمشاركة. كان ذلك اليوم مفصلياً في حياتي ومنه لم أعد أترك مناسبة في القرية والقرى المجاورة إلا وأشارك فيها حتى كره والدي اليوم الذي جعلني فيه أذهب إلى العرس. وبدأت مواهبي الشعرية تتفتق منذ ذلك الوقت، فسرقتني من دراستي وعائلتي، خاصة الشعر الغزلي المقفى، واكتشف خالي المحامي "محمود الصحناوي" المعروف بثقافته الواسعة كتابتي للشعر في ليلة كنت فيها نائماً، فكتب لي على نفس الورقة جمل التشجيع بعد أن أصلح لي ثلاث كلمات، وبعدها اشتهرت بين أقراني بأنني شاعر العشاق والمتيمين، كنت أعرف كل أسرار رفاقي، وأكتب قصصهم شعراً. وفي فترة الجامعة كنت أقرأ بنهم كل ما يقع بين يدي من أشعار وروايات، وكانت لغتي العربية متميزة، ولم أفكر يوماً إلا بالكتابة العربية الفصيحة، وببحور "الفراهيدي" التي امتلكت ناصيتها، ولكن تلك الأشعار لم تكن تصل إلى الناس كما كنت أشتهي، وأرغب. حتى العام 2004 عندما انصبت كل أشعاري بشكل مفاجئ نحو العامية النبطية، حيث بدأت بقصيدة الفن على غرار القصائد التي يغنيها الناس في الأعراس:

لقد التقينا في أكثر من بلد عربي، بحكم تواجدنا في نفس المنطقة، كنت أعرف أنه يقرض الشعر، ولكنه لا يفضل قوله أمام الناس. وكان حريصاً على القراءة والمطالعة الدائمة، ونادراً ما كان ينوجد في سهرات الشباب، ولدى السؤال عنه يخبرك رفاقه أنه في إحدى المكتبات العامة. وبعد أن انتشرت أشعاره بين الناس في الغربة، كان متواضعاً ويؤكد أنه مجرد هاو يكتب لينفس عن روحه في الغربة المرة. والآن تجد قصائده مغناة في الأعراس والمناسبات، حيث تتميز قصائده بالبساطة والحكمة، وفيها من السلاسة والفكاهة كما في قصائد الفن المغناة في الأعراس

"برمش جفونو.. سباني غزال الدوح... بغمز عيونو.. كثر فنونو.. روح النار عالمجروح... يزيد جنونو

في إحدى المناسبات التي تألق فيها.

خد الجوري.. وجناته والقد لاح... بمرج زهوري.. طير الدوري.. يتغنى بأحلى صباح... بفي غصونو"».

بقي وحيداً في الظل بعد أن انتقل في كتابته للشعر النبطي بعيداً عن أعين الناس، ليس خوفاً بقدر ما كان عازماً على خط طريق ثابت ومتزن وسط قبيلة الشعراء، وكانت الغربة التي أخذت الكثير من سنوات عمره بعيداً عن الوطن، ورفاق الجامعة، عاملاً مساعداً على صقل موهبته الشعرية الجديدة، وتابع يصف هذه المرحلة: «كنت أكتب لنفسي بعيداً عن الأعين، ففي "لبنان" تعلمت اللهجة، وتابعت أشعار الميجنا وأبو الزلف والموال، وتتميز العامية اللبنانية بالجمال والسلاسة والبساطة القريبة من القلب. أما في الخليج فقد كان رفاقي يذهبون للسهر، وأنا زائر دائم لمكتبة "جرير" أشهر المكتبات العربية التي تتيح لأي زائر ما يريد ويرغب من الكتب أو المصادر بشكل مجاني، كنت أقرأ بنهم متواصل كل ما يتعلق بالشعر النبطي من البحور إلى اللهجة إلى القوافي إلى شرح الكلمات، إضافة إلى ذلك كنت حريصاً على اللغة العربية ومقارنة المصطلحات بين الفصحى والعامية، وقد اختلطتُ بعد أن اكتُشف أمري بعدد من الشعراء المعروفين في الخليج، وقُبلت في مسابقة شاعر المليون، ولكني لم أشارك فيها بسبب الخوف من الفشل على الرغم من تشجيع أولئك الشعراء المتمرسين لي، إضافة إلى أصدقائي شعراء الغربة السوريين، وعند عودتي إلى الوطن انطلقت من قريتي بقصائد الفن التي اشتهرت في الجبل بشكل كبير، وقد لُحن لي عدد من القصائد من ملحنين شباب مثل الفنان "رائد منذر"، وكذلك لي عدد من الجوفيات المحفوظة عن ظهر قلب في الأعراس والمناسبات، وقد تميزت قصائدي بلهجة قريبة من الناس، وأحب كثيراً قافية (القطم) التي تحتاج إلى القوة والمهارة من الشاعر. وفي السنوات الأخيرة كنت أشارك في الحفلات والمناسبات الوطنية، ولم أترك هوايتي القديمة في حضور الأعراس من جنوب "السويداء" إلى شمالها، وما زلت أحب الناس وأشاركهم في كل أفراحهم وأتراحهم، وهو ما يعطيني الدافع الدائم في البحث عن الفكرة الجديدة، والكلمة الطيبة التي تدخل قلوب الناس».

يواظب على التعلم ومعرفة كل ما يتعلق بالشعر النبطي.

وعن أنواع الشعر النبطي التي يطرقها، والمحبب إلى قلبه، أضاف: «لكل شاعر نبطي لون يتميز به، وفي الحقيقة كل فنون الشعر النبطي قريبة من قلبي، فأنا أكتب الشروقي والجوفية وقصائد الفن، والرثاء والغزل والمدح، والحكمة، وأحاول أن تكون قصائدي خارجة من القلب دون استعراض للعضلات، ولو أردت ذلك لكتبت قصائد معجمية تحتاج إلى استعمال العقل والمراجع لفهمها بسبب دراستي المتأنية لكل اللهجات والكلمات الصعبة غير المألوفة في عدد من المناطق. ومن القصائد التي أحبها كثيراً وتعاصر ظروف السنوات الأخيرة، القصيدة التي أقول فيها:

"قم يا رسل ودي سلامي بالعجل... من فوق حرة محنجلي قوم اعتلي

بلغ هلي بشامنا سهل وجبل... فجر النصر بدياركم طاب وحلي

أنتو ضياغم ضارية يوم الأزل... تزأر على جور الزمان الأولي

وشبالكم تسمع لها صرخة بطل... صوت الحدى ينخي النشامى يا هلي

يوم الفرح نلقى الشهادي والأجل... تنفوز بجنان الخلد والمنزلي

حيث الشهيد بعرفنا طاول زحل... وزغردي يا أم الشهيد وهللّي

تلمع بيارق تنكشف عتمي وظلل... الله أكبر تصرخ أم مرملي

وسيوفنا تضوي شمس مضرب مثل... وخيولنا بيوم النشب ما تجفلي

هبوا النشاما وصاحو لنلمّ الشمل... يوم الوغى يا عرب ياهل المرجلي"».

السيد "صفوان أبو مراد" المولود في قرية "الجنينة" في العام 1972 يترجم علاقته مع الشاعر "مظفر الصحناوي" في الغربة بالقول: «لقد التقينا في أكثر من بلد عربي، بحكم تواجدنا في نفس المنطقة، كنت أعرف أنه يقرض الشعر، ولكنه لا يفضل قوله أمام الناس. وكان حريصاً على القراءة والمطالعة الدائمة، ونادراً ما كان ينوجد في سهرات الشباب، ولدى السؤال عنه يخبرك رفاقه أنه في إحدى المكتبات العامة. وبعد أن انتشرت أشعاره بين الناس في الغربة، كان متواضعاً ويؤكد أنه مجرد هاو يكتب لينفس عن روحه في الغربة المرة. والآن تجد قصائده مغناة في الأعراس والمناسبات، حيث تتميز قصائده بالبساطة والحكمة، وفيها من السلاسة والفكاهة كما في قصائد الفن المغناة في الأعراس».

يذكر أن، "مظفر الصحناوي" ولد في قرية "الرضيمة الشرقية" في العام 1977م.